كيف ستؤثر أزمة كورونا على مستقبل الخام الأميركي؟
في أواخر عام 2015 قررت الولايات المتحدة رفع الحظر المفروض على صادراتها النفطية للخارج لأول مرة منذ 40 عامًا. وبعد أسبوعين فقط من القرار غادرت ناقلة النفط «ثيو تي» متجهة إلى إيطاليا، بينما تحمل على متنها أول شحنة مصدرة من النفط الصخري الأميركي.
كانت تلك اللحظة بمنزلة بداية لتحول جديد أعيد إثره تشكيل أسواق النفط العالمية ومعها توازنات القوى الجيوسياسية بين كبار منتجي النفط في العالم. لقد حولت طفرة النفط الصخري الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط الخام في العالم، كما جعلتها أقرب من أي وقت مضى من تحقيق حلمها المتمثل في الاكتفاء الذاتي من النفط.
5 سنوات قد لا تتكرر
الطفرة التي شهدها إنتاج النفط الصخري فتحت أمام الخام الأميركي عددًا كبيرًا من الأسواق، فالنفط المستخرج من حقول تكساس ونيو مكسيكو ونورث داكوتا وصل إلى أكثر من 50 دولة، وفي بعض الأحيان تجاوز حجم الصادرات الأميركية من الخام حجم مثيلاتها من دول «أوبك» باستثناء السعودية.
ولكن لسوء حظ القطاع النفطي الأميركي يبدو أن سنواته الخمس الماضية هي أفضل سنواته على الإطلاق التي ربما لن يعيش مثلها قريبًا، فمع بداية عام 2020 انتشر فيروس كورونا الذي ظهر في الصين لأول مرة قبل أن يتحول في غضون أسابيع قليلة إلى وباء عالمي أغلقت إثره أغلب اقتصادات العالم، وهو ما أدى إلى انهيار الطلب على الخام، وإفلاس أكثر من 40 منتجًا أميركيًا حتى الآن.
سيعتمد مصير صناعة النفط الصخري بالولايات المتحدة في السنوات القادمة على مدى سرعة تعافي العالم من آثار الوباء ومدى جدية السياسيين في الجهود المتعلقة بتحويل الاقتصاد العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري الذي تساهم انبعاثاته في تعقيد مشكلة الاحتباس الحراري.
جاء توسع صناعة النفط الصخري على مدار السنوات الماضية على حساب «أوبك»، بعبارة أخرى، كان مكسب الأولى خسارة للأخيرة. فبعد أن أغرقت الأسواق بالنفط الصخري خسرت «أوبك» جزءًا غير ضئيل من حصتها السوقية، وفي الوقت نفسه خفضت الولايات المتحدة وارداتها الشهرية من الخام بواقع 50 بالمئة مقارنة مع ما كانت عليه في منتصف عام 2006.
في الأسبوع الأول من العام الحالي، لم تستورد الولايات المتحدة أي نفط من السعودية للمرة الأولى منذ 35 عامًا، ورغم أن هذا الوضع مؤقت وله علاقة بجدول عمل المصافي في الولايات المتحدة وتخفيضات الإنتاج التي تدعمها «أوبك»، فإن هذه الحادثة تشير بشكل أو بآخر إلى ضعف اعتماد واشنطن على النفط المستورد من الشرق الأوسط الذي ربما يركز جهوده حالياً للتوجه نحو آسيا خصوصاً، حيث قاطرة النمو الاقتصادي العالمي.
لسنوات كان إنتاج النفط الصخري بمنزلة شوكة في خصر «أوبك»، ففي الوقت الذي كانت تسعى المنظمة جاهدة لتوحيد وتنظيم صفوفها إلى جانب كبار منتجي الخام من خارجها مثل روسيا والمكسيك من أجل دعم استقرار أسواق الخام، كان منتجو النفط الصخري يتوسعون في إنتاجهم مستفيدين من تخفيضات الإنتاج التي تقوم بها «أوبك» وحلفاؤها دون أن تتحمل أيّ تكاليف.
ولكن بعد أن اندلعت أزمة وباء كورونا أصبح المصاب واحدا، ولم يعد بوسع الولايات المتحدة الهروب من تداعيات تراجع أسواق الخام. وربما لا يوجد ما هو أدل على ذلك من سعي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى دعم اتفاق «أوبك بلس» في أبريل الماضي، والذي تم بموجبه خفض الإنتاج العالمي من الخام بنحو 10 بالمئة.
في الوقت نفسه سمح تراجع اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد لإدارة ترامب بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على اثنين من أعضاء «أوبك»، وتحديدا إيران وفنزويلا دون خوف أو قلق من تأثير ذلك القرار على أسعار الخام. لكن السؤال المهم الآن هو إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على هذا النفوذ في أسواق الخام، خصوصًا بعد ما أحدثه وباء كورونا من متغيرات؟
مستقبل صعب
يعتمد مصير صادرات الخام الأميركية في الشهور القادمة بشكل أساسي على الصين وسرعة تعافيها من تداعيات الوباء. فبعد حوالي عامين فقط من رفع الحظر على تصدير النفط الأميركي إلى الخارج وصل حجم الشحنات النفطية الأميركية المصدرة إلى الصين إلى مليوني برميل يوميًا، مما جعل العملاق الآسيوي أكبر مشتر للنفط الأميركي.
ورغم انتعاش شهية الصين في الأسابيع الأخيرة للنفط مع اتجاه البلاد لتخفيف قيود الإغلاق، مما ساعد في زيادة طلبها على النفط، فإن السعودية وروسيا لا تزالان هما أكبر مصدّري النفط الخام للصين، وقد تشتد المنافسة في وقت لاحق من العام الحالي، مع انتهاء أمد اتفاق «أوبك بلس».
أيضًا يعتمد مستقبل الطلب على النفط الأميركي على مدى سرعة تعافي الاقتصاد العالمي من الركود الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. حيث يتوقع البنك الدولي نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 4 بالمئة خلال العام الحالي، وذلك بعد انكماشه بنحو 4.3 بالمئة في عام 2020.
تحدٍّ آخر مهم يبرز، ليس أمام صناعة النفط الصخري الأميركية فقط وإنما أمام صناعة النفط العالمية كذلك، وهو تنامي مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم، حيث بلغت نسبة مبيعاتها عالمياً سيارة واحدة بين كل 40 سيارة جديدة بيعت في 2019، والنسبة مرشحة لمزيد من النمو.
باختصار، سيواجه النفط الصخري في السنوت القادمة صعوبات في الحفاظ على حصته السوقية أمام منتجين راسخين مثل منتجي «أوبك».
جريدة الجريدة