سياسة سعر صرف الدينار ووفرة الدولارات تحميان الكويت من تقلبات الفائدة الأميركية

قيم الأصول السيادية لن تنخفض وكلفة خدمة الدين العام لن ترتفع

دأب مديرو الصناديق السيادية، وفي مقدمتهم الهيئة العامة للاستثمار على إبقاء جزء كبير من استثماراتهم «خاملة»، أي مستثمرة في أدوات تعتمد على العائد الثابت، أو الفائدة، خصوصاً سندات الخزانة الأميركية بمختلف آجالها. ومع أول خفض للفائدة الأميركية منذ أكثر من 10 أعوام، وزيادة ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مجلس الاحتياطي الاتحادي لخفضها أكثر، وتذبذب أداء الدولار، برزت جملة من الأسئلة. ولعل أبرز هذه الأسئلة «هل سيكون لتراجع الفائدة على الدولار تأثير سلبي على قيمة الأصول السيادية الكويتية المقوم أكثرها بالدولار، خصوصاً إذا تمت معادلتها بسعر صرف الدينار؟ وماذا عن سندات الدين العام في السوق الدولية، هل سترتفع كلفتها على الكويت؟». من حيث المبدأ، أسعار الفائدة وارتباطها بأسواق الدين لا يمكن حصرها في صعود لجلسة أو اثنتين، فأسعار الفائدة تؤثر في منظومة الاستثمار بهذه الأدوات بشكل عام، وتحديداً لجهة التكلفة التي يمكن أن يتحملها مصدرو الديون السيادية أثناء فترة ضعف الدولار، أو ارتفاعه. وبالطبع سيكون أمام الهيئة العامة للاستثمار، إضافة إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وغيرها من المؤسسات المحلية التي تستثمر في أي من أدوات الدين ذات العوائد الثابتة كما حال كل الصناديق السيادية، تحد كبير إذا كانت الولايات المتحدة متجهة فعلاً لتنفيذ سياسة الدولار الضعيف، وأولها مردود الكويت من استثماراتها بالعوائد الثابتة، حيث ستكون إيراداتها عرضة للانخفاض نتيجة تراجع أسعار الفائدة، وضعف الدولار، وهنا قد يطرأ تحول بسيط على سياسة الاستثمار بسندات الخزانة الأميركية. لكن هذا لا يعني خروجاً كلياً من هذه الأدوات، بل قد تشهد تقليصاً خليجياً في معدلات اقتنائها، مع الأخذ بالاعتبار أن هناك حاجات تمويلية كبيرة، سواء لحكومات المنطقة التي تسعى لإصدار سندات دين عام، أو من قبل الشركات الخليجية الكبرى، ما سيؤدي لزيادة كبيرة بالطلب العالمي على الدولار. وحول إمكانية إبقاء جزء كبير من استثمارات الصندوق السيادي خاملة في هيئة ودائع، فعلى الأرجح سيستمر هذا التوجه دون تغيير، والسبب بكل بساطة أن الدولار ليس الوحيد الذي بات ضعيفاً بين العملات الرئيسية، مع تزايد وتشعب التحديات الاقتصادية في العالم برمتها. زيادة التكلفة أما بالنسبة لسندات الدين العام في السوق الدولي، ومدى إمكانية أن ترتفع كلفتها على الخزينة العامة إذا استمر ضعف الدولار، فقد أوضح اقتصاديون أن ارتفاع التكلفة قد يتحقق بالنسبة لدول مصدرة أخرى، أما بالنسبة لدولة مثل الكويت فالضغوط التي يمكن أن تواجهها الأخيرة لهذا السبب ضعيفة جداً لأكثر من سبب. أولاً: الكويت ليست بحاجة إلى تحويل عملتها إلى دولارات إذا استحقت عليها أي أقساط، أو حتى مدفوعات خدمة الدين العام، مثلما تضطر إليه دول أخرى، فلدى الكويت احتياطات نقدية كبيرة مقوّمة بالدولار في الخارج، كما تتم تسوية مبيعاتها النفطية بالدولار، ولديها أيضاً ودائع دولارية بالبنوك المحلية. ثانياً: سعر صرف الدينار مرتبط أساساً وبدرجة كبيرة بالدولار باعتباره صاحب الوزن الأثقل في سلة عملات بنك الكويت المركزي، ولذلك فإن ضعف «العملة الخضراء» لن يقود إلى ارتفاع ملموس في سعر صرف الدينار، إذ إنه في الغالب ستحافظ العملتان على هامش الصرف الموجود بينهما حالياً دون أي مفاجآت، وبالتالي لن تتأثر الكويت اقتصادياً بدرجة كبيرة سواء على صعيد تقييم أصولها السيادية، أو لجهة مدفوعاتها بسوق الدين الدولية. وبذلك يمكن القول، إنه لن يترتب على ما قد يشهده الدولار من أداء ضعيف أي أعباء إضافية على القيمة الكلية للدين العام الكويتي، باعتبار أن هذا الإصدار جاء بمعدل فائدة ثابتة، ووفقاً لسلم استحقاقات لا يتضمن أي أقساط مستحقة خلال العامين ونصف العام المقبلين، حيث تم طرح هذه الإصدارات في مارس 2017 كسندات طويلة الآجل، تتراوح استحقاقاتها بين 5 سنوات و10 أعوام، ما يجعل الكويت بعيدة عن ضغط السداد حالياً، ومن ثم لن تتحمل علاوة ضعف أداء الدولار حالياً على مديونتها (إن وجدت). الجاذبية وأوضح الاقتصاديون، أن هناك اعتباراً إيجابياً قد يتأتى للكويت من ضعف الدولار، إذ يُتوقع أن يقود هذا الأمر إلى زيادة جاذبية سندات الدين الكويتية، مشيرين إلى أن خفض أسعار الفائدة يرفع شهية المستثمرين العالميين على اقتناء هذه السندات، مدفوعين بانخفاض الأسعار السوقية لهذه السندات وارتفاع عوائدها النسبية، علاوة على الجدارة الائتمانية العالية التي تتمتع بها الكويت. وأضافوا، أن إقبال المستثمرين سواء النشطين أو الخاملين على السندات الكويتية سيكون بهدف تحقيق عوائد أعلى على المدى المتوسط، وتحديداً بعد تحسّن أداء الدولار الذي يُتوقع أن يحصل في الغالب خلال فترة غير بعيدة، خصوصاً أن سياسة خفض الفائدة على الدولار قصيرة الأجل، وهي مرتبطة بالدرجة الأولى برغبة الإدارة الأميركية الحالية بمواصلة تنشيط الاقتصاد.

جريدة الراي