البرازيل تتطلع لدخول نادي كبار منتجي النفط حول العالم
انضمت إلى مجموعة «أوبك بلس» مع طفرة قياسية لإنتاج الخام
أثار إعلان مجموعة «أوبك بلس» قبل أسابيع قليلة انضمام البرازيل إلى عضويتها اهتمام أسواق الطاقة حول العالم، مع استمرار الطفرة القياسية لإنتاج الخام في هذه الدولة بأميركا الجنوبية. وأصبحت البرازيل واحدة من أبرز النقاط المضيئة في قطاع الطاقة خلال الفترة الأخيرة، بدعم اكتشافات ضخمة وخطط حكومية طموحة تستهدف دخول قائمة أكبر منتجي النفط حول العالم. طفرة تتحدى الأزمات نجحت البرازيل في التحول من كونها منتِجاً هامشياً للنفط إلى إحدى أبرز الدول المنتجة للخام، مع ارتفاع الإمدادات بشكل كبير بعد سلسلة من الاكتشافات النفطية منذ ما يقرب من عقدين. وكان أول اكتشاف كبير هو حقل «توبي» في حوض «سانتوس»، حيث ينتج حالياً نحو 500 ألف برميل يومياً من الخام، ما يجعله أكبر حقل للنفط في البلاد ومسؤول عن 16% من إجمالي الإنتاج. وكادت طفرة النفط في البرازيل أن تنهار قبل سنوات بسبب الفساد وسوء الإدارة، مما دفع شركة الطاقة المملوكة للدولة «بتروبراس» إلى حافة الإفلاس بفعل تراكم الديون. لكن إقرار إصلاحات في صناعة الطاقة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط ساهما في استئناف الطفرة من جديد. ومع حجم الاكتشافات النفطية وتطورها السريع، بالإضافة إلى ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي في مجال الطاقة منذ عام 2008، أصبحت البرازيل أكبر منتج للنفط في أميركا اللاتينية، متفوقة على دول أخرى مثل المكسيك وفنزويلا وكولومبيا. ونما إنتاج النفط في البرازيل إلى 3 ملايين برميل يومياً في عام 2022، بزيادة 4% على أساس سنوي، ما جعلها تاسع أكبر دولة منتجة للنفط في العالم. وجاءت 75% من الزيادة في إنتاج النفط البرازيلي خلال 2022 من مناطق «ما قبل الملح». طبقة ما قبل الملح تدير شركة «بتروبراس» نحو 30 وحدة بحرية للتنقيب عن النفط على امتداد ساحل جنوب شرق المحيط الأطلسي في البلاد. وتُعرف هذه المساحة باسم منطقة «طبقة ما قبل الملح»، لأنها تمتلك احتياطات نفطية مؤكدة - تبلغ 11.5 مليار برميل- تقع تحت قشرة سميكة من كلوريد الصوديوم في أعماق قاع المحيط. وكانت هذه المنطقة موطناً لاكتشاف نفطي في العقد الأول من هذا القرن يعتبر الأهم في نصف الكرة الغربي منذ 30 عاماً. وتم العثور على رواسب ما قبل الملح لأول مرة في عام 2006، لتبدأ طفرة نفطية هائلة في البرازيل على مدى ما يقرب من عقدين. وشكلت هذه المنطقة تحديات تقنية، حيث إنه على أعماق تصل إلى 7 كيلومترات تحت سطح الماء، كانت طبقات الصخور و2000 متر من الملح تتطلب مبالغ هائلة من أجل الاستكشاف. وأصبحت هذه المنطقة مصدراً متدفقاً للنقد بالنسبة للبرازيل ومستثمري «بتروبراس»، حيث حققت الشركة أرباحاً قياسية بقيمة 188 مليار ريال برازيل (39 مليار دولار). وارتفع إنتاج منطقة «ما قبل الملح» من 41 ألف برميل يومياً في عام 2010 إلى 2.3 مليون برميل يومياً في 2022. وحالياً، يأتي نحو 81% من إنتاج «بتروبراس» من «حقول ما قبل الملح» في البرازيل خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقابل 73% في نفس الفترة من عام 2022. وتبلغ تكلفة إنتاج النفط في منطقة ما قبل الملح حوالي 35 دولاراً للبرميل، بحسب بيانات «ريستاد إنرجي»، ما يقل كثيراً عن متوسط السعر الحالي لخام برنت قرب مستويات 80 دولاراً للبرميل. وبحسب «شراينر باركر» المحلل في «ريستاد»، فإن ثاني أكسيد الكربون المنبعث من النفط المستخرج من المنطقة يمثل نصف المتوسط العالمي للانبعاثات. ارتفاع قياسي للإمدادات ويواصل إنتاج النفط في البرازيل تحطيم المستويات القياسية، مع استمرار طفرة الإمدادات من منطقة «طبقة ما قبل الملح». وأعلنت الوكالة الوطنية للبترول والغاز الطبيعي في البرازيل ارتفاع إمدادات النفط في نوفمبر إلى 3.67 ملايين برميل يومياً، بزيادة 18.8% على أساس سنوي. وأنتجت الحقول البحرية 97.8% من إجمالي إمدادات النفط في البرازيل خلال شهر نوفمبر، حيث كانت شركة «بتروبراس» المملوكة للدولة مسؤولة عن 88.77% من إجمالي الإنتاج، سواء عبر الحقول التي تديرها بمفردها أو بالاشتراك مع شركات أخرى. وقالت شركة «بتروبراس» إن إنتاجها من النفط في الربع الثالث من العام الماضي ارتفع 9.6% على أساس سنوي. وذكرت الشركة أن إجمالي إمدادات النفط والغاز من الأصول التي تديرها، ما يشمل الإنتاج الخاص بشركائها وصل إلى 3.98 ملايين برميل يومياً من النفط المكافئ. وأرجعت الشركة الحكومية البرازيلية زيادة إمدادات النفط إلى صعود الإمدادات من منصتين بحريتين في حوض «سانتوس»، ومنصتين أخريين في حوض «كامبوس». وذكر «مات سميث» كبير محللي النفط في «كبلر» أن إنتاج البرازيل يعتبر أعلى بنحو 800 ألف برميل يومياً مقارنة بمستويات عام 2017. ورفعت «بتروبراس» مستهدفات الإنتاج لنهاية العام الماضي، مع الأداء الأفضل من المتوقع لوحدات الإنتاج البحرية التي تم تركيبها مؤخرًا، بالإضافة إلى آفاق حفر آبار جديدة في الربع الرابع. أهداف طموحة تمتلك الحكومة البرازيلية هدفاً للوصول إلى المرتبة الرابعة في قائمة أكثر الدول إنتاجاً للنفط بحلول نهاية العقد الحالي. وتستهدف البرازيل وصول إنتاج النفط الخام إلى 5.4 ملايين برميل يومياً، ما يجعلها تتفوق على دول نفطية مثل إيران وكندا. ولتحقيق هذا الهدف، تحتاج البرازيل إلى نمو إنتاجها من النفط بنحو 47% أو ما يعادل 1.73 مليون برميل يومياً على مدى السنوات الست المقبلة. وتخطط «بتروبراس» لتدشين 11 منصة إنتاج جديدة بحلول عام 2027، مع استثمار 64 مليار دولار في الاستكشاف والإنتاج كجزء من خطتها الاستراتيجية للفترة بين 2023 – 2027. وتتوقع شركة الطاقة البرازيلية أن تؤدي المشاريع الجديدة بجانب العمليات التشغيلية الحالية إلى زيادة الطاقة الإنتاجية اليومية لـ«بتروبراس» إلى نحو 3.1 ملايين برميل يومياً من النفط المكافئ بحلول 2027. وأشارت «بتروبراس» إلى أن الإنتاج التشغيلي للشركة وشركائها من المتوقع أن يبلغ 3.6 ملايين برميل يومياً بحلول 2027. ويتوقع «مات سميث» كبير محللي النفط في «كبلر» ارتفاع إنتاج النفط في البرازيل بنحو 400 ألف برميل يومياً في عام 2024، مشيراً إلى أن ارتفاع الإمدادات سيترجم إلى زيادة الصادرات. عقبات على الطريق ورغم الآفاق المشرقة لقطاع النفط في البرازيل، فإن الأمر لا يخلو من بعض المشكلات التي قد تعرقل استمرار الطفرة بالوتيرة الحالية. وفي حين أن آفاق نمو إنتاج البرازيل من النفط الخام كانت أفضل من المتوقع، فإن «بتروبراس» خفضت توقعاتها للاستثمارات في العام الماضي إلى 13 مليار دولار من التقديرات الأولية البالغة 16 مليار دولار، لكنها لا تزال أعلى 30% من مستويات عام 2022. وقال «كارلوس ترافاسوس» مدير «بتروبراس» لقطاع الهندسة والتكنولوجيا والابتكار إن سبب خفض الاستثمارات هو التحديات في قطاع الاستكشاف والإنتاج. وعلى جانب آخر، تواجه طفرة النفط في البرازيل احتجاجات أنصار البيئة في البلاد، والذين يرون أن طموحات «بتروبراس» تتعارض مع هدف الرئيس «لولا دا سيلفا» المتمثل في حماية البيئة والتنمية المستدامة. ولكن «بتروبراس» تعهدت أيضاً بإنفاق مبالغ كبيرة على مشاريع الطاقة الخضراء، حيث تستكشف إمكانية تطوير مصنع للميثانول الإلكتروني في البرازيل بالتعاون مع الشركة الدنماركية «يوروبين إنرجي». وتشير توقعات محللين إلى أن الإنتاج من حقول منطقة «ما قبل الملح» قد يصل إلى ذروته بحلول عام 2029، قبل أن يبدأ في الانخفاض، ما يطرح تساؤلات حول الخطوات المستقبلية للبرازيل للتعامل مع الأمر.
جريدة الجريدة