كيف تفادت سوق النفط العالمية أزمة الأسعار القياسية؟
في الآونة الأخيرة، ومنذ عام مضى تحديداً، كانت سوق النفط في حالة من الذعر إزاء التغييرات التي ستطرأ على نوع الوقود الذي تستهلكه السفن، ووصف أحد كبار المسؤولين التنفيذيين التحول بأنه أكبر تغيير في صناعة النفط على الإطلاق، وفق تقرير لـ«بلومبيرغ». وتوقع المتداولون تحقيق أرباح كبيرة، حتى أن بعض التقديرات رجحت وصول سعر الخام إلى 150 دولاراً للبرميل، في حين حذرت صناعة الشحن من اضطرابات نتيجة تقلبات محتملة في أسعار وقود الطيران والناقلات أيضاً، ورغم أن بعض هذه المخاوف لا تزال قائمة، فإنها هدأت قليلاً بعد ذلك، تُرى لِمَ؟ تحولات الخام تشترط اللوائح الصادرة عن المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي تدخل حيز التنفيذ في يناير المقبل، استخدام السفن للوقود الذي يحتوي على كميات أقل من الكبريت، مما يجعل الوضع صعبا بالنسبة لمصافي التكرير، التي اعتادت على معالجة منتجات عالية التركيز الكبريتي. جرى استيعاب جزء من المخاوف بفضل التحول في نوع الخام، الذي يضخه العالم، والكثير منه الآن أصبح أقل كثافة ويحتوي كميات أقل من الكبريت، مما يقلل الضغط على المصافي لإيجاد طريقة لمعالجة الملوثات، التي تسبب الأمطار الحمضية وتدهور الظروف الصحية للإنسان. وارتفع إنتاج النفط الصخري الأميركي، في حين تضاءل معروض الخام الثقيل، الذي يحتوي كميات أكبر من الكبريت بسبب العقوبات المفروضة على إيران وانهيار الإنتاج الفنزويلي وخفض «أوبك» لإمداداتها. بينما يؤدي هذا التحول في إنتاج النفط الخام إلى انخفاض استهلاك الوقود، الذي يحتوي نسبة عالية من الكبريت، فإنه يثير سؤالاً مختلفاً؛ هل أصبح إنتاج أنواع الوقود الأنظف التي تحتاجها السفن أسهل؟ الإجابة المختصرة هي نعم وفقًا لـ«وود ماكينزي». إجمالاً، يتمتع الخام الذي سيجري إنتاجه عام 2020 بنواتج أعلى من الوقود المقطّر المتوسط الذي تستخدمه السفن، ومع ذلك، هناك مخاوف من أن وفرة الخامات الخفيفة قد تخلق أيضاً وفرة من النفثا، وهو منتج يستخدم في صناعة البنزين والبتروكيماويات. استعدادات الصناعة في الوقت نفسه، الذي تحولت فيه إمدادات النفط الخام، ارتفع معدل استخدام معدات التنظيف، التي تسمح للسفن بالاستمرار في حرق زيت الوقود العالي الكبريت من دون خرق القواعد، بشكل صاروخي منذ عام 2017، وهذا بدوره يحافظ على الطلب على الوقود العالي الكبريت. خلال العام المقبل، سيجري تزويد أكثر من 3600 سفينة بوحدات التنظيف والتنقية اللازمة، أي أكثر من 10 أضعاف الكمية التي جرى تركيبها في 2016، كما يتلقى الطلب دفعة إضافية من إنفاق مصافي التكرير على معدات جديدة تخفض إنتاج زيت الوقود العالي الكبريت. ومن المقرر إضافة 400 ألف برميل يومياً من الإنتاج الأقل في نسبة الكبريت هذا العام، و180 ألف برميل يومياً أخرى خلال عام 2020، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية. الفائض والتسعير حتى مع تحولات أنواع النفط والاستعدادات الواسعة من شركات الشحن والتكرير، لا يزال من المحتمل حدوث فائض في المعروض من زيت الوقود العالي الكبريت، عندما يبدأ تفعيل القواعد الجديدة، والذي من المتوقع أن يصل إلى 1.52 مليون برميل يوميًا خلال 2020. وفي السوق الآجلة، انخفضت الأسعار تسليم 2020 مؤخراً لتسجل فارقاً يصل إلى 18 دولاراً للبرميل مع خام «برنت»، لكن يتوقع العديد من المحللين انخفاضاً أكبر، حتى أن أحدهم يقول إن أسعار زيت الوقود العالي الكبريت ستنهار. يقول رئيس أعمال التكرير لدى «فاكتس غلوبال إنرجي»، ستيف سوير: إن فارق السعر مع «برنت» سيصل إلى 30 دولارًا في المتوسط خلال الربع الأول من 2020، فيما يعتقد آخرون، مثل وود ماكينزي، أنه سيبلغ 23 دولارًا فقط. على أي حال، لا تزال هناك مخاوف بشأن الطلب العالمي، ويشير مصرف «بنك أوف أميركا ميريل لينش» إلى ضعف نمو الطلب على الديزل في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما يعيق الاتجاه الصعودي لأسعار النفط والناتج عن القواعد الجديدة للمنظمة البحرية الدولية.
المصدر: جريدة القبس