توحيد سعر «التقسيط» مع الشراء الفوري... أمام مخاطر البطلان

الإبطال يلاحق قرار «التجارة» منع الشركات من زيادة سعر السلعة المبيعة بالتقسيط عن سعرها بـ «الفوري»

صدر قرار وزارة التجارة رقم 81 لسنة 2023 بشأن ضوابط وأحكام التسهيلات الائتمانية الناتجة عن البيع بالتقسيط للسلع والخدمات، ونُشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 28/5/2023، على أن يُعمل بأحكامه بعد 6 أشهر من نشره. ونظم القرار عمليات البيع بالتقسيط، وذلك بوضع ضوابط وأحكام للجهات المانحة التي تمارسه، فنصت المادة الأولى من القرار في التعريفات على أن الجهات المانحة هي: الشركات والمؤسسات والمنشآت التجارية التي تباشر البيع لعملائها بنظام البيع بالتقسيط، وعليه، فإن هذا القرار يخاطب الشركات التجارية التي تبيع لعملائها بهذا النظام بالدرجة الأولى. إلا أن أهم ما ورد في القرار يتمثل في اشتراط توحيد سعر السلعة المبيعة، سواء تم السداد بشكل فوري أو تم السداد عن طريق التقسيط، فنصت المادة 3 من القرار على أنه: «على جميع الجهات المانحة المذكورة بالمادة الالتزام بالعديد من الضوابط، نجدها في سطور الدراسة التالية: الضوابط الواجب الالتزام بها: أ‌- القيام بعد الحصول على تفويض من العميل بالاستعلام من شركة «Ci-Net» عن بيانات الرصيد المدين الناشئ عن كل الالتزامات الأخرى للعميل وفقاً للثابت بالشبكة المذكورة. ب‌- عدم زيادة القسط الشهري المستحق على العميل مضافاً إليه الأقساط المستحقة عن الالتزامات الأخرى المسجلة على شبكة «Ci-Net» عن نسبة 40 في المئة من صافي الراتب للموظفين و30 في المئة للمتقاعدين. ت‌- ألا تزيد قيمة السلعة المبيعة للعميل الواحد بنظام التقسيط على 5000 (خمسة آلاف) دينار كويتي، ويسدد على أقساط شهرية متساوية خلال فترة لا تزيد على ثلاث سنوات. ث‌- ألا تزيد قيمة السلعة المبيعة بالتقسيط عن قيمة السعر المعلن في حالة السداد الفوري. وثار الخلاف حول ما اشترطه البند (ث) في منع زيادة قيمة السلعة المبيعة بالتقسيط عن قيمة السعر المعلن في حالة السداد الفوري، وبالتالي حرمان البائع من تقاضي أي مقابل لتقديم خدمة البيع بالتقسيط، وهو ما صرح به القرار في المادة 7 من أنه «يحظر على الشركات المانحة تقاضي أية رسوم إدارية على عمليات البيع بالتقسيط»، فالوزارة في هذا القرار تستوجب على البائع أن يوفر خدمة البيع بالتقسيط – إن أراد – بالمجان دون تقاضي أي مقابل أو أن يحدث أي تغيير في سعر السلعة، وهنا تكمن المشكلة. تقديم خدمة البيع بالتقسيط «البيع الميسر» لا يمكن أن تكون دون مقابل ولا بد من الإشارة إلى أن للبيع بالتقسيط فائدة للعميل (المستهلك) تتمثل في حفاظه على السيولة المتوافرة لديه وتسهيل عملية الدفع عند الشراء، خصوصا أنه قد لا يملك كامل ثمن السلعة على الرغم من حاجته لها، إلا أنه في ذات الوقت يمثل خطرا على التاجر (الشركات التجارية) الذي يتحمل مخاطرة عدم دفع العميل أو تعثره خلال فترة التقسيط، كما يحرم التاجر من تسلم كامل الثمن فوراً، وبالتالي الاستفادة من كامل المبلغ وتشغيله في التجارة مرة أخرى. ولهذه الفوائد ظهرت شركات التقسيط التي تمارس عملها كطرف ثالث خارج عملية البيع التي تتم بين البائع والمشتري، بحيث تقوم هذه الشركات بتقديم خدمة البيع بالتقسيط لكل من المشتري والبائع (Buy now، Pay later)، فيختار المشتري تلك الخدمة بدلاً من دفع الثمن كاملاً، فتقوم الشركة بدفع مبلغ السلعة كاملاً للبائع (التاجر) مقابل رسم لتلك الخدمة، على أن تتولى آلية سداد ثمن السلعة المبيعة مع المشتري (المستهلك) على دفعات، وبالتالي فيستفيد البائع من تسلم كامل ثمن السلعة مقدماً (بعد خصم رسوم الخدمة)، ويستفيد المشتري (المستهلك) بخدمة الدفع الميسر على دفعات، وتستفيد الشركة بأخذ رسوم مقابل تقديم تلك الخدمة على أن تتحمل هي مخاطر عدم السداد أو تعثر المشتري، وهذا مقارب لما تقدمه البنوك الإسلامية في نظام المرابحة. وبالتالي فإن تقديم خدمة البيع بالتقسيط «البيع الميسر» لا يمكن أن تكون دون مقابل، لأن مخاطرة البائع في حال عدم سداد المشتري لقيمة السلعة - لها ثمن، وحرمان البائع من تسلم كامل المبلغ فوراً لها ثمن أيضاً، ولا يتصور أن يقوم بائعٌ بتحمل هذه المخاطر بالمجان، فإما أن يلغي التاجر خدمة البيع بالتقسيط نهائياً، وهو ما سيضر المستهلك، أو أن يرفع قيمة السلعة لتحمله مخاطرة عدم السداد وهو ما يضر المستهلك أيضاً. في البيع بالتقسيط فائدة «المستهلك» تتمثل في حفاظه على السيولة المتوافرة لديه وتسهيل الدفع عند الشراء وهذا المفهوم التجاري قد انعكس على قانون حماية المستهلك رقم 39 لسنة 2014، حيث سمحت المادة 18 من القانون باختلاف سعر السلعة في حال السداد الفوري عن سعرها عند البيع بالتقسيط، فنصت على أنه»يلتزم المزود أو مقدم الخدمة في حالة البيع بالتقسيط أو تقاضي مقابل الخدمة على أقساط وقبل التعاقد بالآتي: أ- تقديم البيانات الآتية للمستهلك. ب‌- سعر بيع السلع (المنتج) أو الخدمة نقداً. ت‌- مدة التقسيط. ث‌- التكلفة الإجمالية للبيع. ج‌- عدد الأقساط وقيمة كل قسط. ح‌- المبلغ الذي يتعين على المستهلك دفعه مقدماً إن وجد». كما نصت على ذلك اللائحة التنفيذية للقانون بطريقة أكثر وضوحاً في المادة 55، حيث سمحت بأخذ مقابل لخدمة البيع بالتقسيط، ففرقت بين «ب- سعر البيع نقداً والسعر بالتقسيط والدفعة المقدمة إن وجدت، ت- نسبة العائد وكيفية احتسابه والتكلفة الإجمالية للبيع». ليثور التساؤل القانوني حول مدى جواز قيام وزارة التجارة بإصدار قرار يمنع أخذ أي مقابل لخدمة البيع بالتقسيط بالمخالفة لقانون حماية المستهلك الذي سمح بذلك؟ إنه من المستقر عليه قانوناً أن درجة القانون في الهرم التشريعي أعلى من درجة القرار الإداري، وأنه لا يمكن للقرار الإداري أن يخالف نص القانون وإلا كان باطلاً لمخالفته أحكام القانون، وقد درجت محكمة التمييز الكويتية على ذلك في العديد من الأحكام. وعليه فإننا نعتقد بمخالفة القرار الوزاري الذي منع اختلاف ثمن السلعة عند السداد الفوري عن ثمنها عند البيع بالتقسيط ومنع قيام الشركات بأخذ مقابل لتلك الخدمة لأحكام قانون حماية المستهلك مما يرجح قابليته للإبطال، إلا أن رأياً آخراً قد يحاجج بأن أساس ذلك القرار هو القانون رقم 9 لسنة 2019 بشأن تنظيم تبادل المعلومات الائتمانية، وهو قانون لاحق على قانون حماية المستهلك، وبالتالي فإن أحكامه تنسخ أحكام القانون السابق. لا شك أن هذا القول صحيح لو أن الإلغاء كان صريحاً أو ضمنياً، بحيث يلغي القانون الجديد أحكام البيع بالتقسيط الواردة في قانون حماية المستهلك، حيث استقرت محاكم التمييز على أن «إلغاء التشريع يتم بنص صريح أو ضمني، وفـي الحالة الثانيـة لا يكـون الإلغـاء إلا فـي حـدود التعارض بين القواعد القديمة والقواعد الجديـدة، مثـال لتفـويض وزاري لا يتعـارض مـع نـص قديم». (حكم محكم التمييز في الطعنين رقمي 23,87/ 1998 إداري جلسة 4/1/ 1999). إلا أنه بالنظر إلى قانون تنظيم تبادل المعلومات الائتمانية نجد أنه لم ينظم أحكام البيع بالتقسيط، وإنما فوض وزارة التجارة بذلك في المادة 17 منه التي نصت على أن «تقوم الوزارة بعد أخذ رأي البنك المركزي بوضع القواعد والضوابط الخاصة بالتسهيلات الائتمانية الناتجة عن البيع بالتقسيط للسلع والخدمات، وذلك بما يتماشى مع ما يصدره البنك المركزي من تعليمات بشأن قواعد منح القروض وعمليات التمويل الاستهلاكية». لا يمكن للقرار الإداري أن يخالف نص القانون وإلا كان باطلاً لمخالفته أحكامه فنجد أن التفويض التشريعي لوزارة التجارة قد جاء واضحاً ومحدداً لا يمكن الخروج عن أحكامه، حيث أوجب على الوزارة أخذ رأي البنك المركزي عند وضع القواعد والضوابط الخاصة بالتسهيلات الناتجة عن البيع بالتقسيط، بحيث تكون قرارات الوزارة مقيدة بقيدين، أولاً: أخذ رأي البنك المركزي، ثانياً: أن تصدر الوزارة قواعد وضوابط خاصة بالبيع بالتقسيط بما يتماشى مع تعليمات «المركزي»، فهل التزم القرار الوزاري بحدود التفويض التشريعي؟ أولاً: بالرجوع إلى ديباجة القرار الوزاري نجد أنه أشار إلى «التقرير النهائي لفريق العمل المشترك بين الوزارة وبنك الكويت المركزي بشأن ضوابط وأحكام التسهيلات الائتمانية الناتجة عن عمليات البيع بالتقسيط للسلع والخدمات»، ولكننا بالاطلاع على هذا التقرير باعتباره أساس التفويض التشريعي للمادة 17 من قانون تنظيم تبادل المعلومات الائتمانية نجد أنه قد جاء مقتضباً من صفحتين ونصف، وأنه خلا من أي رأي لـ «المركزي» بشأن موافقته على منع أخذ مقابل لخدمة البيع بالتقسيط، فقد جاءت مذكرة التفاهم بنقاط عامة دون بيان رأي «المركزي» بشأن تلك الضوابط ومدى انعكاسها على السوق التجاري والاقتصاد الكويتي، وهو ما يعد خروجاً على التفويض التشريعي مما يعرضه للبطلان، فكان قصد المشرع واضحاً في أن تلك المسائل والضوابط – المفوضة للوزارة – يجب أن يتم وضعها بعد أخذ رأي «المركزي» لانعكاسها المباشر على الاقتصاد الكويتي، وإن عدم أخذ رأي البنك مسبقاً بها، وبشكل واضح، يعد مخالفاً للتفويض التشريعي. ثانياً: أما فيما يتعلق بكون تلك الضوابط متوافقة مع تعليمات «المركزي» بشأن قواعد منح القروض وعمليات التمويل الاستهلاكية من عدمه، فإنه بالرجوع إلى تلك القواعد التي صدرت بتعميم «المركزي» في 20/4/1996 في شأن قواعد وأسس منح الشركات الاستثمارية للقروض الاستهلاكية وغيرها من القروض المقسطة وتعديلاته اللاحقة، نجد أنها نظمت في البند 11 منه مسألة أسعار الفوائد وضوابط استيفائها فسمحت بتقاضي فائدة أو مقابل للقروض الاستهلاكية أو القروض المقسطة، فهل يكون سماح «المركزي» بتقاضي الفوائد في تعميمها متعارضاً مع القرار الوزاري الذي قرر منع تقاضي أي مقابل لخدمة البيع بالتقسيط؟ وبالتالي يكون ذلك القرار قد جاء مخالفاً للتفويض التشريعي وتعليمات البنك. إن القرار الوزاري محل النقاش قد جاء عاماً بمخاطبة أي شركة تمارس البيع بالتقسيط، مما يشمل معه شركات التمويل الإسلامي والبنوك الاسلامية التي تعمل بنظام المرابحة، حيث يكون البيع الثاني (عقد منفصل آخر) بينها وبين العميل ضمن نطاق تطبيق هذا القرار، وبالتالي لا يمكن معه اختلاف سعر السلعة في السداد الفوري عن سعرها في البيع بالتقسيط. وإنه بتواصلنا مع أحد المختصين بالتمويل الإسلامي وتعليمات «المركزي»، أفاد بأن القرار يهدف إلى ضبط عمليات البيع بالتقسيط التي تمارسها الشركات التجارية فقط، ولا ينطبق على شركات التمويل والبنوك، وأن رغبة الوزارة تكمن في ضبط نظام التمويل بحيث تخضع جميع الشركات لذات الضوابط المتمثلة في الحد الأقصى لفترة السداد ونسبة القسط الشهري، وعليه فقد أوجب القرار في المادة 4 منه أنه «يتعين على الشركات المانحة إضافة الأنشطة التجارية اللازمة والخاصة بالبيع بالتقسيط لتراخيصها التجارية». إلا أن عدة تساؤلات تثار في تطبيق هذا القرار تتمثل في: - لماذا يسمح للبنوك وشركات التمويل بتقاضي فائدة أو مقابل لخدمة البيع بالتقسيط ويُمنع التاجر العادي من ذلك لو أنه حصل على الترخيص المطلوب؟ - هل يحق للتاجر الاستعانة بشركات التمويل والبنوك فتتعاقد مع المستهلك بطريق غير مباشر، ويتم حينها تطبيق الفائدة أو المقابل على خدمة البيع بالتقسيط كما هو الحال قبل صدور القرار؟ - هل استفاد المستهلك فعلياً من هذا القرار أم أنه سيدفع غالباً سعراً أعلى عند الشراء بالتقسيط، ولكن ذلك لن يكون مع التاجر مباشرة؟ وفي الختام فإننا ندعو وزارة التجارة إلى إصدار تعميم توضح به للإعلام والشركات المعنية آلية تطبيق القرار رقم 81 لسنة 2023، ومَنْ المستفيد ومَنْ المتضرر من تطبيقه، والأهم كيفية استفادة المستهلك منه؟
جريدة الجريدة