المستقبل الرقمي لدولة الكويت على ضوء المستجدات العالمية لصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات
المستقبل الرقمي لدولة الكويت على ضوء المستجدات العالمية لصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات
وضعت «رؤية الكويت 2035، كويت جديدة» عند إطلاقها أهدافاً طموحة تتمثل في تأسيس اقتصاد مستدام ومتنوع مدعوم ببنية تحتية متطورة في البلاد.
وقد قطعت الكويت شوطاً طويلاً في مجال تطوير البنية التحتية ونشر التقنيات الحديثة، إذ تعتبر من أوائل الدول التي أطلقت شبكات الجيل الخامس على نطاق تجاري.
وأصبحت شبكات الجيل الخامس تمكّن المؤسسات العامة والخاصة من الاستفادة من المزايا التي يوفرها قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الذي يعتبر أحد أكثر القطاعات حيوية لتمكين تنمية وتطوير سائر القطاعات والصناعات الأخرى.
يُعزى حجم التطور اللافت المذكور إلى التركيز على بناء نظام إيكولوجي ديناميكي يحقق وتيرة تطور لافتة ويرتقي بمعاييره إلى مصاف أرقى المعايير الدولية التي حددتها جهات بارزة في هذا المضمار بما في ذلك الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (جي اس ام إيه) ومشروع شراكة الجيل الثالث (3GPP).
وقد تم إحراز مزيد من التقدم في حماية الشبكات من خلال نظام شهادة معايير الأمان العالمية NESAS / SCAS، وهو إطار عمل متكامل تم تحديده بشكل مشترك من قبل جمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (جي اس ام إيه) ومشروع شراكة الجيل الثالث لتحسين مستويات الأمان في قطاع الهواتف المتحركة.
وبالنظر إلى المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة للترويج لنوع جديد من الشبكات هو «شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة» أو ما يدعى بشبكات «أوبن ران» (OpenRan) التي ينبغي تصميمها بناءً على وظائف شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة المجزأة بالاعتماد على مواصفات الواجهات المفتوحة بين المكونات، ويتم تنفيذ الوظيفة في الأجهزة التي لا تتبع لمورد محدد، ستكون شبكات الاتصالات العالمية بما فيها شبكات دولة الكويت ودول المنطقة على موعد مع مرحلة جديدة من استكشاف بروتوكول جديد للشبكات قد تكون نتائجه غير مضمونة ولربما تتسبب بارتفاع التكاليف وتعرض الشبكات لمخاطر أمنية أكثر، وتخلق تعقيدات مشغلوا شبكات الاتصالات بغنى عنها اليوم بعد أن قطعوا شوطاً طويلاً على طريق ترسيخ تطور شبكاتهم والتعامل مع عملياتها وإدارتها بنجاح وفق معايير مدروسة ومعتمدة دولياً.
وقد يؤدي الانضمام لمبادرة شبكات «أوبن ران» لإحداث شرخ في مسيرة التطور التي تظلل قطاع الاتصالات حالياً وتم بناؤها وفق معايير عالمية متفق عليها، بعيداً عن المعايير التي سيتم استكشافها كما هو الحال في مبادرة «أوبن ران».
وبإجراء نظرة متعمقة على حجج الداعمين لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة «أوبن ران»، تنكشف لنا العديد من التناقضات.
فالحجة الرئيسية للمبادرة تتمثل في أن تقسيم معدات الشبكة إلى مكونات فردية سيسهم في تعزيز التنافسية في الشبكات وتقليل التكاليف وتحفيز الابتكار.
لكن الدلائل المستفادة من تجارب المنضمين الأوائل لهذه المبادرة تظهر أن اتباع بروتوكول «أوبن ران» في تصميم الشبكات لا يضيف أي فائدة سوى التعقيدات، ولا يحقق وعود تقليص التكاليف.
وبتبني مبدأ شبكات «أوبن ران»، يتم تقسيم معدات الشبكة إلى سبع وحدات، علاوة على إضافة سبع واجهات جديدة، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الصيانة وارتفاع تعقيد العمليات.
بحسب تجربة «راكوتين موبايل» اليابانية، التي اعتمدت في وقت مبكر برتوكول «أوبن ران»، عانت الشركة من تعثرات مالية في 2021 وارتفاع في التكاليف ناجمة عن تأخر عمليات التجهيز والإعداد عن الموعد المحدد، فقد خسرت الشركة 3.62 مليار دولار على أساس سنوي، وبلغت خسائر النصف الأول 899.8 مليون دولار.
ونتيجة لذلك، خفض مؤشر ستاندارد آند بورز التصنيف الائتماني للمشغل الياباني إلى المستوى BB+ نظراً لتدهور أوضاعه المالية مع نظرة مستقبلية غير مبشرة.
علاوة على ذلك، لم تنجح الشركة بربط سوى 2.5% من قاعدة مشتركيها بالنظام الجديد، ويبدو جلياً أن الآمال المعقودة على تبني بروتوكول شبكات «أوبن ران» تبخر مع مرور الوقت، إذ أن نحو 70% إلى 80% من التكاليف التشغيلية للموقع الخلوي تندرج في إطار النفقات التشغيلية، بما في ذلك الموارد المخصصة للموقع، والموارد المخصصة للنقل، ورسوم الكهرباء ورسوم التشغيل والصيانة.
ومن المتوقع أن تنشأ صعوبات أخرى حال حدوث خلل في شبكات «أوبن ران»، وفي ظل عدم وجود جهة واحدة مسؤولة عن أداء الشبكة، يصبح رصد المشكلات وتحديد موقعها مسألة بالغة التعقيد، وسيزداد الأمر سوءاً بسبب عدم كفاية الموظفين المحترفين. وقد يعني ذلك أيضاً أن المشغلين سيتولون إدارة عمليات الشبكة وصيانتها بالنيابة عن مزودي حلول الشبكات، لاسيما وأن القلق سيراودهم حيال مسألة إدارة تقنيات المزودين الآخرين.
في حال تم الإصرار على نشرها، قد تؤدي «شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة» لإحداث انتكاسة في جهود الاستدامة التي أطلقتها الكويت باعتبارها من الدول الموقعة على التعهدات الدولية المتعلقة بالاقتصاد الأخضر والحياد الكربوني، والتي تشمل الحد من استهلاك الطاقة للبنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات.
فتبني بروتوكول «شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة» سيقود هذه الجهود إلى مسار معاكس، فتشغيلها يتطلب بالتأكيد استهلاك كميات أكبر من الطاقة مقارنة بالحلول التقليدية سواء في المواقع أو في النقل.
المشكلة الأكبر لتبني النهج شبكات «أوبن ران»الجديد تتجسد في الأمن السيبراني، فتقسيم معدات المحطة الأساسية سيؤدي إلى زيادة الثغرات التي قد تتعرض لهجمات سيبرانية وبالتالي ارتفاع التهديدات الأمنية.
وفي واقع الأمر، تتصاعد مخاوف اأىطراف المعنية في القطاع والجهات التنظيمية حيال التهديدات الأمنية المحتملة لهذه الشبكات، فقد أصدرت شركة إريكسون تقريراً عن المخاطر الأمنية يؤكد بأن تصميم شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة «سيحمل معه مخاطر أمنية جديدة يجب التنبه لها»، أما هيئة مراقبة الأمن السيبراني الفيدرالية الألمانية، فقد أطلقت تقريراً عن المخاطر المحتملة لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (Open-RAN Risikoanalyse) كشف المخاطر الأمنية المتوسطة والمرتفعة لهذه الشبكات في العديد من الواجهات والمكونات الخاصة بهذه الأنظمة.
كما أصدر الاتحاد الأوروبي تقييمه للمخاطر بشأن أمن هذه الشبكات، ويؤكد التقرير على أن هذا المفهوم يفتقر في الوقت الحالي إلى النضج، فالأمن السيبراني لا يزال يمثل تحد كبير له.
وبالمقابل، قطاع الاتصالات يمتلك معايير أمان مثبتة من خلال نظام شهادة معايير الأمان العالمية التي تم تطبيقها بنجاح كبير كنظام اعتماد موحد من قبل أبرز الجهات التنظيمية العالمية في مجالات أمن الشبكات.
تمضي الكويت قدماً باتجاه تطوير اقتصادها، وقد جاءت البنية التحتية الرقمية التي تعتبر ركيزتها الرئيسية للاستمرار بزخم تقدمها نتيجة لتبني معايير دولية راسخة والتعاون المنفتح والشراكة الوثيقة مع مختلف الأطراف العالمية المتخصصة بغض النظر عن جنسيتها، وقد يبدو موضوع المقال فنياً بحتاً، لكنه جوهري فيما يتعلق بالاستفادة من الدروس والتجارب العالمية التي توجب على كافة الأطراف المعنية إعادة النظر في اعتماد أي تقنية جديدة قيد الاستكشاف وقد لا يثبت جدواها والمبالغة في وصف المنافع المرجوة من تطبيقها التي يمكن ألا تتحقق مطلقاً، كما هو الحال في مبادرة شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة «أوبن ران» التي فشل المدافعون عنها لدى تنفيذها في إثبات كيف يمكن لأهدافها أن تتحقق على أرض الواقع، وتبخرت حججهم بالكامل.
جريدة الجريدة.