أيهما أشد وطأة... أزمة فيروس كورونا الحالية أم أزمة 2008؟

في يناير الماضي، أصدر صندوق النقد الدولي تحديثًا لتوقعاته حول مستقبل النمو الاقتصادي، رجح خلاله نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3 في المئة في عام 2020، وذلك ارتفاع من 2.9 في المئة في عام 2019. وفي ذلك الوقت كانت هناك أسباب معقولة تبرر هذه التوقعات المتفائلة، ربما أهمها هدوء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ولكن فجأة ذهب كل هذا أدراج الرياح مع انطلاق أزمة «كورونا».

بالأمس، قالت منظمة «الصحة العالمية» إن عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا حول العالم لم يصل إلى الذروة بعد. ومع استمرار هذا الفيروس في البقاء خارج نطاق السيطرة، كما هو الحال الآن، فإن أفضل نتيجة يمكن لأشد المتفائلين توقعها هي أن تكون الآثار الاقتصادية للأزمة الحالية قريبة من تلك الخاصة بأزمة 2008 المالية. ولكن هل ستكون كذلك فعلًا؟

أكثر سرعة وأشد حدة

للأسف، يومًا بعد يوم تزداد العلامات التي تشير إلى أن الآثار الاقتصادية للأزمة الحالية ستكون أسوأ بكثير وأشد وطأة مقارنة بما حدث في الأزمة المالية العالمية الأخيرة والتي كان ينظر إليها حتى وقت قريب باعتبارها أسوأ ما يمكن أن يحدث للأسواق والاقتصادات العالمية. باختصار، الصدمة التي ضربت الاقتصاد العالمي مؤخرًا أسرع وأكثر حدة من أي أزمة مالية وقعت في التاريخ المعاصر.

أزمة 2008 لم تكن هينة أبدًا، ففيها انهارت أسواق الأسهم حول العالم، وأصيب سوق الائتمان العالمي بحالة من الشلل، وأفلس عدد هائل من الشركات. وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، ارتفعت معدلات البطالة فوق مستوى 10 في المئة، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 10 في المئة أو أكثر. لكن كل هذه التداعيات استغرقت ما يقرب من ثلاث سنوات لكي تكتمل.

على الجهة الأخرى، نجد أنه في غضون الأسابيع الخمسة الممتدة بين منتصف فبراير ومنتصف مارس فقدت أسواق الأسهم في مجموعة الدول السبع الكبرى 33 في المئة من قيمتها، مقارنة بانخفاض قدره 19 في المئة فقط خلال الأسابيع الأربعة التالية، لانهيار بنك الاستثمار الأميركي «ليمان برازرز» في 15 سبتمبر 2008.

وفي الأيام الأخيرة أصدرت أكثر من مؤسسة توقعات أشار أغلبها إلى أن كثيرا من الاقتصادات العالمية في طريقها للوقوع في فخ الانكماش. وربما أهم هذه التوقعات هي تلك الصادرة بالأمس عن صندوق النقد الدولي، الذي توقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 3 في المئة خلال عام 2020 على إثر تداعيات كورونا، مقارنة بانكماش قدره 0.1 في المئة فقط في عام 2009.

الاقتصاد كله

أزمة 2008 على فداحتها كانت في النهاية مجرد أزمة مصرفية بسبب ديون الرهون العقارية المتعثرة، ولكن الصدمة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي حاليًا أقوى وأوسع نطاقًا، لأنها في غضون عدة أسابيع فقط تسببت في إغلاق شبه تام لمختلف القطاعات الاقتصادية حول العالم بداية من التصنيع وانتهاءً بالخدمات، وهو ما تسبب في أن يعاني الاقتصاد العالمي لأول مرة صدمة على جانبي العرض والطلب في الوقت ذاته.

بعد فترة وجيزة من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي جعلت الاقتصاد الأميركي على مقربة من تراجع حاد في النمو، طلب الرئيس جورج دبليو بوش من الأميركيين مساعدة قطاع الطيران الذي تعرض لضربة شديدة من خلال تشجيعهم على حجز المزيد من الرحلات وزيارة الأماكن السياحية. ولكن مثل هذه النصائح لن تجدي نفعًا الآن، بعد أن أصبح جلوس الناس في بيوتهم هو الطريقة الأمثل للحد من انتشار كورونا.

في الأيام الأخيرة بدأت الصين على استحياء تعيد تشغيل بعض مصانعها، ولكن حتى لو عملت المصانع الصينية بطاقتها التشغيلية الكاملة فمن سيشتري البضائع التي ستنتجها في ظل حالة الشلل التي يعانيها الآن الاقتصاد العالمي؟ وفي الولايات المتحدة، لا يرجح الخبراء أن يستعيد القطاع الصناعي 70 في المئة أو 80 في المئة من طاقته التشغيلية قريبًا، بل يرون ذلك حلمًا بعيد المنال بالنظر للتطورات الحالية.

هناك حالة من القلق وعدم اليقين تسود المشهد بعد أن شاهد الجميع الولايات المتحدة تفشل فشلًا ذريعًا في احتواء المرض وتحولها إلى إحدى بؤره الرئيسية، على الرغم من امتلاكها النظام الصحي الأكثر تقدمًا في العالم. هذا يعني أن مستويات الاستهلاك الأميركي، الذي يساهم بجزء غير ضئيل من نمو الاقتصاد الصيني تحديدًا لن تعود إلى سابق عهدها، إلا بعد أن يصبح اللقاح متاحًا في الأسواق، وهو ما قد لا يحدث قبل عام من الآن.

قنبلة الديون

الأزمة هذه المرة أزمة مركبة، فهي بالمقام الأول أزمة صحية تسببت تداعياتها في أزمة اقتصادية. وإلى أن يتم حل الأزمة الصحية التي تهدد – وفق أسوأ السيناريوهات – بفقدان 150 مليون إنسان لحياتهم قد يبدو الوضع الاقتصادي قاتمًا.

حتى بعد رفع الإجراءات الاحترازية الحالية واستئناف النشاط الاقتصادي، سيكون للأضرار التي تتعرض لها الشركات والاقتصادات حاليًا آثار طويلة الأجل، خصوصًا أن الديون العالمية كانت عند مستويات قياسية مرتفعة قبل بداية الأزمة.

فمنذ نهاية الأزمة المالية العالمية الأخيرة أبقى صناع السياسة المالية حول العالم أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة، وهو ما ساهم في تفاقم أزمة ديون الشركات والتي زادت بنسبة 60 في المئة منذ ذلك الحين. وكلما طال أمد الأزمة الحالية زاد انكشاف نقاط الضعف الكامنة في ميزانيات الشركات المثقلة بالديون، والتي أصبح عدد غير قليل منها على مقربة من حافة الإفلاس.

في مؤتمر عقدته منظمة الصحة العالمية في بداية أبريل، قالت كريستالينا جورجيفا، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، إن الأزمة الحالية لا مثيل لها، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يراقب فيها الصندوق الاقتصاد العالمي بينما يقترب من طريق مسدود. وختمت جورجيفا حديثها بقولها إن «الأزمة الحالية أسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية الأخيرة».

جريدة الجريدة