لا حالات تعثّر للصناديق الاستثمارية منذ تأسيس «أسواق المال»
• الدور الحالي لـ«المحلية» دون المستوى المأمول
• 30 ألف دينار رسوم تسويق الوحدات الخارجية في الكويت
مع انتشار دعوات الاستثمار في «كايمان» انتشار النار في الهشيم، تكاد تجعل من تلك الجزر قبلة المستثمرين العالميين والمحليين، كما توحي بعض تلك الدعوات، التي غالباً ما ترفق بإشارات عن مرونة رقابية متناهية وتسهيلات ضريبية مشجعة، تقابلها إشارات ضمنية لتشددٍ رقابي محلي، تثور العديد من التساؤلات حول مدى نجاح هيئة أسواق المال عموماً، وفي مجال أنشطة الأوراق المالية بصورة خاصة في تحقيق الموازنة الصعبة بين «المرونة الإجرائية» المحفزة، وبين تحقيق المتطلبات الرقابية المطلوبة وبعدالة على الجميع لضمان حماية حقوق المتعاملين.
وبعيداً عن واقع الاستثمار في جزر كايمان وأمثالها، الذي شكل ظاهرة في السنوات الأخيرة تخبو أحياناً تلك الدعوات لتعود إلى السطح مرة أخرى، بمعزل عن تقييم مدى امتثال المؤسسات المالية والاستثمارية فيها لمعايير النظام المالي العالمي.
80 «خارجياً» مقابل 40 «محلياً»
تجدر الإشارة إلى أن تفوق الصناديق الخارجية على المحلية رقمياً كما أفادت مصادر الهيئة لا يمكن اعتباره معياراً للمقارنة، للاعتبارات التالية:
- أعداد الرخص الممنوحة لكلا نوعي الاستثمار المتعلقين بالصناديق الاستثمارية (تسويق الخارجية وتأسيس المحلية)، إذ إن بعضها تراكمي والآخر خاص بسنة مالية واحدة، والحقيقة أن عدد رخص تسويق الصناديق الخارجية خلال السنة المالية الأخيرة (2020/2021) بلغ (11 رخصة تمت دراستها والموافقة عليها، وهناك 4 رخص أخرى قيد الدراسة) وفقاً لبيانات التقرير السنوي الأخير للهيئة، مقابل ترخيص واحد لصندوق استثماري محلي ودراسة طلب آخر في ذات الفترة.
أما الأرقام التراكمية لكلا نوعي الترخيص (الخارجي والمحلي) منذ تأسيس الهيئة، فتشير إلى (80) موافقة لتسويق وحدات نظام استثمار جماعي مؤسس خارج دولة الكويت، مقابل (40) موافقة لتأسيس صناديق استثمارية داخل دولة الكويت منها: (26) اكتتاباً عاماً و(14) اكتتاباً خاصاً، ما يعني أن ثلث الموافقات الممنوحة منذ تأسيس الهيئة كان لصناديق محلية وثلثيها لصناديق خارجية.
- لايمكن بحالٍ من الأحوال اعتبار التراخيص الـ 11 الممنوحة لتسويق وحدات صناديق الاستثمار الخارجية «طفرة»، فالسنة المالية السابقة لها (2019/2020) شهدت منح عدد مماثل لها تماماً وهو (11) رخصة، مقابل (7) موافقات لطلبات تأسيس صناديق محلية.
أما السنة المالية (2018/2019) فقد شهدت بدورها إصدار (18) ترخيصاً لنظام استثمار جماعي مؤسس خارج دولة الكويت فهناك تراجع في منح تلك التراخيص (18 مقابل 11) إذ أخذنا الرقم مؤشراً على النمو في هذا المجال.
- أيضاً يتوجب التأكيد على أن الأرقام التراكمية تشمل أيضاً طلبات تجديد التسويق باعتبار أن «رخص التسويق» تمنح سنوياً ولا تجدد، إنما تصدر بموجب رخص جديدة. الأمر الذي يعني أن الرقم التراكمي لايشير إلى كم الرخص الجديدة الممنوحة، بل إلى عدد الرخص القائمة في ذلك التاريخ (المنوحة لأول مرة والمجددة).
الرسوم بين العدالة والإجحاف!
تقول مصادر هيئة أسواق المال، إنه خلافاً لما يعتقده البعض بأن الرسوم المرتفعة والإجراءات الرقابية المتشددة كانت وراء توجه بعض الشركات للتركيز على تسويق الصناديق الخارجية على حساب تراجع تأسيس الصناديق المحلية، فإن نسبة الرسوم المحلية (وفق المصادر تلك) أقل مقابل الرسوم الخاصة بتسويق الصناديق الخارجية بهدف تشجيع التأسيس المحلي، ويمكن الإشارة إلى ما يلي:
1 - تبلغ الرسوم المحددة لترخيص صندوق محلي (5000 دينار كويتي) تدفع كل ثلاث سنوات، أي مايقل عن (1700 دينار) في السنة، وبمقارنة بسيطة مع الرسوم المماثلة في بعض أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، يتضح أن الرسوم المحلية في حدودٍ معقولة ومتقاربة.
2 - تتراوح الرسوم الخاصة بتسويق الصناديق الخارجية بين (15000-30000) دينار خلال السنة الواحدة، وهي رسوم تعد مرتفعة مقارنة بالمحلية، بالنتيجة معدل رسم تأسيس الصندوق المحلي لايتجاوز 11 في المئة من الرسم المترتب على تسويق الصندوق الخارجي في أحسن الأحوال.
ومن أسباب ارتفاع الرسوم الخاصة بتسويق الصناديق الخارجية هو الحد من التوجه لتسويق الصناديق الخارجية بدلاً من تأسيس صناديق محلية إلا في الحالات التي تستوجب التوجه للصناديق الخارجية لأسباب مرتبطة بغاية الاستثمار وما يترتب عليها من قيود تخص البيئة التنظيمية ومزايا ضريبية في بلد الاستثمار والتي تحتم انشاء تلك الصناديق بالخارج.
3 - أما بالنسبة للإجراءات التنظيمية والتشريعية والرقابية ذات الصلة بأنشطة الصناديق، فقد شددت مصادر هيئة أسواق المال على أن معيارها الرئيسي كما باقي الضوابط المنظمة لمختلف أعمال الهيئة، هو التوافق مع أفضل الممارسات والمعايير الدولية المطبقة دون إغفال ضرورة مراعاة الخصوصية المحلية عموماً والمرونة المطلوبة أحياناً، مع التأكيد دوماً على أن التساهل بلا ضوابط لايعني مصلحة للمستثمرين على أية حال.
الصناديق المحلية النشاط والدور
في السياق ذاته، قالت مصادر الهيئة، إن بيئة صناديق الاستثمار بالكويت شهدت تطوراً ملحوظاً فيما يخص جودة الصناديق المؤسسة في البلاد منذ تأسيس «أسواق المال» ومتانتها وانعدام حالات تعثرها، لكن الهيئة تأمل مزيداً من التطور لهذه الأداة. واتفقت المصادر على أن الدور الحالي لصناديق الاستثمار المحلية في واقعنا الاسثماري المحلي دون المستوى المأمول (59 صندوقاً محلياً بتاريخ 30/6/2021 برأسمال مقداره 2.062.217.762 ديناراً، وصافي قيمة أصول تعادل 2.232.879.602 ديناراً، ولذلك مسبباته العديدة في نظرها، بعضها مرتبط بالبيئة الاستثمارية عموماً، وبعضها الآخر متعلق بطبيعة المستثمرين في الكويت والذين يفضلون الاستثمار المباشر متى ما كان ذلك ممكناً، إضافة إلى أن مديري صناديق الاستثمار يفضلون إنشاء صناديق استثمار ذات أهداف عامة وبالتالي يمكنهم دمج العديد من الفرص الاستثمارية في تلك الصناديق بدلاً من إنشاء صناديق ذات أهداف محدودة، ولأن المستثمرين يفضلون الصناديق المفتوحة لما تتميز به من مرونة مرتبطة بالاشتراك والاسترداد مما يشجع مديري الصناديق من الاستمرار بهذه الصناديق برؤوس أموال متغيرة ومتنامية أحياناً بدلاً من تأسيس مجموعة من الصناديق المغلقة.
كما لايمكن إغفال انعكاسات جائحة كورونا وتداعياتها وإجراءاتها الاحترازية على الأنشطة الاقتصادية عموماً. مع التأكيد على أن الصناديق الاستثمارية عموماً عكست منحى نموها خلال شهور السنة الحالية، فالصناديق التقليدية حققت جميعها بلا استثناء نمواً تراوح بين (15 في المئة و27 في المئة) خلال الفترة الممتدة بين بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر أغسطس المنصرم، في حين حققت الصناديق الإسلامية بدورها نمواً تراوح بين (19 في المئة و27 في المئة) للفترة ذاتها.
وفي إطار جهودها المستمرة بدفع عجلة هذه الصناعة قامت الهيئة أخيراً بتطوير أحكام الكتاب الثالث عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010، واستحداث أنواع صناديق جديدة كصناديق التحوط وصناديق رأس المال المخاطر، إضافة إلى فتح المجال لتأسيس أي نوع من أنواع الصناديق الخاصة، وتم استطلاع رأي أصحاب الرؤى والمصالح بهذا الشأن تمهيداً لاعتماد التعديلات بشكل نهائي.
قصور أم جودة في تسويق الخارجية
مصادر هيئة أسواق المال، أكدت أن «تسويق وحدات الصناديق الاستثمارية» خارج الكويت، وإن كان في مسار نموه الطبيعي، فإن استقراره حيناً وانتعاشه أحياناً إنما يعزى لجودة تنظيم أحكام تسويق هذا النشاط في الكويت، وهذا مادفع الشركات الاستثمارية لتبنيه واعتماده أساساً لتملكها عقارات في الخارج بهدف تسويقها لعملائها في الكويت، فأحكام تنظيم الأنشطة الاستثمارية لابد أن تراعي واقع البيئة الاستثمارية محل النشاط.
ثمة نقطة فائقة الأهمية أشارت إليها تلك المصادر، حينما اعتبرت أن تلك الأحكام وضعت نقطة الختام لمشاكل مزمنة تتعلق بالممارسات الخاطئة التي سادت فترات طويلة كان قوامها الالتفاف على موانع تسجيل العقارات المملوكة في الخارج باسم مالكيها الحقيقيين، من خلال تسجيلها بأسماء شركات استثمارية أو أفراد آخرين لاعتبارت عدة تتعلق بقيود التملك في تلك البلدان، فهذه الأحكام نظمت العلاقة بين هؤلاء المستثمرين والشركات الاستثمارية وحفظت حقوق كل أطراف العملية الاستثمارية من خلال تسجيل ملكيات هؤلاء المستثمرين في أوعية استثمارية مرخصة التسويق من قبل جهة رقابية رسمية ممثلة بهيئة أسواق المال، الأمر الذي حوّل «تسويق الصناديق الخارجية» لأداة مرنة بديلة عن الاستثمار العقاري المباشر خارج دولة الكويت.
في المقابل، ثمة قيود على الصناديق المحلية تقف حائلاً أمام تملكها المباشر لعقاراتٍ في الخارج لمسبباتٍ قانونية واعتبارات ضريبية خاصة بتلك البلدان فتضطر شركات لتأسيس صناديق خارجية .
في سياق تعليق مصادر هيئة أسواق المال على تفعيل نشاط الصناديق المحلية، رأت المصادر أن أداة الصناديق موضع اهتمام كبير بالنسبة للهيئة وهي تعكف منذ فترة على الإعداد لمبادراتٍ بشأنها.
وبصورة عامة يمكن الإشارة إلى مايلي:
- أكدت مصادر الهيئة ضرورة تطوير الفرص الاستثمارية المتاحة، والأدوات المالية المتنوعة. وهذا ما حذت الهيئة حذوه لتعزيز واقع الصناديق المحلية، بدأتها أخيراً بإدراج وتداول الصناديق العقارية المدرة للدخل REIT، وتطوير أحكام الكتاب الثالث عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010 وما تضمنه من أنواع جديدة للصناديق والذي سيرى النور قريبا، ومن المنتظر أن تعقبها العديد من المبادرات الأخرى مع تطور تنفيذ ماتبقى من مشروع تطوير منظومة السوق، كوضع صناديق المؤشرات المتداولة موضع التطبيق، واستكمال توجهات تهيئة البنية التشريعية والتنظيمية لتقديم منتجات وخدمات ومشتقات مالية مستحدثة، الأمر الذي يوسع مروحة الفرص الاستثمارية والأدوات المالية المتاحة أمام الصناديق الاستثمارية ومستثمريها.
ومن المنتظر لتلك التوجهات أن تعمق دور صناديق الاستثمار في السوق المالي المحلي وتجاوز ثغرة اقتصاره على الأسهم فقط.
- أشارت المصادر إلى استمرار الهيئة بتطوير واستحداث أدوات استثمارية متوافقة مع المعايير العالمية، ومتابعة توفيق أوضاع تلك الأدوات مع الضوابط المستقبلية، إضافة إلى إقامة اتفاقية تعاون فني مع هيئات عالمية مماثلة خاصة بأنظمة الاستثمار الجماعي بهدف مواكبة المعايير والممارسات العالمية المتبعة.
- كما اتفقت المصادر مع التوصية المتعلقة بتسهيل الإجراءات والتحول إلى النظام الإلكتروني مؤكدة أن الهيئة قطعت أشواطاً مهمة في مسار تحولها الرقمي عموماً، وتلك المتعلقة بالخدمات المختلفة المقدمة عبر بوابتها الإلكترونية، ومنها بطبيعة الحال الخدمات المتصلة بالصناديق الاستثمارية.
- أفادت المصادر بأن لا روابط بين نمو أي من التوجهات الاستثمارية المتعلقة بالصناديق (تأسيس الصناديق المحلية، تسويق وحدات صناديق خارجية)، مؤكدة أن نمو أحدهما لن يكون على حساب الآخر، فالأمر مرتبط بصورة أساسية بمقومات البيئة الاستثمارية والقانونية محل الاستثمار وهي مختلفة بين بلدٍ وآخر. واعتبرت أن رواج تسويق الصناديق الخارجية يمكن اعتباره بديلاً للاستثمار العقاري المباشر خارج الكويت والذي كان محفوفاً بالمخاطر في بعض الحالات، ولا يمكن اعتباره بديلاً لتأسيس صناديق محلية ولا معيقاً لنموها.
- إجراءات الهيئة سواءً ما اتصل منها بنشاط الصناديق أو غيره من أنشطة الأوراق المالية إنما تتم وفق اعتبارات عدة، تستهدف تحقيق التوازن المطلوب بين السعي للامتثال للمعايير الدولية المطبقة في مجال النشاط، ومراعاة خصوصية البيئة الاستثمارية المحلية ومتطلبات الاستثمارات الخارجية، ومدى ملاءمة الأحكام والضوابط والرسوم وغيرها لواقع المستثمر المحلي والخارجي مستأنسة بالإجراءات المطبقة لدى مثيلاتها لاسيما على الصعيد الإقليمي لتشابه الظروف والبيئة الاستثمارية عموماً.
- أكدت مصادر الهيئة، أن «حماية المستثمرين» تمثل هدفاً رئيسياً للهيئة في مختلف إجراءاتها وتوجهاتها، سواءً مابدا متشدداً منها أو مرناً، فمعالجة مشكلة تسجيل الملكيات العقارية بغير أسماء ملاكها الحقيقيين والتي أسهمت في رواج نشاط تسويق وحدات الصناديق الخارجية «ما هي إلا إجراء هادف لحماية ملكيات هؤلاء المستثمرين وحقوقهم.
وأخيراً، بالنسبة لرواج دعوات الاستثمار في جزر «كايمان» وغيرها، أشارت مصادر هيئة أسواق المال إلى أن توافق ضوابط التأسيس والاستثمار في دولةٍ ما مع معايير الأنظمة العالمية المعتمدة ذات الصلة، والحصول على التراخيص اللازمة من الجهات الرسمية يمثل حجر الأساس لاتخاذ قرار الاستثمار من عدمه، كما دعت تلك المصادر كافة المستثمرين إلى توخي أقصى درجات الحيطة حين توجههم للاستثمار وتدعوهم لتجنب الاندفاع وراء دعوات الربح السريع تحت أية ذرائع، وأن يبذلوا قصارى جهدهم للتأكد من حصول الجهات المروجة على التراخيص اللازمة حماية لحقوقهم وصوناً لممتلكاتهم.
جريدة الجريدة