تحذيرات من انهيار اجتماعي للولايات المتحدة بسبب الاقتصاد
على مدى العقد الماضي، أصبح لدى العديد من الأميركيين نذير عميق بأن مجتمعهم في أزمة قد تكون الأشدّ فتكًا. بعد أن أثارت حالة الاستقطاب المتزايدة وعدم المساواة الاقتصادية والتضخم شعورًا عامًا بأن المؤسسات السياسية التي كانت جديرة بالاحترام في البلاد أصبحت مختلة وغير شرعية. خاصة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، اتخذت الأزمة بعدًا جيوسياسيًا، مما دفع الكثيرين إلى الخوف من أن الحاضر أخطر بكثير من أي فترة أخرى مروا بها في حياتهم. ومما يزيد الطين بلة، أن الطريق إلى بر الأمان ليس واضحاً، فقد أصبح مجرد تجاوز الانتخابات المقبلة دون انهيار النظام الديموقراطي إنجازاً كبيراً. على هذه الخلفية، يأتي موعد طرح كتابَي «المنعطف الرابع هنا» للمؤرخ لـ«نيل هاو»، و«نهاية الأزمنة» للعالم الاجتماعي «بيتر تورشين» في الوقت المناسب. فقد توقع كلا المؤلفين، منذ عقد أو أكثر، أن أزمة كبيرة ستحل حوالي عام 2020، على الرغم من أن أياً منهما لم يتوقع حدوث جائحة. ويؤكدان فكرة أننا في خضم أزمة كبيرة ويلجآن إلى تحليل البيانات الضخمة عبر الأجيال للتنبؤ بكيفية حل الأزمة. «نهاية الأزمنة: النخب، والنخب المضادة، ومسار التفكك السياسي»، بقلم «بيتر تورشين» «تورشين» هو عالم أحياء نظري سابق وأخصائي في «الديناميكا المناخية»، وهي مجموعة متنوعة من تحليل البيانات الضخمة التي تقوم بالتنبؤات من خلال تطبيق النماذج الرياضية على قاعدة بيانات ضخمة من الأزمات التاريخية السابقة التي تعود إلى عدة آلاف من السنين. يقترح تورشين مخططًا دوريًا للنهوض المجتمعي والتفكك اللاحق بناءً على ما يُطلق عليه «مضخة الثروة»، حيث تصبح النخب أكثر ثراءً وأكثر رسوخًا. ويرى أن حالة عدم المساواة، إذا تُركت دون رادع، ستتفاقم إلى درجة أن النظام سينهار ويجب إعادة بنائه من جديد. هذا هو الوضع اليوم في أميركا، حيث أصبحت الأوليغارشية – أو حكم الأقلية حيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتمتع بالثروة والنفوذ - متطرفة لدرجة أنه يجب إعادة توزيع السلطة بشكل كبير. يزعم «تورشين» بأن اجتماع أربعة عوامل يجعل من احتمال حدوث انهيار اجتماعي كبير أمراً مرجحاً وهي: التفاوت المتزايد بسرعة في الثروات والأجور، و«الإفراط في إنتاج النخب» من أبناء الأسر الحاكمة الغنية، والخريجين الحاصلين على شهادات عليا، والنمو غير المنضبط في الدّين العام. ومع تصاعد عوامل عدم الاستقرار الأخرى ينهار التوازن الهش لهذه المكوّنات النخبويّة، وتنشأ سلسلة صراعات على شكل حروب أهليّة أو ثقافيّة، تقود المجتمع للانهيار. ويدعي أن طريقته تجمع الكم الهائل من المعرفة التي جمعها المؤرخون المحترفون ثم تستخدمها بطريقة علمية موضوعية. يجادل تورشين بأن تطبيق هذه المبادئ العامّة بطريقة «موضوعية» عبر جمع البيانات، يمكن أن يكون مدخلاً معرفياً مهماً لصناع القرار في التعامل مع التهديدات الوجوديّة. «المنعطف الرابع هنا: ماذا يخبرنا التاريخ عن كيف ومتى ستنتهي هذه الأزمة»، بقلم «نيل هاو» قبل خمسة وعشرين عامًا، أذهل نيل هاو والسياسي الراحل ويليام شتراوس العالم بنظرية جديدة مثيرة للتاريخ الأميركي. إذا نظروا إلى الوراء في الـ 500 عام الماضية، واكتشفوا نمطًا مميزًا: التاريخ الحديث يتحرك في دورات، كل دورة تدوم ما يقرب من 80 إلى 100 عام. مع كل دورة تتكون من أربعة عصور - أو «منعطفات» - التي تصل دائمًا بنفس الترتيب وتستمر كل منها حوالي عشرين عامًا. وفقًا للمؤلف، بدأ المنعطف الأول بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أصبحت الولايات المتحدة واثقة وقوية ولكنها أيضًا لطيفة ومتوافقة. المنعطف الثاني، «ثورة الوعي»، من اضطرابات الستينيات إلى الثورات الضريبية في الثمانينيات، والذي تميز بالتحرر الشخصي والفوضى المتزايدة. بدأ المنعطف الثالث، أو «حروب الثقافة» الصاخبة، عندما بلغ تفاؤل «ريغان» ذروته في ثمانينيات القرن الماضي وحتى الإنهاك مع حروب ما بعد 11 سبتمبر في الشرق الأوسط. نحن الآن متورطون في المنعطف الرابع، أو «أزمة الألفية»، الذي بدأ مع انهيار السوق العالمية في عام 2008 واستمر مع صعود «دونالد ترامب» والشعبوية الاستبدادية. ما نراه في كل مكان حولنا – من حالة الاستقطاب، والتهديد المتزايد للصراع الأهلي والحرب العالمية - سوف يبلغ ذروته بحلول أوائل الثلاثينيات من القرن الحالي في ذروة تشكل خطرًا كبيرًا ومع ذلك تحمل أيضًا وعدًا كبيرًا، وربما حتى تجلب العصر الذهبي القادم لأميركا. إن كتاب «المنعطف الرابع هنا»، يأخذك عبر التاريخ ويتعمق في الشخصية الجماعية لكل جيل حي لفهم أزمتنا الحالية. واستكشاف كيف سنتأثر جميعًا بشكل مختلف بالتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سنواجهها في العقد القادم. ويكشف كيف يمكن لمجتمعاتنا وعائلاتنا الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة هذه التحديات وجهاً لوجه. على عكس تورشين، يركز هاو بشكل ضيق على الولايات المتحدة، على الرغم من أنه يشير إلى أن التجربة الأميركية يتم تكرارها في مكان آخر. إن كتابَـي «المنعطف الرابع هنا» و«نهاية الأزمنة» كلاهما مدفوع بشعور عميق بأن أميركا معرضة لخطر جسيم. قد يكونان على حق في هذا، لكنهما يعلقان هذه المخاوف على وضع أطر ما وراء التاريخ التي تهدف إلى التنبؤ بالنتائج المستقبلية المتفائلة الناشئة عن رماد الاستقطاب والصراع الحالي. داتئماً شغل هذا التاريخ الذي يدور في دورات متعاقبة المؤرخين واجتذب أتباعًا متحمسين. قد يبدي البعض تشككهم في هذا النهج، لكن يجب على جميع القراء الاستمتاع بهذه الرحلة التاريخية مع كاتب يبدو أنه قرأ تلك المصادر ذات الصلة. فهو في النهاية عمل رائع لتاريخ العالم والتطلع إلى المستقبل.
جريدة الجريدة