منصات التواصل... أهمية اقتصادية تفوق نظيرتها الاجتماعية
باتت تهم الكثير من الشركات حول العالم
شركة مثل «فيسبوك» تحظى بوصول جماهيري واسع النطاق، إذ يستخدم منصتها الرئيسية نحو ملياري ونصف المليار شخص، إلى جانب مليار مستخدم تقريباً لكل من منصاتها الأخرى مثل «إنستغرام» و«واتساب» و«ماسنجر»، وهذا الوصول الهائل يجعلها منجماً في أعين المعلنين.
«الشبكة خارج الخدمة والناس يشعرون بالذعر».. كان هذا عنوان تقرير لمجلة «كومبليكس» الأميركية في 13 مارس الماضي حول خلل في خوادم شركة «فيسبوك» أدى إلى تعطل خدمات شبكة التواصل الاجتماعي الأوسع في العالم وجميع المنصات التابعة لها مثل «إنستغرام» و«واتساب» و«ماسنجر».
في المقابل، وخلال التوقيت نفسه، نشرت مجلة «إنك» عبر موقعها الإلكتروني تقريراً عن نفس المشكلة لكن عنوانه حمل رسالة مختلفة بعض شيء وهي «فيسبوك وإنستغرام خارج الخدمة لساعات، لكن ليس عليك أن تهلع».
هذان التقريران تحدثا عن مشكلة ليست الأولى أو الأخيرة من نوعها لنفس الشبكة هذا العام، فقد تكررت المشكلة مرة أخرى بحلول الثالث من يوليو لكن على نطاق عالمي أوسع شمل أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأجزاء من الشرق الأوسط وآسيا، واستمرت نحو 12 ساعة.
ربما التكرار الذي ينم عن هشاشة نظام «فيسبوك» ومثيلاتها، هو السبب وراء العناوين التي تحدثت عن الذعر والهلع، ومع ذلك لا يبدو الأمر منطقياً، لِمَ قد ينتاب المرء شعورٌ بالخوف إزاء انفصاله -ولو بشكل كامل- عن هذه الشبكات لبعض الوقت أو حتى للأبد؟ ألم يحيا حياة طبيعية قبلها؟
ماذا لو لم توجد هذه الشبكات؟
- في تقرير نشرته وكالة «برانديجنيتي» للتسويق الإلكتروني عام 2015، استعرضت بعض النقاط التي كانت لتحدث لو لم يطور البشر شبكات التواصل الاجتماعي، وقالت إن غياب هذه المنصات يمنح المستخدمين وقتاً إضافياً للتواصل مع الأصدقاء والعائلة بشكل فعلي.
- هذه المنصات تجعل البشر أكثر تشاركاً لحياة بعضهم بعضاً إلى درجة تنسيهم ادخار بعض الوقت للالتقاء فعلياً، وهو أمر يؤثر في طبيعة العلاقة التي تربط الناس، وإذا اختفت شبكات التواصل الاجتماعي سيكون بمقدور المستخدمين أيضاً تجنب الأشخاص الذين لا يريدون التحدث إليهم أو رؤيتهم.
- لكن سيسود بعض الغموض حول الناس، ففي الوقت الحالي يمكن للمرء ببساطة استخدام جواله للدخول إلى إحدى شبكات التواصل الاجتماعي والبحث عن شخص بعينه لتكوين رأي بشأنه أو معرفة كيف يفكر وماذا يحب وما عمله.
- مع مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن للمستخدم تحديد المنشورات والصور التي يحب مطالعتها، لكن بدونها ومع العودة إلى الماضي القريب، ربما يكون عليه الاستماع للحكايات ورؤية الصور التي يعرضها الحضور حوله سواء أحب ذلك أم لا.
- وفقاً لـ«برانديجنيتي» فإن كل من تمنحه لقب «صديق» في حياتك سيكون صديقاً حقاً وليس كما تصنف شبكات التواصل الاجتماعي كل الأشخاص في قائمة المعارف، إضافة لذلك سيكون على المرء دائماً تذكر مواعيد أعياد الميلاد المهمة وتاريخ زواجه.
أهمية اقتصادية هائلة
- تقرير «برانديجنيتي» بدا منطقياً بالنسبة للمستخدمين، لكن ربما على مستوى الأفراد فقط، فكلمات مثل «هلع» و»ذعر» التي ارتبطت بأخبار العطل في شبكات «فيسبوك»، لم تكن لتشير إلى قلق هؤلاء الأفراد لعدم قدرتهم على التواصل معاً لسويعات.
- في الحقيقة، منصات مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«غوغل» وكل الشبكات الإلكترونية التي تعتمد على الإنترنت والخوادم التي يخشى البعض أنها عرضة طوال الوقت للأعطال والهجمات السيبرانية، باتت جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد وتهم الكثير والكثير من الشركات حول العالم.
- لإعطاء لمحة عن مدى تأثير هذه الشبكات في الاقتصاد وأهميتها للشركات، يكفينا أن نعلم أن إيرادات «فيسبوك» من الدعاية والإعلان تجاوزت 55 مليار دولار عام 2018 ارتفاعاً من 40 ملياراً في 2017، في حين بلغت إيرادات «غوغل» 116 مليار دولار ارتفاعاً من 95 ملياراً.
- شركة مثل «فيسبوك» تحظى بوصول جماهيري واسع النطاق، إذ يستخدم منصتها الرئيسية نحو ملياري ونصف المليار شخص، إلى جانب مليار مستخدم تقريباً لكل من منصاتها الأخرى مثل «إنستغرام» و»واتساب» و«ماسنجر»، وهذا الوصول الهائل يجعلها منجماً في أعين المعلنين.
- لو أن هناك درساً مستفاداً بالنسبة للشركات من تعطل الشبكات والتي تعد قنوات تسويقية، فهو عدم اعتبارها القنوات الوحيدة واليقين بأنها ليست مستدامة أو ذكية، لذا على الشركات اتباع نهج تسويق متكامل يعتبر منصات التواصل الاجتماعي جزءاً منه ولا يرتكز عليها كلياً.
عوامل نفسية تبرر الخوف
- رغم الأهمية الاقتصادية، فهناك عامل نفسي يجعل الأفراد أكثر ارتباطاً بمنصات التواصل الاجتماعي، ويقول تقرير لموقع «ميديم» إن تصميمات هذه الشبكات المليئة بالألوان الزاهية والإشعارات والرسائل تثير هرمون الدوبامين داخل الدماغ، وتجعل الشخص يرغب دائماً في الحصول على المزيد منها.
- عندما تبدأ الإعجابات والتعليقات في التدفق على الصورة أو المنشور الذي وضعه المستخدم للتو، يصبح العقل متحمساً ويريد المزيد من الاهتمام على الفور، الجميع يحب التحدث عن أنفسهم وآرائهم، لذا فإن الأدمغة تبحث عن مكافأة لها.
- وفقاً لتقرير لـ«ميديم»، يخصص الأشخاص ما بين 30 في المئة إلى 40 في المئة من المحادثات التقليدية وجهاً لوجه، للحديث عن أنفسهم، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 80 في المئة عبر الإنترنت، وهو ما يحبه الدماغ.
- هناك اعتقاد سائد لدى البعض بأن منصات التواصل الاجتماعي تؤجج العنف وتحرض على أعمال الشغب، وتم إغلاق شبكات كبرى مثل «فيسبوك» و»تويتر» في عدد من بلدان العالم في أعقاب أحداث عنف وصدامات، حتى إن الحزب الحاكم في المملكة المتحدة هدد بحجب بعضها.
- قد تكون هذه المنصات متهمة بالتأثير على الصحة النفسية للمستخدمين، لكن ليس صحيحاً أن إغلاقها يقلل من مستوى العنف (40 دولة أغلقت شبكات تواصل اجتماعية منذ عام 2010)، ويقول تقرير لموقع «ذا كونفرزشن» إن عمليات الإغلاق الجبري تسببت في تصاعد موجات العنف لا العكس.
- في دراسة أجراها باحثون من جامعة نيويورك، تبين أن مستخدمي «فيسبوك» الذين هجروا المنصة لبعض الوقت، حظوا ببعض الفراغ الذي لم يميلوا لاستغلاله في مطالعة مواقع أخرى، وإنما شاهدوا التلفاز واجتمعوا بالأصدقاء والعائلة.
- تبين أيضاً أنهم أقل متابعة للأخبار، وبالتالي كانوا أقل إدراكاً للأحداث، لكنهم أيضاً ظلوا أقل استقطاباً لوجهات النظر المتداولة على الشبكات الاجتماعية، وبشكل عام أدى ترك «فيسبوك» إلى زيادة السعادة لديهم وتقليل مشاعر الاكتئاب والقلق.
- مع ذلك، فإن قائمة المستخدمين المتنامية لـ«فيسبوك» تعني زيادة قيمة الشبكة بالنسبة للمستهلكين، ما يجعل الشبكة جذابة لرواد الإنترنت تماماً كما ينجذب السكان تلقائياً إلى المدن المزدهرة بفضل الفرص المتوافرة فيها، وبالتالي يمكن القول إن «فيسبوك» هي أول مدينة رقمية ضخمة في العالم.
المصدر: جريدة الجريدة