«الوطني»: احتدام الصراع بين التضخم ومخاوف الركود

• الاحتياطي الفدرالي يصعّد الضغوط على الاقتصاد الأميركي بعد رفع سعر الفائدة.
• أوروبا على شفا الركود مع استمرار تزايد ضغوط الأسعار على نطاق واسع.

قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن مجلس الاحتياطي الفدرالي قرر رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس للمرة الثانية على التوالي في اجتماع يوليو، ليرتفع بذلك سعر الفائدة على الأموال الفدرالية إلى نطاق يتراوح ما بين 2.25% و2.50% وبذلك يكون الاحتياطي الفدرالي رفع سعر الفائدة خلال شهري يونيو ويوليو بنحو 150 نقطة أساس – مما يعد أكثر الخطوات المتتالية صرامة منذ حقبة مكافحة الأسعار في أوائل الثمانينيات.

في التفاصيل، وعلى عكس الارتفاع الأخير بمقدار 75 نقطة أساس الذي تم تطبيقه في يونيو، فقد تم إقرار هذه الخطوة بإجماع صانعي السياسة في الاحتياطي الفدرالي.

وفي الوقت الحالي، وصلت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى نفس المستويات التي طبقها الاحتياطي الفدرالي خلال الفترة الممتدة ما بين 2015-2018، التي استغرقت في ذلك الوقت ثلاث سنوات للوصول إليها، على عكس هذه المرة التي استغرقت خمسة أشهر فقط تمت جمعيها خلال عام 2022.

وخلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب القرار، أشار الاحتياطي الفدرالي إلى أن بعض «المؤشرات الأخيرة للإنفاق والإنتاج تراجعت»، مشيراً إلى بعض البيانات الضعيفة التي ظهرت مؤخراً، لكن بيان الاحتياطي الفدرالي أكد التزامه القوي بإعادة التضخم إلى المستويات المستهدفة والبقاء متيقظاً لمخاطر التضخم.

وفي خطوة غير معتادة، لم يقدم المسؤولون إرشادات واضحة بشأن حجم أو نطاق الخطوة التالية كما فعلوا في اجتماع يونيو، وبدلاً من ذلك، سيتم وضع السياسة النقدية على أساس البيانات المتوفرة لكل اجتماع على حدة.

وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول: «في حين أن زيادة كبيرة أخرى غير معتادة قد تكون مناسبة في اجتماعنا المقبل، فإن هذا قرار سيعتمد على البيانات التي نحصل عليها خلال الفترة الممتدة بين الاجتماعين». كما عارض باول افتراضات الركود، مشيراً إلى الأداء الجيد لسوق العمل.

إشارات مختلطة

ما تزال حالة التضخم سيئة في الولايات المتحدة بعد أن قفزت معدلاته إلى 9.1% في يونيو، مما أضعف مستويات الثقة وأجبر الاحتياطي الفدرالي على مواصلة رفع أسعار الفائدة لكبح جماح الطلب. وفي الوقت الحالي، يجد مجلس الاحتياطي الفدرالي نفسه في مواجهة معضلة اتخاذ القرارات المناسبة في ضوء ارتفاع معدلات التضخم بدرجة كافية لاستمرار الضغوط بما يستدعي مواصلة السياسات النقدية المتشددة، لكن المؤشرات الاقتصادية عموماً تشير إلى أن الولايات المتحدة تتجه نحو تباطؤ اقتصادي.

من جهة أخرى، تراجعت معدلات ثقة المستهلك في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ فبراير2021، مما عزز التعليقات الأخيرة التي صدرت عن المؤسسات الأميركية الكبرى بأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبنزين يوجه ميزانيات المستهلكين نحو شراء الضروريات فقط، ولا يترك مجالاً للمشتريات الاستهلاكية الأخرى.

وأدى ارتفاع أسعار المنازل بالتزامن مع زيادة معدلات الرهن العقاري إلى تزايد الضغوط على مبيعات المنازل الجديدة للمرة الخامسة هذا العام، إذ تراجعت إلى أدنى مستوياتها المسجلة في عامين مما يعكس تباطؤ أداء السوق وذلك في ظل وصول متوسط معدل الرهن العقاري لمدة 30 عاماً إلى نحو ضعف مستوياته المسجلة قبل عام من ارتفاع أسعار الفائدة.

وشهد الاقتصاد الأميركي ركوداً «تقنياً» بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني على التوالي بمعدل 0.9% على أساس سنوي بعد تراجعه بنسبة 1.6% مقارنة بالربع السابق.

وتباطأت وتيرة نمو الاستهلاك الشخصي، والذي يعد الجزء الأكبر من الاقتصاد، مقارنة بالفترة السابقة وارتفع بنسبة 1%.

كما تقدم عدد أقل من الأميركيين للحصول على طلبات إعانة البطالة الأسبوع الماضي، مع انخفاض المطالبات للمرة الأولى في أربعة أسابيع من 261 ألف إلى 256 ألفاً، لكن المعدل ما يزال ثابتاً قرب أعلى مستوياته المسجلة في ثمانية أشهر، مما يشير إلى تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد.

في المقابل، ظل الاستثمار في أنشطة الأعمال قوياً في الربع الثاني من العام الحالي، إذ ارتفعت طلبيات السلع المعمرة الأميركية بنسبة 1.9% في يونيو، مما يعتبر أسرع بكثير من توقعات تسجيل نمو بنسبة -0.4%، فيما يعزى إلى حد كبير إلى تزايد طلبيات طائرات الدفاع، إلا أن الطلبات الأساسية كانت قوية أيضاً بنسبة 0.5% مقابل 0.2% المتوقعة.

وتجاوز مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، مقياس التضخم المفضل للاحتياطي الفدرالي، كل التوقعات بارتفاعه بنسبة 0.6% على أساس شهري (6.8% على أساس سنوي) مقارنة بتوقعات نموه بنسبة 0.5% و0.3% الشهر السابق.

وكان معدل نمو التضخم على أساس سنوي هو الأعلى منذ 40 عاماً، مما دفع وشجع الاحتياطي الفدرالي للتحرك بقوة أكبر لمواجهة التضخم مع استمرار ضغوط الأسعار.

مسار سياسي واقتصادي للمضي قدماً

يواصل التضخم صعوده الجنوني قبيل الاجتماع القادم لبنك إنكلترا المقرر عقده هذا الأسبوع، إذ ارتفع مقياس التضخم لدى اتحاد تجار التجزئة البريطاني إلى 4.4% في يوليو مقابل 3.1% في يونيو، فيما يعد أعلى مستوياته المسجلة منذ عام 2005.

وارتفع معدل تضخم المواد الغذائية بنسبة 7% عن مستويات العام الماضي، بوتيرة أكثر حدة مقابل 5.6% في يونيو مسجلاً أكبر قفزة منذ العام 2009.

وارتفع معدل التضخم للسلع غير الغذائية بنسبة 3%. وارتفع معدل تضخم الأسعار بسبب اضطرابات سلسلة التوريد، وتزايد تكاليف الإنتاج والشحن، واستمرار أزمة أوكرانيا.

وتضيف النتائج إلى التحديات التي تواجه بنك إنكلترا، الذي رفع أسعار الفائدة إلى 1.25% حتى الآن لكبح جماح التضخم.

كما يساهم ذلك في تعزيز الجدل بين المتنافسين لخلافة بوريس جونسون كرئيس للوزراء، وهما ليز تروس وريشي سوناك، حيث يناقشان كيفية تخفيف الضغوط عن المستهلكين. وكثف الزعيمان هجماتهما على البنك المركزي، منتقدين كيفية مكافحة التضخم.

ووسط مواجهة المشاكل السياسية والاقتصادية، صمد الجنيه الإسترليني فوق مستوى 1.2100 قبل اجتماع بنك إنكلترا، وأنهى تداولات الأسبوع مرتفعاً بنسبة 1.02% عند مستوى 1.2169.

ديناميكيات تحرك الدولار

وأدت تعليقات رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي حول اتباع نهجاً أكثر حذراً مع التركيز على البيانات إلى تراجع عائدات سندات الخزانة الأميركية، مما أدى إلى تزايد الضغوط على الدولار.

وشهدت الأسهم نمواً ملحوظاً وأنهت تداولات الأسبوع في المنطقة الخضراء، على خلفية التراجع الكبير لعائدات السندات والتباطؤ المحتمل لوتيرة رفع أسعار الفائدة الذي من شأنه أن يخفف الضغوط على الشركات.

وأنهى مؤشر الدولار الأميركي تداولات الأسبوع متراجعاً عند مستوى 105.903.

الركود يطرق أبواب أوروبا

تزداد الآفاق الاقتصادية في منطقة اليورو سوءاً يوماً بعد الآخر، إذ يطارد الارتفاع القياسي لمعدلات التضخم المستهلكين وتتصاعد التهديدات الخاصة بإمدادات كل شيء من الغاز الطبيعي الروسي إلى مكونات التصنيع.

وتشير التراجعات الحادة لاستطلاعات الثقة إلى تراجع أداء الشركات وانخفاض إنفاق المستهلكين بوتيرة سريعة، فيما تشير التوقعات إلى ظهور المزيد من المشاكل في المستقبل.

كما تلقي المخاوف المتعلقة بأزمة الطاقة بظلال كثيفة على المعنويات الهشة، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا واختناقات العرض المستمرة بسبب اضطرابات سلاسل التوريد.

وفي إطار توقع الاتحاد الأوروبي واستعداده لمواجهة انقطاع الإمدادات من روسيا بالكامل، تم التوصل إلى اتفاق لخفض استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 15% بعد أن أعلنت روسيا الأسبوع الماضي عن خفض عمليات التسليم بنسبة 20% نظراً لأعمال صيانة خطوط الأنابيب.

وارتفعت أسعار الغاز أكثر من الضعف منذ بداية يونيو وبأكثر من 10%، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتعريض الإنتاج الصناعي للخطر.

ديناميكية هادئة للأسعار في اليابان

واصلت الأسعار في اليابان ارتفاعها مع تزايد أسعار السلع الأساسية وضعف الين الياباني مما يجبر الشركات على تحميل المستهلكين ارتفاع التكاليف. وكشف أحدث تقرير صادر عن بنك اليابان زيادة أسعار الخدمات بنسبة 2% في يونيو مقارنة بمستويات العام السابق، بصدارة قطاعات النقل والخدمات البريدية التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بارتفاع أسعار الوقود. وجاءت قراءة اثنين من مؤشرات أسعار المستهلك، وهما مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي الصادر عن البنك المركزي الياباني ومؤشر طوكيو لأسعار المستهلكين، أفضل مما كان متوقعاً ومقارنة بنتائج الشهر السابق. حيث ارتفع الإنتاج الصناعي في يونيو بنسبة 8.9%، فيما يعد أسرع وتيرة منذ أكثر من تسع سنوات في ظل تخفيف الصين لتدابير احتواء تفشي فيروس كوفيد 19. إلا أن مبيعات التجزئة كانت أضعف من المتوقع في يونيو مقارنة بمستويات العام السابق، إذ ارتفعت بنسبة 1.5%. كما ظل معدل البطالة دون تغيير في يونيو عن الشهر السابق وظل مستقراً عند مستوى 2.6%.

في حين أظهرت المؤشرات أن ديناميكيات الأسعار في اليابان أكثر هدوءاً من الغرب، إلا أنها تشير ايضاً إلى اتجاه التضخم نحو الارتفاع، مما يعزز من إمكانية استمرار ارتفاع الأسعار وما لذلك من تأثيرات محتملة على السياسات.

وفي الوقت الحالي، يبرز موقف بنك اليابان المخالف لنظرائه من بين البنوك المركزية الرئيسية الأخرى التي تسارع في رفع أسعار الفائدة.

جريدة الجريدة.