موجة فيروس كورونا الثانية تلقي بظلالها على تعافي الاقتصاد العالمي

«الوطني»: جددت المخاوف بشأن آفاق النمو وسط مراجعتها وتخفيضها
● مخاوف بشأن الطلب على النفط بعد عودة تفشي الفيروس

وفق «الوطني»، توقف الانتعاش في أسواق الأسهم في سبتمبر الماضي، إذ انخفضت المؤشرات الأميركية بنسبة تراوحت بين 2 و5% نتيجة حالة عدم اليقين تجاه الانتخابات الرئاسية الوشيكة، على الرغم من الآمال المتذبذبة حول إقرار حزمة التحفيز المالي.

قال الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني إن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تفشي الموجة الثانية من جائحة كورونا عبر الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، مما أدى إلى إعادة فرض القيود الاحترازية وحظر التجول وإغلاق أنشطة الأعمال وتجدد المخاوف بشأن الآفاق الاقتصادية.

وفي أحدث تقاريره، قام صندوق النقد الدولي بخفض آفاق النمو العالمي لعام 2021 إلى 5.2 في المئة، على الرغم من الإشارة إلى أن تداعيات الجائحة حتى الآن كانت أقل حدة مما كان متوقعاً، كما حذر من أن مسار التعافي سيكون طويلاً ومحاطاً بحالة من عدم اليقين، ومن المفترض أن يصل انتقال العدوى إلى مستويات متدنية في كل مكان مع نهاية عام 2022.

في التفاصيل، توقف الانتعاش في أسواق الأسهم في سبتمبر، إذ انخفضت المؤشرات الأميركية بنسبة تراوحت ما بين 2 و5 في المئة نتيجة حالة عدم اليقين تجاه الانتخابات الرئاسية الوشيكة، على الرغم من الآمال المتذبذبة حول إقرار حزمة التحفيز المالي.

كما حافظت أسعار النفط على استقراراها بصفة عامة، إذ ما تزال تتداول في نطاق يتراوح ما بين 40 و45 دولاراً للبرميل، وسط تزايد المخاوف حول اضطرار منظمة أوبك وحلفائها إلى وقف زيادة الامدادات مستقبلاً في حال استمرار تراجع الاقتصاد العالمي والطلب على النفط.

الانتخابات والتحفيز المالي

ما تزال البيانات الاقتصادية الأميركية إيجابية إلى حد كبير على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة الجديدة بالفيروس، وظروف عدم اليقين قبيل الانتخابات الرئاسية، والمخاوف المتعلقة بخطة التحفيز المالي إلى جانب انحسار الزخم في سوق العمل، مما أثر على آمال الانتعاش الاقتصادي.

وارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات الصادر عن معهد إدارة التوريدات إلى 57.8 نقطة في سبتمبر بفضل الارتفاع القوي لسجلات الطلبيات، على الرغم من إقرار الشركات بضبابية التوقعات. لكن مؤشر القطاع التصنيعي تراجع إلى مستوى 55.4 نقطة مقارنة بالمستويات التي سجلها في شهر أغسطس خلال ذروه انتعاشه.

من جهة أخرى، تراجع الدخل الشخصي في أغسطس بنسبة 2.7 في المئة، على أساس شهري، بعد شهر واحد من توقف إعانات البطالة وكذلك تباطأ انتعاش الإنفاق الاستهلاكي أيضاً إلى 1.0 في المئة على أساس شهري، إذ انخفضت معدلات البطالة إلى 7.9 في المئة في سبتمبر مقابل 8.5 في المئة في أغسطس، لكن زيادة معدلات التوظيف التي بلغت 661 ألف وظيفة فقط كانت أقل من نصف المستويات التي تم تسجيلها قبل شهر ولم تتم استعادة سوى أقل من نصف الوظائف التي فقدت قبل الجائحة.

وانخفض أيضاً معدل المشاركة في القوى العاملة إلى 61.4 في المئة مما يشير إلى خروج المزيد من الأشخاص من سوق العمل نهائياً.

وقبل موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 3 نوفمبر، لم يتمكن كلا الحزبين السياسيين حتى الآن من الاتفاق على حزمة تحفيز مالي جديدة لتعزيز تعافي الاقتصاد الذي يتعرض لمخاطر التعثر. واقترح الرئيس ترامب حزمة تحفيز مالي بقيمة 1.8 تريليون دولار (9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) تتضمن تمديد استحقاقات البطالة وإرسال شيكات للأفراد فيما يعتبر أقرب الحلول للمطالب المقدمة من الديمقراطيين بقيمة 2.2 تريليون دولار منه إلى اقتراح الجمهوريين السابق.

وقد يكون لنتائج الانتخابات أيضاً آثار اقتصادية جوهرية، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن حالياً والذي يؤدي فوزه بمنصب الرئاسة إلى توقعات بزيادة الدخل الشخصي وزيادة ضرائب أرباح الشركات والأرباح الرأسمالية، إضافة إلى إقرار المزيد من اللوائح التنظيمية البيئية، خصوصاً إذا تزامن ذلك مع فوز حزبه أيضاً بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ.

لكن ذلك قد يؤدي إلى إقرار خطة تحفيز مالي قصيرة الأجل بقيمة أعلى إضافة إلى تراجع التوترات التجارية الدولية، وكلاهما سيكون موضع ترحيب من الأسواق المالية.

فيما قد تؤدي الانتخابات إلى حالة من عدم اليقين السياسي قد تستمر على مدى أسابيع عدة إذا كانت النتائج غير واضحة ليلة الانتخابات لتأخر جمع نتائج التصويت البريدي أو حتى نتيجة بعض الإجراءات القانونية.

وبعد إعلان الاحتياطي الفدرالي في أغسطس الانتقال إلى تبني مستوى تضخم مستهدف أكثر مرونة (ما يزال 2 في المئة وإن كان يحتسب كمتوسط مع مرور الوقت) مع التزام الاحتياطي الفدرالي باتباع سياسة نقدية شديدة التيسير (الإبقاء على معدل الفائدة في حدود 0.0 و0.25 في المئة وشراء سندات بقيمة 120 مليار دولار شهرياً) بغض النظر عما ستؤول إليه نتيجة الانتخابات.

لكن مسؤولي الاحتياطي الفدرالي يواصلون ممارسة الضغوط سعياً لإقرار خطة تحفيز مالي أكبر حجماً مع استمرارهم في التقليل من شأن المخاطر المحتملة بما في ذلك إمكانية تزايد مستويات العجز، إذ علق رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول بإن مخاطر انخفاض حجم التحفيز المالي في الوقت الحالي أسوأ بكثير من مخاطر التحفيز المالي الكبير، في ظل عدم استقرار النشاط الاقتصادي.

ومن جهة أخرى، بقي معدل التضخم الأساسي متواضعاً، اذ بلغ 1.7 في المئة في سبتمبر، لكنه يعتبر مرتفعاً إذا ما قورن بمستواه المنخفض الذي بلغ 1.2 في المئة في يونيو.

 

كما ارتفع عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 10 نقاط أساس إلى 0.78 في المئة خلال الشهر المنتهي إلى منتصف أكتوبر نتيجة استهداف الاحتياطي الفدرالي لمعدل تضخم مرن وإمكانية إقرار حزمة التحفيز المالي، لكن التزام الاحتياطي الفدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة من شأنه كبح جماح أي تحركات حادة أخرى في المستقبل.

الاقتصاد الأوروبي

أدت زيادة حالات الإصابة بالفيروس في كل أنحاء أوروبا إلى ضرب آمال التعافي الاقتصادي الذي كان قد بدأ يكتسب زخماً، إذ عادت العديد من الدول الكبرى، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة لتطبيق إجراءات الإغلاق وفرض القيود الاحترازية لاحتواء تفشي الجائحة، مما سيقوض الثقة ويؤثر على الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع.

وانخفض مؤشر مديري المشتريات في منطقة اليورو ليدخل منطقة الجمود بوصوله إلى مستوى 50.4 نقطة في سبتمبر مقابل 51.9 نقطة في أغسطس على خلفية انكماش قطاع الخدمات (48.0).

ففي فرنسا على سبيل المثال، تم فرض حظر التجول مجدداً في كافة أنحاء المدن الكبرى من الساعة 9 مساءً حتى الساعة 6 صباحاً لمدة أربعة أسابيع على الأقل، ولا تتوقع وكالة الإحصاء الرسمية الفرنسية INSEE تسجيل أي نمو في الربع الرابع من عام 2020 مع استمرار مخاطر الانكماش بعد توقعاتها بتحقيق نمو بنسبة 16 في المئة، على أساس ربع سنوي، في الربع الثالث من العام الحالي، مما يؤدي إلى إبقاء معدل النمو عند مستوى -9 في المئة في عام 2020.

وتعتبر تلك التوقعات أفضل قليلاً مقارنة بالانكماش بنسبة -9.8 في المئة الصادرة عن صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر. لكن إجماع آراء المحللين يشير إلى أن الموجة الثانية من الجائحة، التي تعتبر أعتى من سابقتها قد تتسبب في إحداث أضرار اقتصادية أقل حدة من الموجة الأولى، إذ لم تكن السلطات الوطنية مستعدة لمواجهتها آنذاك.

أما على صعيد السياسة النقدية، فقد أدى تزايد الضبابية حول آفاق النمو الاقتصادي نتيجة الموجة الأخيرة من تفشي الفيروس (وفعالية احتوائها) إلى دفع البنك المركزي الأوروبي لاتباع نهج الانتظار والترقب قبل اتخاذ أي إجراء جديد.

لكن التوقعات تتزايد بشأن إعلان البنك توسيع نطاق أو تمديد أجل برنامج شراء الأصول الطارئ لمواجهة آثار الجائحة، الذي تبلغ قيمته 1.35 تريليون يورو إلى ديسمبر، مع الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند مستوى -0.5 في المئة.

وانخفض معدل التضخم الأساسي في منطقة اليورو في سبتمبر إلى أدنى مستوياته المسجلة على الإطلاق عند مستوى 0.2 في المئة، على أساس سنوي - وإن كان الخفض المؤقت لضريبة القيمة المضافة الألمانية أدى دوراً في ذلك - مما ساهم في زيادة المطالبات باتباع سياسة نقدية أكثر مرونة.

وفي المملكة المتحدة، يدرس بنك إنكلترا التحول إلى أسعار الفائدة السلبية (تبلغ حالياً 0.1 في المئة). لكن التوقعات الاقتصادية تشير إلى توقف ذلك على قدرة الحكومة على إبرام اتفاق تجاري بعد انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي قبل المهلة النهائية بنهاية أكتوبر، مع توقف المفاوضات حول بعض القضايا بما في ذلك حقوق الصيد والإعانات.

 

 

 

مخاوف بشأن الطلب على النفط بعد عودة تفشي الفيروس

 

تغيرت معنويات سوق النفط بشكل ملحوظ في سبتمبر نتيجة لتزايد عدد حالات الإصابة بالفيروس والانعكاس السلبي لفرض المزيد من القيود على حركة التنقل في فصل الخريف، مما أثر سلباً على الطلب على النفط. وشهدت أسعار النفط أول خسائر شهرية منذ مارس الماضي، إذ تراجعت أسعار العقود الآجلة لمزيج خام برنت بنسبة 9.6 في المئة إلى 41.0 دولاراً للبرميل بنهاية تداولات شهر سبتمبر. لكن الأسعار تمكنت من الارتفاع هامشياً منذ ذلك الحين ووصلت إلى حوالي 43 دولاراً للبرميل (كما في 16 أكتوبر) بدعم من البيانات الصادرة عن منظمة «أوبك» التي أظهرت أن امتثال المنظمة التي تتكون حالياً من 10 أعضاء قد تخطى نسبة 100 في المئة للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر، وأشارت إلى ارتفاع الطلب الصيني على النفط واستمرار تراجع المخزون الأميركي، وعلى الرغم من ذلك وفي ظل مواجهة الاقتصادات المتقدمة بصفة خاصة إعادة فرض حظر التجول الجزئي وقيود التنقل، فمن المرجح أن يتأخر تعافي نمو الطلب على النفط. من جهة أخرى، حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن التوقعات «ما تزال هشة» وأن هناك «حيزاً محدوداً» في السوق لاستيعاب الإمدادات الإضافية التي أقرتها «أوبك» وحلفاؤها بدءاً من شهر يناير 2021 إضافة إلى عودة الصادرات الليبية. وقد تتجه «أوبك» للإبقاء على حصص خفض الإنتاج الحالية دون تغييرها عند عقد اجتماعها الوزاري المقبل بنهاية نوفمبر.

وفي ذات الوقت، تزايدت التكهنات الخاصة بالإطار الزمني لذروة الطلب على النفط بعد أن أصدرت شركة النفط البريطانية العملاقة، بريتيش بتروليوم، تقريراً صادماً ذكرت فيه أن الجائحة قد تكون ساهمت في إنهاء طفرة الطلب على النفط وسرعت التحول بلا رجعة عن استخدام الوقود الأحفوري ما يعني أن مستويات عام 2019 البالغة 100 مليون برميل يومياً ستكون هي ذروة الاستهلاك.

وجاء رأي «أوبك» مخالفاً لذلك، إذ نشرت في تقريرها الشهري الذي صدر في وقت لاحق: «تعتقد المجموعة أن الطلب على النفط سوف يتعافى إلى مستويات ما قبل الجائحة في عام 2022 وسيستمر في النمو لمدة 20 عاماً».

بدورها، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يستقر النمو خلال 10 سنوات، لكنها اتجهت لتأكيد تأخر تعافي الطلب على النفط على خلفية استمرار الجائحة.

 جريدة الجريدة