البداية السيئة للأسهم الأميركية في 2024 تتحدى أسطورة أثر يناير
يركز مستثمرو الأسهم كثيراً على محاولة توقع أداء السوق على المدى القصير، في محاولة لاستباق الأحداث وتحقيق أعلى عائد ممكن على الاستثمار. ويتجه البعض في إطار محاولات توقع أداء السوق إلى الاعتماد على العوامل الموسمية، التي يعتقد البعض بأنها تؤثر على مسار السوق ومعنويات المستثمرين. الأسهم والعوامل الموسمية ويبحث الكثير من المحللين عن الأنماط الموسمية في أسواق الأسهم، باعتبار أن الطبيعة البشرية يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير، ويميل الناس إلى القيام أو الرغبة في فعل أشياء مماثلة في نفس الوقت من كل يوم وأسبوع وشهر، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، حققت الاتجاهات الموسمية الشهرية أداء شبه متوقع في سوق الأسهم الأميركي. واستفاد المستثمرون مما يطلق عليه «ارتفاعات سانت كلوز» في ديسمبر، حيث حقق مؤشر «إس آند بي 500» صعوداً بنحو 4.4% في الشهر الماضي، كما حافظ شهر نوفمبر على مكانته باعتباره الشهر الأفضل أداء في العام بمكاسب تجاوزت 9%، كما احتفظ سبتمبر بسمعته التاريخية باعتباره الأسوأ لسوق الأسهم الأميركية، بينما استمر أكتوبر في كونه الأكثر تقلباً، حيث شهد «إس آند بي 500» الدخول في منطقة تصحيح تشير إلى هبوط بأكثر من 10% من أعلى مستوياته في العام. ومع ذلك حتى عندما تحدث التأثيرات الموسمية فإنها لا تكون موثوقة بدرجة كافية للتعامل معها، كما أنها عادة ما تكون أقل من أن تغطي تكاليف الشراء والبيع في لحظات محددة، وتتقلص التأثيرات الموسمية كلما أصبحت معروفة بشكل أكبر، حيث تتخلص الأسواق من أي حالات غير طبيعية في الأسابيع التي تسبق الموعد المفترض لحدوثها. بداية متقلبة للعام وبالعودة إلى الأداء الحالي للسوق، تعافت مؤشرات الأسهم الأميركية في أول جلسات الأسبوع الثاني من العام الجديد، بعد خسائر قوية في بداية 2024، وصعد مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 0.6% في نهاية جلسة أمس الاثنين، كما ارتفع مؤشرا إس آند بي 500 وناسداك بنحو 1.4% و2.2% على الترتيب. وجاء تعافي السوق الأميركي بعد أن تراجعت مؤشرات الأسهم في الأسبوع الأول من العام الجديد، لتنهي موجة مكاسب أسبوعية استمرت 9 أسابيع متتالية، وفي الأسبوع الماضي، هبط مؤشر إس آند بي 500 بنحو 1.5%، كما انخفض «ناسداك» بنحو 3.5%، في أكبر وتيرة هبوط أسبوعي منذ سبتمبر الماضي. وتأثر سوق الأسهم في أول أسبوع من 2024 بخسائر ما يطلق عليه أسهم العمالقة السبعة، وهي شركات أبل ومايكروسوفت وأمازون وألفابت وتسلا وإنفيديا وميتا، وجاء هبوط أسهم التكنولوجيا الكبرى في الأسبوع الأول من العام الجاري، بعد مكاسب حادة تجاوزت 50% لمؤشر ناسداك 100 الذي يركز على أسهم التكنولوجيا خلال 2023. وساهم سهم «أبل» في هبوط سوق الأسهم الأميركي بالأسبوع الماضي، بعد أن فقد نحو 5.9% من قيمته جراء خفض التوصية على السهم من جانب بنكين، وتأثرت الأسهم الأميركية سلبا في الأسبوع الماضي ببيانات اقتصادية عززت التوقعات باحتمالية إبقاء بنك الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول من الوقت. ماذا يعني أثر يناير؟ وجاءت خسائر الأسبوع الأول من العام بالرغم من أنه عادة ما ينظر إلى يناير باعتباره أحد الأشهر التي تشهد ارتفاعات لسوق الأسهم الأميركية، وقام أكاديميون بقياس الأداء المتفوق تاريخياً لشهر يناير لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي، لكن الورقة البحثية الرئيسية حول هذا الأمر تعود إلى عام 1976. ومنذ عام 1928، حقق مؤشر إس آند بي 500 ارتفاعا في 60% من المرات خلال يناير، بمتوسط صعود بلغ 1.2%، كما حقق مؤشر ناسداك تاريخيا مكاسب قوية في يناير، حيث بلغ متوسط الصعود 2.5%، وهناك نظريتان رئيستان تفسران ارتفاع الأسهم في يناير، الأولى تتمثل في بيع بعض المستثمرين الأميركيين الكثير من الأسهم الخاسرة لتوليد خسائر يمكن استخدامها لتقليل الدخل الخاضع للضريبة وبالتالي خفض الضرائب المستحقة. ومن شأن هذا التوجه أن يولد ضغوطا هبوطية غير طبيعية في السوق خلال ديسمبر، قبل أن ينحسر في يناير، وهو ما يمنح الأسهم بعض الارتداد المنطقي، لكن هذه الفرضية تلقى انتقادات من بعض المحللين، حيث إن البيانات تظهر وجود «أثر يناير» في سوق الأسهم قبل فرض ضريبة الدخل عام 1913، كما أن الأداء المتفوق في هذا الشهر يلاحَظ في دول أخرى بأنظمة ضريبة مختلفة. وبينما تبرز النظرية الثانية التي تفسر «أثر يناير» في أن مديري الأموال يقومون بحذف الأسهم ذات الأداء الضعيف من المحافظ الاستثمارية في ديسمبر، لتجنب الإبلاغ عن الحيازات الضعيفة في وثائق نهاية العام، قبل أن يقوموا بإعادة شرائها في يناير، ما يقدم دفعة للسوق، بينما يرى خبر الاقتصاد السلوكي أن تفوق أداء سوق الأسهم في يناير يرجع إلى وجود حالة من التفاؤل الموسمي لدى المستثمرين مع نهاية العام، وكشفت ورقة بحثية نشرت في 2011 في مجلة التمويل السلوكي أن «تأثير يناير» كان مدفوعاً بشكل جزئي بتفاؤل المستثمرين في بداية العام. على جانب آخر، يعتقد بعض المستثمرين أن ما يحدث في يناير يعتبر مقياساً لما قد يحدث في باقي العام، ويبشر ارتفاع يناير عادة بصعود سوق الأسهم خلال ما تبقى من العام، حيث يحقق مؤشر إس آند بي 500 متوسط صعود 9.2% في إجمالي العام، لكن عندما لا يرتفع السوق في يناير، فإن متوسط الصعود خلال إجمالي العام لا يزيد على 2% فحسب. تراجع الفعالية مؤخراً لكن الكثير من المحللين المدافعين عما يسمى «كفاءة السوق» يرون أن «أثر يناير» لم يعد يعمل بنفس الكفاءة خلال السنوات الأخيرة، بدعوى أن الأسواق الحديثة تتسم بالفاعلية بحيث لا يمكن لـ «أثر يناير» أن يؤثر على التداول، ويرى محللون أن المستثمرين يتوقعون مثل هذا التأثير، ليقوموا بشراء الأسهم في ديسمبر، في الوقت الذي يبدأ آخرون في البيع، ما يعوض في النهاية هذا التناقض ويؤدي إلى حالة من التوازن. وتشير بيانات إلى أنه منذ عام 2009 حتى يناير 2023، شهد الشهر الأول من العام ارتفاعات في 7 مرات مقابل 7 خسائر، ما يجعل نسبة الصعود والهبوط متعادلة، وعادة ما يظهر «أثر يناير» على أسهم الشركات صغيرة رأس المال أكثر من الشركات المتوسطة والكبيرة، بسبب ضعف السيولة في هذه الأسهم. أساسيات وتطورات مرتقبة وبعيداً عن التوقعات المبنية على العوامل الموسمية، يترقب المستثمرون العديد من البيانات والتطورات التي قد تحدد مسار سوق الأسهم خلال الشهر الجاري، وتنتظر الأسواق صدور بيانات التضخم في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الجاري، الأمر الذي قد يؤثر في اتجاه السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة. وتصدر الولايات المتحدة الخميس بيانات مؤشر أسعار المستهلكين عن ديسمبر، على أن تعلن تضخم المنتجين في اليوم التالي. على جانب آخر، يترقب المستثمرون انطلاق موسم نتائج الأعمال الفصلية نهاية هذا الأسبوع، حيث تعلن البنوك الكبرى أداءها المالي عن الربع الرابع من 2023، كما يصدر «الاحتياطي الفدرالي» قراره بشأن السياسة النقدية نهاية الشهر الجاري، وسط توقعات بتثبيت معدلات الفائدة دون تغيير عند 5.25% و5.5%، لكن المستثمرين يترقبون إشارة «الفدرالي» حول موعد خفض الفائدة، والتي تقدرها الأسواق في اجتماع مارس المقبل باحتمالية تتجاوز 60%.وتراجعت توقعات الأسواق لعمليات خفض الفائدة الأميركية هذا العام بعد البيانات الاقتصادية الأخيرة، لتشير أداة «فيد واتش» إلى توقعات بهبوط معدات الفائدة 5 مرات هذا العام، بعد أن كانت تشير في نهاية العام الماضي إلى 6 عمليات خفض، ولا تزال الأسواق المالية ترى احتمالية تقارب 64% لخفض الفائدة الأميركية بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع 20 مارس المقبل، مقابل احتمالية وصلت إلى 90% سابقا.
جريدة الجريدة