هجرة الوافدين تتحدى التنويع الاقتصادي في الخليج
«ستاندرد آند بورز»: الكويت وعمان ستشهدان أكبر تراجع في عدد العمالة الأجنبية خليجياً
أدى نزوح العمالة الوافدة من دول الخليج في عام 2020، بسبب التداعيات الاقتصادية لفيروس كوفيد -19 وصدمة أسعار النفط، إلى تسريع التحول في سوق العمل بالمنطقة المتوقع استمراره حتى عام 2023. وقد يكون لهذه التغييرات تداعيات على المنطقة، وأن تشكل تحديات إضافية أمام تنويع مصادر الدخل غير النفطية على المدى الطويل إذا لم تتم مواجهتها بإصلاحات اقتصادية واجتماعية تعزز رأس المال البشري.
وقالت "ستاندرد آند بورز"، في تقرير: "من وجهة نظرنا سيكون لهذه التحولات الديموغرافية تأثير محدود على النمو الاقتصادي في المنطقة وتصنيفاتنا على الحكومات السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي على المدى القريب، مع حلال بقاء إنتاج النفط والغاز وأسعارهما ضمن مستويات ملائمة".
ومع ذلك، فإن إنتاجية دول المجلس ومستويات دخلها وتنويعها الاقتصادي قد تتعرض للركود على المدى الطويل، ما لم تقم بالاستثمار بشكل كبير في رأس المال البشري للسكان المحليين وتحسين مرونة سوق العمل.
وتوقع التقرير أن يكون عدد السكان انخفض بنسبة تزيد قليلاً على 4 في المئة في المتوسط للعام الماضي عبر دول مجلس التعاون الست، ويرجع ذلك أساساً إلى تدفقات المهاجرين إلى الخارج، وفي حين أن بعض المغتربين سيعودون مع تعافي الدورة الاقتصادية، "فإننا نتوقع أن نسبة العمال الأجانب في المنطقة ستنخفض، لا سيما في الكويت وسلطنة عمان. ومن غير المرجح أن يعود إجمالي سكان دول مجلس التعاون إلى مستوى عام 2019 البالغ 57.6 مليون نسمة حتى عام 2023، بسبب الظروف الاقتصادية الضعيفة وسياسات توطين العمالة".
وتابع: "ولا نتوقع أن يكون لهذه التحولات تأثير فوري على تصنيفاتنا على الدول السيادية في دول مجلس التعاون رغم أن أغلبية العمال الأجانب العائدين إلى ديارهم شغلوا مناصب منخفضة الدخل، مما يحد من مساهمتهم في الاقتصاد".
ومع ذلك، فإن اعتماد دول مجلس التعاون الكبير على العمالة الوافدة، لا سيما في القطاع الخاص أعاق تنمية رأس المال البشري بين السكان المحليين. حيث يتم توظيف أغلبية القوى العاملة المحلية من قبل القطاع العام، مما يؤثر على المواقف المالية للحكومة، خاصة في أوقات انخفاض أسعار النفط.
ولفت التقرير إلى أن حكومات دول التعاون تطبق بشكل متزايد سياسات لتعزيز مشاركة المواطنين في القطاع الخاص، ولا سيما من خلال الإجراءات التي تقيد توظيف الوافدين، و"نعتقد أن سياسات التأميم هذه يمكن أن تعرقل النمو الاقتصادي والتنويع إذا اثرت على الإنتاجية أو الكفاءة أو القدرة التنافسية".
وأضاف: "سيعتمد المسار الاقتصادي لدول المجلس على المدى الطويل على قوة الميزانيات العمومية للحكومات فضلاً عن استعدادها وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات التي تدعم القطاع الخاص الديناميكي. على وجه التحديد، نرى أن الإصلاحات التي تعمل على تحسين تعليم السكان الوطنيين ومهاراتهم ومشاركة المرأة في القوى العاملة ومرونة سوق العمل والمنافسة هي أمور أساسية لإطلاق النمو المستدام في المنطقة".
وبحسب التقرير، "أدت التداعيات الاقتصادية للوباء والانخفاض الحاد في أسعار النفط إلى تسريع التحولات الديموغرافية الأوسع في دول مجلس التعاون. بعد سنوات من تضاؤل النمو السكاني، نقدر انخفاضًا ملموسًا في عدد السكان في معظم دول المجلس لعام 2020، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تدفقات الوافدين إلى الخارج. بينما نتوقع عودة النمو السكاني الخافت في السنوات القادمة، من المرجح أن تنخفض نسبة العمال الأجانب بشكل مطرد".
اتجاه تنازلي
وبعد أن بلغ ذروته عند حوالي 6 في المئة في عام 2007، انخفض متوسط النمو السكاني في دول التعاون بأكثر من النصف إلى حوالي 2.3 في المئة خلال الفترة من 2015- 2019 في أعقاب الانخفاض الحاد في أسعار النفط أواخر عام 2014. وكان السبب وراء الانخفاض في تدفقات المهاجرين الوافدين في معظم البلدان، يتمثل في خفض الإنفاق الحكومي وخفض نمو التوظيف حيث تصاعدت الضغوط المالية على خلفية انخفاض عائدات الهيدروكربون، وانخفاض معدلات المواليد بشكل طفيف بين المواطنين.
وقال التقرير: "بالنسبة لعام 2020، نقدر أن عدد السكان في دول التعاون تقلص بنسبة 4 في المئة في المتوسط، وكان أكبر انخفاض في دبي، تليها عمان وقطر وأبوظبي والكويت".
في عُمان، تضرر السكان الوافدون بنحو 12 في المئة (ما يقرب من 230 ألف شخص) في عام 2020، مع انحراف الانكماش نحو العمال ذوي الدخل المنخفض من جنوب آسيا العاملين في البناء والزراعة. ووفقًا للهيئة العامة للإحصاء، فقدت السعودية ما يقرب من 260 ألف عامل أجنبي.
سياسات التوطين
ومع سعي الحكومات لتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة وخلق فرص عمل لسكانها، اكتسبت سياسات توطين العمالة زخمًا. ووضعت العديد من دول مجلس التعاون سياسات تعزز توظيف المواطنين من خلال رفع حصص التوظيف وزيادة الرسوم والضرائب وتشديد لوائح التأشيرات على الوافدين:
• أدخلت السعودية مخططها للتوطين الوظيفي في عام 2011. برنامج نطاقات، الذي يشار إليه باسم السعودة، يحدد حصص توظيف المواطنين على أساس حجم الشركة والصناعة. من الصعب قياس النجاح، مع استمرار زيادة عدد الوافدين في البلاد خلال عام 2019 إلى أكثر من 13 مليون نسمة. ومع ذلك، تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 1.3 مليون وافد غادروا القطاع الخاص منذ 2018، وأن معدل البطالة للمواطنين السعوديين انخفض إلى 11.8 في المئة في الربع الأول من 2020، قبل آثار جائحة كوفيد -19، مقارنة مع 12.9 في المئة في الربع الأول من عام 2018. وبعد ظهور الوباء، ارتفع معدل البطالة إلى 15.4 في المئة في الربع الثاني من 2020 وانخفض إلى 14.9 في المئة في الربع الثالث.
• اعتمدت الكويت قانونًا في أكتوبر 2020 يطالب الحكومة باتخاذ إجراءات لتقليل عدد الوافدين في البلاد. وأعرب كبار المسؤولين الحكوميين عن رغبتهم في تقليص عدد الوافدين إلى 30 في المئة فقط من إجمالي السكان مقارنة مع 70 في المئة حالياً. ويعتبر هدف الـ 30 في المئة طموحًا وواقعيًا فقط إذا تم تنفيذه بشكل تدريجي.
• سمحت الحكومة العمانية فقط بتوظيف المواطنين في قطاعات معينة منذ عام 2018، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات (IT) والهندسة والطيران. كما زادت الحكومة مؤخرًا رسوم توظيف الوافدين.
• وضعت السلطات البحرينية قيودًا على الحد الأقصى لعدد العمال الأجانب حسب النشاط الاقتصادي وحجم الوحدة الاقتصادية.
• تهدف قطر إلى زيادة مشاركة المواطنين في قطاعي الصناعة والطاقة إلى 50 في المئة في إطار رؤيتها 2030.
• دولة الإمارات لديها حصص لتوظيف مواطنيها في القطاع الخاص. ومع ذلك، فإن الدولة (على غرار قطر) لديها سياسات عمل أقل تقييدًا نسبيًا، وتواصل بذل الجهود لجذب المواهب الأجنبية الماهرة.