هزة عنيفة بأسواق المال العالمية بعد بيانات التضخم
«وول ستريت» تتكبد أكبر خسارة في عامين... والمؤشرات تهوي بنسب تجاوزت 5%.
دفعت عمليات بيع مكثفة، الأسهم الأميركية إلى التراجع بشكل حاد أمس ، بعد صدور تقرير أظهر ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع في أغسطس، فيما بدد الآمال في أن يخفف مجلس الاحتياطي الاتحادي وتيرة تشديد سياسته في المستقبل القريب.
وسجلت جميع مؤشرات «وول ستريت» الرئيسية الثلاثة انخفاضا حادا، لتوقّف سلسلة مكاسب استمرت 4 أيام، وتتكبد أكبر خسارة في يوم واحد في أكثر من عامين.
وأدى تزايد العزوف عن المخاطرة إلى دفع كل القطاعات الرئيسية إلى التراجع، وكانت أسهم شركات التكنولوجيا الحساسة لسعر الفائدة بقيادة «أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون» أكبر الخاسرين.
ووفقا لبيانات أولية، انخفض المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بواقع 177.72 نقطة، أو بنسبة 4.32 بالمئة، ليغلق عند 3932.69 نقطة، بينما خسر «ناسداك» المجمع 631.41 نقطة، بنسبة 5.16 بالمئة، ليهبط إلى 11635.01 نقطة.
وتراجع المؤشر داو جونز الصناعي 1285.66 نقطة أو 3.97 بالمئة إلى 31095.68 نقطة.
وتراجعت الأسهم الأوروبية والآسيوية أمس، لتلحق بخسائر وول ستريت الحادة، إذ هبطت الأسهم اليابانية في نهاية تعاملات أمس، بينما يحاول الين التعافي من انخفاضه القوي مقابل الدولار، وسط توقعات بتشديد السياسة النقدية بشكل أكبر من قبل الاحتياطي الفدرالي، بعد بيانات التضخم الأخيرة.
وبحسب وكالة سي إن بي سي، كشفت تقارير محلية أن بنك اليابان قد أجرى فحصًا لسعر الفائدة استعدادًا للتدخل في سوق سعر الصرف، بعدما اقترب الين من المستوى 145 مقابل الدولار عقب تقرير التضخم الأميركي.
كما أعرب صناع السياسة في اليابان عن قلقهم بشأن ضعف الين، وقال وزير المالية شونيتشي سوزوكي إن التحركات الأخيرة في العملة «سريعة ومن جانب واحد»، وفقًا لتقرير من «رويترز».
وأغلق مؤشر نيكي منخفضًا بنسبة 2.78 بالمئة عند 27818 نقطة، كما تراجع مؤشر توبكس الأوسع نطاقًا بنسبة 1.97 بالمئة عند 1947 نقطة.
أيضاً، أنهت الأسهم الصينية التعاملات على انخفاض بنحو 1 بالمئة، تزامنًا مع تراجع اليوان مقابل الدولار، وانخفض مؤشر شنغهاي المركّب بنسبة 0.8 بالمئة إلى 3237 نقطة، كما تراجع مؤشر سي إس آي 300 بنسبة 1.11 بالمئة إلى 4065 نقطة، وهبط مؤشر شنتشن المركّب 1.14 بالمئة إلى 2100 نقطة.
وتراجعت أسهم شركات التكنولوجيا في بورصة هونغ كونغ، حيث هبط سهم «تكترونيك إنداستريز» 10 بالمئة، كما انخفض سهم «علي بابا» 4.5 بالمئة، وتراجع سهم كل من «جي دي دوت كوم» بنسبة 4.2 بالمئة، و»بايدو» بنحو 5.6 بالمئة.
وفي الأسواق الأوروبية انخفض المؤشر ستوكس 600 بنحو 0.3 بالمئة، وتراجع مؤشر أسهم قطاع التكنولوجيا 0.4 بالمئة، وصعد مؤشر قطاع البنوك 0.1 بالمئة.
وكشفت بيانات أمس الأول أن أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة زادت أكثر من المتوقع في أغسطس، ومن المرتقب أن يرفع مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس لثالث مرة يوم الأربعاء المقبل.
وقفز مؤشر شركات التجزئة 2.3 بالمئة، وكان القطاع الأكثر ارتفاعا بعد صعود سهم إنديتكس الإسبانية المالكة للعلامة التجارية زارا 5 بالمئة. وارتفع المؤشر الإسباني 0.3 بالمئة، وكان ضمن بضعة مؤشرات صاعدة في أوروبا.
وأعلنت «إنديتكس» تسجيل قفزة بنسبة 24.5 بالمئة، في مبيعات 6 أشهر وارتفاع الأرباح على أساس سنوي، لتنهي شهر يوليو على ارتفاع قوي قبل بدء ضعف الطلب على الملابس الشهر الماضي بسبب زيادة التضخم.
وتوقّع اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم هبوطا بنسبة 0.1 بالمئة.
وجاء التراجع الكبير في الأسواق على الرغم من انخفاض نسبة التضخم في الولايات المتحدة 0.2 بالمئة فحسب، لتصل إلى 8.3 بالمئة في شهر أغسطس المنصرم، مقابل 8.5 بالمئة في يوليو، إلا أنها بقيت دون مستوى توقعات غالبية المراقبين، الذين تنبأوا بمستوى تضخم 8.1 بالمئة فحسب، في ظل تراجع نسبي في أسعار النفط والغذاء بما أثار تفاؤلا عاما بتراجع سريع للتضخم.
ووصفت «فوكس نيوز» الأميركية التراجع المحدود في التضخم الأميركي بأنه «بدد كل الآمال» في توقّف سريع للإجراءات التي يتخذها البنك الاحتياطي الفدرالي بهدف السيطرة على التضخم المرتفع في الولايات المتحدة، والذي بلغ مستويات قياسية لم يبلغها منذ 40 عامًا قبل أشهر.
وأشارت الشبكة الأميركية إلى أنه يحتمل أن يلجأ البنك إلى رفع الفائدة بنسبة 1 بالمئة كاملة وليس ثلاثة أرباع نقطة، وهو ما أعاد المخاوف إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي بفعل الرفع المستمر - والمتصاعد - للفائدة بما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي في بدايات عام 2023، كما يتخوف أكثر من 60 بالمئة من المديرين التنفيذيين للشركات الأميركية الكبرى.
فالشاهد أن الأسواق الأميركية ارتفعت خلال الأيام الماضية في إجراء تحوط تقليدي، تحت بند شراء الشائعة (أو التوقع)، وعندما اختلف التوقع عمّا حدث بالفعل على أرض الواقع، بانخفاض أقل من المتوقع لنسبة التضخم، حدثت صدمة في السوق أو سوق تصحيحية سريعة بددت مكاسب التوقعات المتفائلة السابقة.
مخاوف
والمخاوف الآن من «احتمالية» عودة السوق الأميركية إلى الهبوط الحاد الذي شهدته قبل 3 أشهر وعادت إلى التعافي خلال الشهر المنصرم، وذلك بعد تعافيها النسبي منذ بداية سبتمبر الجاري، لا سيما مع زيادة المخاوف المتعلقة بأداء كبرى الشركات التكنولوجية الأميركية، مع ميل المستهلك الأميركي لتقليل إنفاقه بشكل عام.
فحتى شركة تكنولوجية تصنف على أنها «مستقرة» وبعيدة عن عمليات المضاربة والتغير المستمر إلى حد ما مثل «مايكروسوفت»، تراجعت بالأمس بنسبة 5.5 بالمئة، فيما يعتبره المراقبون تشاؤما عاما حول مستقبل القطاع على المدى القصير.
وتشير التوقعات إلى احتمالية وجود حالة من التقلب وعدم الاستقرار في السوق الأميركي حتى يومَي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع القادم، حيث سيعقد «الفدرالي» الأميركي اجتماعه لتقرير نسبة الفائدة، ليتقرر اتجاه السوق بعدها وفقًا لنسبة الرفع، فإن تحققت التوقعات «المتشائمة» برفع الفائدة بنسبة 1 بالمئة، فغالبا ما ستنخفض السوق.
ومنذ قمته في الثالث من يناير الماضي، فقد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» حوالي 20 بالمئة من قيمته، أي أن سوق الأسهم الأميركية خسرت نحو 9.3 تريليونات دولار، في تراجع حاد للغاية يؤكد المخاوف من سيطرة السوق الهابطة على الأسهم الأميركية في المرحلتين الحالية والمستقبلية.
ولتوضيح مدى قوة هذا التراجع تكفي الإشارة إلى أن الأسهم الأميركية خسرت 9.8 تريليونات دولار بفعل فيروس كورونا في 2020، والذي يعده الاقتصاديون بمنزلة «قوة قاهرة» يصعب التنبؤ بها، وبالتالي يكون الرد عليها مصحوبًا بـ «بيع الهلع» الذي يصعب السيطرة عليه، كما أن التراجع قد ينعكس فور زوال «القوة القاهرة»، أما الآن فهي تطورات اقتصادية سلبية، لكنها ليست في مصاف «القوة القاهرة».
التأثير على العملات و«بتكوين»
هذا على صعيد تأثر سوق الأسهم باختلاف توقعات التضخم، أما سوق العملات، فعلى الرغم من ارتفاع الدولار بنسبة 1.5 بالمئة أمام سلة العملات الرئيسية اليوم (في أعلى ارتفاع يومي منذ مارس 2020 مع بدء انتشار كورونا)، بسبب التأكد من اتجاه المركزي الأميركي لرفع الفائدة بعد بيانات التضخم، فإن هذا الارتفاع منتظر أن يستمر حتى اجتماع «الفدرالي» الأميركي وسيتحدد اتجاه سعر الدولار وقتها مع درجة رفع البنك للفائدة الأميركية.
وغالبا ما ستتأثر العملات المشفرة بالسلب بسبب بيانات التضخم الأميركية، حيث تصف «فوربس» تلك العملات بأنها «ليست صديقة للتضخم ولأسعار الفائدة المرتفعة»، وذلك بعد أن شهدت حالة من الاستقرار النسبي خلال الفترة الماضية أدت لبقاء «بتكوين» فوق مستوى 20 ألف دولار، بل ووصلت في بعض الأيام الماضية إلى 22 ألف دولار، وهو تعافٍ كبير عن مستويات 17 ألف دولار المتدنية التي وصلت إليها قبل 3 أشهر.
وبشكل عام، فإن اتجاه سوق الأسهم والدولار الأميركي والعملات المشفرة سيبقى رهينة بما سيصل إليه اجتماعات «الفدرالي»، وغالبا ما تميل الأسواق بشكل عام مع اختلافات التوقعات الاقتصادية (هنا حول نسبة رفع الفائدة) إلى سلوك من اثنين؛ إما عملية بيع مكثفة تخفض السوق بشدة بفعل عمليات «بيع الهلع».
وإما كما يحدث في بعض الأحيان، حيث يميل المستثمرون إلى القيام بتحركات محدودة لـ «تحصين» المراكز المالية، بما يجعل التداول محدودًا في حجمه، وكذلك الارتفاع أوالانخفاض، وستظهر عمليات التداول اليوم وكذلك اليوم اتجاه السوق خلال الأيام القادمة، وما إذا كانت ستكون سوقا هابطة أم سوقا تتحرك بهدوء انتظارا لقرار «الفدرالي».
تبخرت نحو نصف تريليون دولار من القيمة السوقية لخمس شركات فقط في «وول ستريت» أمس الأول، وحده.
وبحسب المسح، الذي أجرته شبكة «ماركت ووتش» فقد سجلت شركات التكنولوجيا الهبوط الأكبر في أسواق أميركا، وعلى رأسها كل من «نفيديا» و«ميتا» اللتين تكبدتا أكبر الخسائر، إذ تراجعت أسهم كل منهما بنسبة 9.4%، تليها شركة (AMD) التي انخفضت أسهمها بنسبة 8.8%.
وخسرت أكبر خمس شركات في (S&P 500) من حيث القيمة السوقية 477 مليار دولار، أي نحو نصف تريليون دولار، خلال تداولات أمس الأول، بحسب «ماركت ووتش».
جريدة الجريدة.