الكويت الأكثر تأثراً بأزمة المصارف... كانت واستمرت بلا إدارة عامة
- زيادة «الفدرالي» لأسعار الفائدة الأخيرة هدفها دعم الثقة بالقطاع المصرفي
في بلد تبلغ فيه الودائع لكل قطاعها المالي نحو 17.6 تريليون دولار، وأصول المصارف نحو 23 تريليوناً، تنحصر معركة السلطات النقدية والمالية على ضمان ثقة المودع والمستثمر، بأي ثمن، لأنّ فقدانها قد يسبب تداعيات غير محتملة ويمتد حريقها إلى كل العالم. ذكر التقرير الأسبوعي لمركز الشال أن البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي قرر يوم الأربعاء، 22 الجاري، رفع سعر الفائدة الأساس على الدولار بـ 0.25 بالمئة، وهذه الزيادة هي التاسعة خلال سنة واحدة، الأولى كانت في 16 مارس من العام الماضي. وكانت التوقعات قبل أزمة تعثّر المصارف التي بدأت في 10 الجاري تشير إلى ترجيح زيادة سعر الفائدة بـ 0.50 بالمئة، بسبب استمرار مستويات التضخم بأعلى من المتوقع لها، واستمرار سخونة سوق العمل ورواج الاستهلاك الخاص، ومع تلك الزيادة، بلغت الفجوة بين سعر الخصم على الدينار والفائدة الأساس على الدولار ما بين 0.75 و- 1.00 بالمئة. ولارتفاع أسعار الفائدة في الظروف الحالية مخاطر في اتجاهين، الأول هو احتمال كبح النمو الاقتصادي بأكبر وأسرع من المستهدف، مما يعني دخول حقبة ركود أعمق وأطول من المحتمل، والثاني احتمال تعميق أزمة القطاع المالي. ولتعميق أزمة القطاع المالي من وجهة نظرنا زاويتان، الأولى هي احتمال اتساع حالات تعثّر المصارف المتوسطة والصغيرة، ويقدّر عددها في الولايات المتحدة الأميركية بـ 190 مصرفاً، طال التعثّر 4 منها فقط حتى الآن، بمجموع أصول في حدود 550 مليار دولار، ومجموع ودائع بحدود 317 ملياراً. معظم تلك المصارف تعاني اختلال التوازن بين أصولها والتزاماتها، ومعظم استثماراتها طويلة الأجل وممولة بديون قصيرة الأجل، مثل الودائع ومحافظ العملاء، وتكلفة الأموال لديها تتسع مقابل العائد على استثماراتها، والتأمين على الودائع لا يغطّي سوى نحو 10 بالمئة من قيمتها. وفي بلد تبلغ فيه الودائع لكل قطاعها المالي نحو 17.6 تريليون دولار، وأصول المصارف نحو 23 تريليوناً، تنحصر معركة السلطات النقدية والمالية في ضمان ثقة المودع والمستثمر، بأي ثمن، لأنّ فقدانها قد يتسبب في تداعيات غير محتملة ويمتد حريقها إلى كل العالم. الزاوية الثانية هي تكلفة التمويل على المقترضين، فإجمالي ديون العالم، السيادية والخاصة في مستوى قياسي، أقل قليلاً من 300 تريليون دولار، أو نحو 3.38 أضعاف حجم الاقتصاد العالمي، وارتفاع تكاليف خدمة تلك الديون قد يؤدي إلى سلسلة من الإفلاسات على مستوى دول ومؤسسات كبرى، خصوصاً إن زامنه تصحيح كبير في بورصات العالم، وهو أمر لا بدّ من التحوط له ومراقبته بشكل متصل. تلك المخاطر قد تعني - بحدود اجتهادنا - أن الزيادة الحالية قد تكون الأخيرة، وتصريحات رئيس «الفدرالي الأميركي» حول الاستمرار في رفعها إن احتاج الأمر، وتصريح وزيرة الخزانة حول استبعاد ضمان كل الودائع غير المؤمّنة، يندرجان تحت تأكيد ثقتهما بسلامة أوضاع القطاع المصرفي من أجل تعزيز ثقة عملائه. لذلك، لا نعتقد أن زيادة أسعار الفائدة الأسبوع الفائت هدفها كبح التضخم فقط، كما في الحالات الثماني السابقة، وإنما تندرج تحت هدف دعم الثقة، كما في تصريح البنك المركزي الأوروبي عندما رفع سعر فائدة اليورو بـ 0.50 بالمئة، ولاحقاً البنك المركزي السويدي، فقد يفهم المتعاملون أن تراجع «الفدرالي الأميركي» عن رفع سعر الفائدة راجع إلى عمق أزمة القطاع المصرفي. فالمستهدف من الزيادات السابقة، كما ذكرنا، هو كبح التضخم وتبريد سخونة سوق العمل، والحد من نمو الاستهلاك الخاص، وكلها سوف تحققها تداعيات أزمة المصارف الأخيرة، وأحد أهم مصادر التضخم، وهو أسعار النفط – خام برنت – فقدت أسعاره نحو 4.9 دولارات للبرميل ما بين 9 و22 الجاري، أي هبطت بنحو 6 بالمئة، وقد نشهد قريباً بدايات تسريح عمالة إن تباطأ نمو الاقتصاد. لم تكن أزمة المصارف في 10 مارس متوقّعة، لكنها حدثت، وترتب على حدوثها عقد اجتماعات طوارئ استثنائية في الولايات المتحدة الأميركية شملت الرئيس الأميركي وفريقه و«الكونغرس» و«الفدرالي» الأميركي، ومؤسسة ضمان الودائع الفدرالية وكل الشركات المالية الكبرى غيّرت كثيراً من قناعات سابقة، واستهلكت كل عطلة نهاية الأسبوع ما بين 10 و12 الجاري، واتخذت قراراتها قبل فتح الأسواق المالية مع بداية الأسبوع، تبعها جهد مماثل في سويسرا في عطلة نهاية الأسبوع الذي تلاه، وشاركهم التواصل والقلق كل سلطات العالم النقدية والمالية، إلا «الكويت غير»، وحدها، وهي الأكثر تأثّراً بتداعيات الأزمة، كانت واستمرت بلا إدارة عامة بالكامل.
جريدة الجريدة