عبدالله: التوزيع النقدي أو العيني مشروط بتسجيل أرباح محققة

مكتب الطرقي وشركاه (Al-Hossam Legal)

يثور تساؤل قانوني من وقت لآخر عن مدي جواز قيام الشركات المساهمة (وعلى الأخص المدرجة منها في بورصة الكويت) بتوزيع بعض من أصولها إلى مساهميها، سواء كانت تلك الأصول أسهم مدرجة أو غير مدرجة في شركات أو حصص عينية مفرزة في استثمارات مباشرة.
وللإجابة عن هذا التساؤل قال المستشار القانوني/ حسام عبدالله - مكتب الطرقي وشركاه (Al-Hossam Legal) أن قانون الشركات يسمح بالتوزيع النقدي أو العيني شريطة أن يكون من أرباح محققة.
وأضاف عبدالله: لقد أوردت المادة (226) من قانون الشركات رقم (1) لسنة (2016)، حسبما تم تعديلها بموجب القانون رقم (79) لسنة (2019)، بأنه يجوز للجمعية العامة العادية بناء على اقتراح مجلس الإدارة أن توزع أرباحًا على المساهمين في نهاية السنة المالية أو نهاية كل فترة مالية، ويشترط لصحة هذا التوزيع أن يكون من أرباح حقيقية، ووفقًا للمبادئ المحاسبية المتعارف عليها، وألا يمس هذا التوزيع رأس المال المدفوع للشركة. ولم يقيد المشرع الشكل الذي تتخذه عملية التوزيع للأرباح، ومن ثم يجوز أن تتخذ توزيعات الأرباح شكلا نقديا (Cash Dividends) أو غير نقدي (Non-Cash Dividends) في شكل أسهم في شركات أو حصصا عينية مفرزة في أصول الشركة (In-Kind Distribution)، وذلك بشرطين أساسيين هما:
(1) أن يكون التوزيع من أرباح حقيقية أي من أرباح محققة في البينات المالية للشركة، و
(2) ألا يمس التوزيع رأس المال المدفوع للشركة.
كما أن المشرع قد استجاب لرغبات الشركات بالسماح بتوزيع الأرباح في نهاية كل فترة مالية وليس فقط في نهاية السنة المالية، وهو ما يمنح مرونة أكبر للشركات لتوزيع أرباح فصليه على مساهميها.

التباس قانوني
ويثير توزيع أصول الشركة على مساهميها في شكل توزيعات أرباح عينية مسائل قانونية ومالية قد تكون شائكة أو ملتبسة لدي غير المتخصصين من عدة نواحي، أهمها ما يلي:
أولا: عدم جواز توزيع الأصول العينية على المساهمين من خلال تخفيض رأس مال الشركة.
وذلك لأن المادة 168 من قانون الشركات رقم 1 لسنة 2016 قد حددت حالات تخفيض رأس المال على سبيل الحصر كالتالي:

الحالة الأولي: توزيع فائض رأس المال نقدا، وليس في شكل عيني:
ويكون توزيع فائض رأس المال نقدا إذا زاد رأس المال عن حاجة الشركة، أي يجب أن يكون توزيع الفائض نقدا إلى المساهمين وليس في صورة حصص عينية. وفى هذه الحالة يجب على الشركة قبل تنفيذ قرار التخفيض أن تقوم بسداد كافة ديونها الحالية وتقديم ضمانات للوفاء بالديون الآجلة طبقا للمادة (169) من قانون الشركات والتي تقض بانه «يتعين على الشركة قبل تنفيذ قرار التخفيض أن تقوم بالوفاء بالديون الحالة وتقديم الضمانات الكافية للوفاء بالديون الآجلة، ويجوز لدائني الشركة في حالة عدم الوفاء بديونهم الحالة أو عدم كفاية ضمانات الديون الآجلة، الاعتراض على قرار التخفيض أمام المحكمة المختصة وفقًا لما تقرره اللائحة التنفيذية في هذا الشأن». وقد قررت المادة (105) من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات الصادر بموجب قرار وزير التجارة والصناعة رقم (287) لسنة (2016) بأن يكون الاعتراض لدائني الشركة الذين نشأت ديونهم قبل قرار تخفيض رأس المال، بصحيفة ترفع وفقا للإجراءات المنصوص عليها في قنون المرافعات المدنية والتجارية خلال شهر من تاريخ شهر قرار التخفيض. ويترتب على رفع الدعوي وقف أية توزيعات على المساهمين تكون ناتجة عن قرار التخفيض، وذلك ما لم تقرر المحكمة التصريح للشركة بإجراء تلك التوزيعات. وقد أكدت الدائرة التجارية لمحكمة التمييز الكويتية ما ذكر في حكم حديث لها بذلك صدر خلال عام 2019.

الحالة الثانية (إطفاء خسائر الشركة):
إذا أصيبت الشركة بخسائر لا يحتمل تغطيتها من أرباح الشركة. وقد صدر قرار وزير التجارة والصناعة رقم (155) لسنة (2018) مشترطا أن يتم إطفاء الخسائر بالترتيب التالي: (1) من خلال الاحتياطي الاختياري، (2) الاحتياطي القانوني فقط فيما يزيد عن 50% من رأس المال المصدر للشركة، (3) الاحتياطي علاوة الإصدار، (4) المتبقي من الاحتياطي القانوني، ثم أخيرا (5) من المتبقي من الاحتياطي القانوني. وعلى هذا، فإنه يجب أن يتم إطفاء الخسائر بمراعاة الترتيب المذكور.
وعلى هذا، فإن القانون لا يجيز تخفيض رأس مال الشركة بهدف توزيع أصول عينية على المساهمين، وإنما فقط بهدف توزيع فائض نقدي على المساهمين أو إطفاء الخسائر.

ثانيا: جواز توزيع الأصول العينية على المساهمين من خلال انقسام الشركة لكنه محفوف بالمخاطر وقد يكون مسدودا
وقد تناولت المواد 263 و 264 و 265 من قانون الشركات رقم 1 لسنة 2016 تنظيم أمر انقسام الشركة إلى شركتين أو أكثر سواء مع بقاء الشركة محل الانقسام أو انقضائها. وتختلف عملية انقسام الشركة عن عملية تقسيم السهم ذاته (والأخير ليس معرض حديثنا هنا). وينشأ عن عملية تقسيم الشركة أن تكون الشركة أو الشركات الناشئة عن التقسيم خلفًا للشركة محل التقسيم وتحل محلها حلولاً قانونيًّا في حدود ما آل إليها من الشركة محل التقسيم وفقًا لما تضمنه قرار التقسيم. وقد أوردت المادة 264 نصا صريحا بحق دائني الشركة ومساهميها في الاعتراض على قرار التقسيم. وتسري في شأن الدائنين والمساهمين الأحكام المنصوص عليها في المادة (258) من قانون الشركات (الخاص بشأن الاعتراض على قرار الاندماج). أي انه يجب شهر قرار الانقسام ولا يجوز تنفيذه إلا بعد انقضاء ثلاثين يومًا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، ويكون لدائني ومساهمي الشركة محل التقسيم خلال الميعاد المذكور الاعتراض على الانقسام لدى الشركة بإنذار رسمي، ويظل الانقسام موقوفًا ما لم يتنازل الدائن أو المساهم عن معارضته أو يقضي برفضها بحكم نهائي.
وعلى ذلك ينتج عن عملية الانقسام في حالة بقاء الشركة محل التقسيم انتقال جزء من أصولها وبقوة القانون إلى شركة جديدة، وما يستتبعه ذلك من تخفيض رأس مال الشركة الأصلية محل التقسيم. وهو ما ينتج عنه حق البنوك الدائنة والمساهمين في الاعتراض على عملية الانقسام وإيقافها طبقا لصريح نص الفقرة الأخيرة من المادة (264) من قانون الشركات والمادتين (134) و (136) من لائحته التنفيذية. حيث تنص المادة (136) من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات بأن «يسري في شأن انقسام الشركات ذات الشروط والإجراءات والأوضاع الخاصة باندماج الشركات المنصوص عليها في هذه اللائحة». ومن بين تلك الشروط نص الفقرة «سادسا» من المادة (134) من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات والتي تقتضي «الحصول على موافقة جميع الشركاء أو المساهمين في الشركة» إذا كان من شأن قرار الانقسام سيؤدي إلى «زيادة الأعباء المالية للشركاء أو المساهمين أو المساس بحقوقهم» في أي من الشركات في عملية الانقسام.
وعلى هذا، فإن القانون يجيز توزيع أصول عينية على المساهمين من خلال عملية الانقسام وما ينتج عنها من تخفيض رأس مال الشركة محل التقسيم بقيمة الأصول التي يتم نقلها للشركة الجديدة بقوة القانون، ولكن عملية الانقسام محفوفة بالمخاطر نتيجة حق البنوك الدائنة والمساهمين في الاعتراض على عملية الانقسام وإيقافها طبقا لصريح نص الفقرة الأخيرة من المادة (264) من قانون الشركات.

انقسام الشركات
الحالات المثلي لانقسام الشركات يجب أن تتضمن أصول جيدة بذات مرتبة أصول الشركة محل الانقسام
تصلح عملية الانقسام في الواقع العملي فقط للشركات التي تتوافر فيها كل من الشرطين التالي بيانهما:
(1) أن تتمتع الشركة محل الانقسام بملائة مالية وغير مدينة أو يتبقى لديها بعد قرار التقسيم ضمانات كافية من أسهم مدرجة أو أصول مدرة للدخل تقدمها للدائنين وبمعدل تغطية ضمانات تقبلها البنوك الدائنة، وإلا كان من حق الدائنين الاعتراض على قرار الانقسام وإيقاف تنفيذه بقوة القانون.
(2) أن تكون الأصول التي يتم نقلها للشركة الجديدة الناتجة عن عملية الانقسام أصول في ذات مرتبة وجودة الأصول المحتفظ بها من قبل الشركة محل الانقسام وأيضا التزامات وديون الشركة محل التقسيم. حيث لا يهدف المشرع من عملية الانقسام أن تكون انتقائية بين الأصول، بل يهدف المشرع من عملية الانقسام فصل الأصول نوعا وهدفا بهدف التركيز عليها من خلال كيان وإدارة مستقلة لتحسين أداء تلك الأصول أو لتخفيض الضرائب، كما حدث في حالات شهيرة مثل انقسام شركة فيات كرايزلر عن شركة فراري، وشركة كرافت فودز عن مجموعة موندليز الدولية، وشركة اكسبيديا جروب عن شركة ميكروسوفت، وشركة (AOL) عن شركة تايم وارنر، وشركة إنتل عن شركة فيرشيلد، وشركة اجيلينت تكنولوجيز عن هوليت باكارد (HP)، وجميعها هدفت إلى تحسين الأداء وتعزيز وزيادة حقوق المساهمين بدراسات متنوعة ومعتمدة. ولا يمكن القول بأن هدف المشرع هو إلقاء الشركة محل الانقسام بأصول غير مرغوب فيها أو يصعب التخارج منها (Junk Assets) إلى المساهمين بهدف تحسين الشكل المالي للشركة وتحسين نتائج أعمالها وتحسين صورة القائمين على إدارتها بصورة شكلية فقط حيث يعد ذلك من قبيل عمليات الهندسة المالية لميزانية الشركة (Financial Engineering) يتعارض مع مبادئ قانون الشركات وقواعد العدالة والإنصاف ولا يقبل به القضاء. وفى حالة مخالفة ما ذكر، كان من حق أي من المساهمين المعارضين لقرار التقسيم (ولو مساهما واحدا مالكا لسهم واحد) حق الاعتراض على قرار التقسيم لمساسه بحقوقه طبقا لنص الفقرة «سادسا» من المادة (134) من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات والتي تتطلب موافقة جميع المساهمين في الشركة أي بنسبة 100% إذا كان من شأن قرار الانقسام أن يؤدي إلى «زيادة الأعباء المالية للمساهمين» أو «المساس بحقوقهم» في أي من الشركات في عملية الانقسام. ويسري هذا في الأخص إذا كانت الشركة محل الانقسام شركة مدرجة ببورصة الكويت، حيث يترتب على قرار الانقسام تخصيص أسهم غير مدرجة في شركة لديها أغراض تختلف عن أغراض الشركة محل الانقسام، وهو ما يمس الحقوق الأساسية للمساهمين الذين استثمروا أموالهم في شركة تتوافر فيها شروط مالية وعملية ومعطيات خاصة لا يقبل أن تنقلب رأسا على عقب ليجد المساهم نفسه مالكا في شركة مغايرة تماما للغرض الذي قام بالاستثمار من أجله بداية، وبصفة خاصة في حالة نقل جزء مؤثر من أصول الشركة محل الانقسام. ويجب أن تنتبه الجهات الرقابية وبصفة خاصة هيئة أسواق المال إلى وضع الضوابط اللازمة لتفاصيل عمليات الانقسام والأصول بقواعد تفصيلية كما هو الحال في تشريعات أسواق رأس المال الرئيسية بدول أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.

ثالثا: جواز توزيع الأصول العينية على المساهمين من خلال خصم قيمتها من الأرباح والاحتياطيات دون المساس برأس المال
وحيث خلصنا إلى أنه لا يجوز توزيع الأصول العينية على المساهمين من خلال تخفيض رأس المال لمخالفته لصريح نص المادة 168 من قانون الشركات وقرار وزير التجارة والصناعة رقم 155 لسنة 2018، وأن «الانقسام» طريق محفوف بالمخاطر وشبه مسدود لحق الدائنين والمساهمين في الاعتراض عليه وإيقافه طبقا لصريح نص الفقرة الأخيرة من المادة (264) من قانون الشركات والمادتين (136) و (134) من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات، فإن الحل الأمثل للشركات التي ترغب في توزيع الأصول على المساهمين أن تقوم بذلك من خلال توزيع الأصول «كأرباح عينية» طبقا للمادة (226) من قانون الشركات رقم (1) لسنة (2016) والتي تشترط لصحة هذا التوزيع أن يكون من أرباح حقيقية، ووفقًا للمبادئ المحاسبية المتعارف عليها، وألا يمس هذا التوزيع رأس المال المدفوع للشركة. أي أنه يجوز توزيع الأصول مقابل خصم قيمتها السوقية بعد تقييمها من قبل مقيمين مستقلين من الأرباح والاحتياطيات (سواء الاحتياطي الاختياري أو علاوة الإصدار) دون مساس برأس المال المدفوع للشركة أو الاحتياطي القانوني.

رابعا: الاعتبارات الرقابية
في ظل التطور المشهود في سوق رأس المال الكويتي، فإن استمرار الرقابة الفعالة السابقة من قبل الجهات الإشرافية والرقابية تعد خط الدفاع الأول عن حقوق المساهمين. وقد نجحت هيئة أسواق المال بصفة خاصة في العديد من الحالات، وبما لها من أدوات وسلطات رقابية طبقا للقانون رقم 7 لسنة 2010 ولاته التنفيذية، وتعديلاتهما، بوقف الممارسات الضارة بالسوق وبالمساهمين بل والمعاقبة عليها، بإجراءات سريعة وحاسمة أنصفت فيها المساهمين وأكدت سيادة القانون بإجراءات وقائية واستباقية، ودون دفع المتضرر إلى اللجوء إلى القضاء (وهي الرقابة اللاحقة)، إيمانا من هيئة أسواق المال بدورها المنوط بها في ضبط السوق وسمعة الكويت.
ويجب التصدي بحزم لما يثار من محاولة بعض الشركات بتوزيع أصولها على مساهميها في غير موضعه وبالمخالفة للقانون عن طريق تخفيض رأس المال. وكما هو الحال في قانون الشركات الكويتي، لا تسمح التشريعات الأجنبية كذلك بقيام الشركات بتوزيع أصول لها على مساهميها (Non-Cash Dividends) إلا من خلال الأرباح المحققة والمرحلة والاحتياطيات القابلة للتوزيع طبقا للمعايير المحاسبية أو من خلال إجراءات انقسام الشركة ذاتها.
ومن ثم يجب العمل على تفادي إنشاء واقعة غير مسبوقة وغير قانونية (يترتب عليها البطلان) عن طريق الرقابة السابقة، وعدم تشجيع الشركات من التخلص من أصولها غير المرغوب فيها وتلك التي يصعب التخارج منها عن طريق تخفيض رأس مالها، أو استخدام نقل الأصول لشركة أخري وتوزيعها على المساهمين كوسيلة غير مباشرة لنقل أعمال الشركة لدولة أخري بعد تفريغها من أغلب أصولها دون إتباع الطريق الذي رسمه القانون سواء عن طريق الانقسام أو خصم قيمة الأصول من الأرباح والاحتياطيات. ويصب ذلك كله في المحافظة على سمعة السوق المالي وإعلاء حكم القانون وما ينتج عنه من صيانة توقعات المستثمرين وتشجيع تدفق رأس المال الأجنبي الذي يراقب بدقة ما يحدث في سوق رأس المال الكويتي ويتأثر بالسوابق التي تجري به.

جريدة الراي