«المركزي» يرفض استثناء بنكين للمشاركة في تمويل «مؤسسة البترول»
ليس لقلة حيلتهما المالية بل خوف من التحديات التي طرأت على صناعة النفط
كشفت مصادر مطلعة لـ«الراي» أن بنك الكويت المركزي، رفض استثناء بنكين، كانا قد طلبا السماح لهما بالمشاركة في التمويل الجديد الذي تسعى مؤسسة البترول الكويتية لاقتراضه، بنحو ملياري دينار، لتمويل مشاريع المؤسسة الإستراتيجية، كجزء من برنامج الاقتراض، وفقاً لقرار مجلس الوزراء بهذا الشأن.
وبيّنت المصادر أن سبب الرفض الذي أبداه «المركزي» للبنكين الذي يعمل أحدهما وفقاً للشريعة الاسلامية، والآخر وفقاً للنشاط التقليدي، أنهما تجاوزا حد التركز الائتماني المقرر للعميل الواحد بـ15 في المئة، وأنهما بلغا مع المؤسسة حداً ائتمانياً يشكل مستويات مرتفعة من حقوق ملكياتهما.
وألمحت المصادر إلى أن انكشاف البنكين على مؤسسة البترول يبلغ نحو 40 في المئة من حقوق ملكياتهما، وأنه لا يوجد لديهما أي هامش إضافي حتى من باب الاستثناء، موضحة أن حصة البنكين سيتم توزيعها على بقية البنوك المحلية حسب قدرات كل منها.
لكن يبدو أن هذا السبب ليس الوحيد في تكوين قناعة «المركزي» برفض طلب استثناء البنكين، فبحسب المصادر فإن «المركزي» يعلم جيداً أن البنكين يتمتعان بكفاءة مالية عالية في ميزانيتيهما، تعد الأعلى محلياً، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن احتياجات مؤسسة البترول التمويلية المستقبلية المقترحة تعتمد على الاستثمار في مشاريع تم إقرارها بناءً على وجهات نظر فنية في المقام الأول، وهنا تبرز المشكلة حيث لا تراعي كثيراً بعض المستجدات التي طرأت في الفترة الأخيرة، سواء الجيوسياسية، أو حتى التحديات التي تواجهها صناعة النفط، وفي مقدمتها التوجهات المناخية العالمية الحديثة.
وأوضحت المصادر أن «المركزي» كان يوافق في السابق على استثناءات المشاركة في غالبية تمويلات الجهات الحكومية، وفي مقدمتها مؤسسة البترول وشركاتها، باعتبار أنها جهات حكومية متدنية المخاطر، ولا تشكّل تمويلاتها أي ضغوط على رأسمال البنوك.
وبيّنت أنه في الفترة الأخيرة ومع تراجع التوقعات المتفائلة حول قدرة المؤسسة على تنفيذ خطط الرأسمالية بسبب التغيرات العالمية والإقليمية، بدأ الميل رقابياً أكثر ومن باب الاحتراز، نحو الانسجام مع التوقعات المستقبلية، بالحد من التوسع بالتركزات الائتمانية للعملاء التقليديين، خصوصاً مؤسسة البترول وشركاتها التابعة، ارتكازاً على أن مشاريعها المستقبلية قد لا تنفذ جميعها بالكامل، أو أقله لن تأتي بمردودها المتوقع في الدراسات الفنية.
وأفادت بأن احتياجات المؤسسة التمويلية المستقبلية المقترحة تستقيم مع التوجهات الإستراتيجية الهادفة إلى وصول إنتاج الكويت من النفط الخام إلى 4.75 مليون برميل يومياً بحلول 2040، وذلك صعوداً من نحو 3 ملايين كقدرة إنتاجية حالية، مشيرة إلى أنه قد يصعب بلوغ هذا الانتاج ليس من الناحية الفنية فحسب، لكن من ناحية التغيرات الأخيرة التي دفعت منظمة أوبك إلى تخفيض إنتاج أعضائها، حيث تراجعت حصة الكويت يومياً بما يعادل 120 ألف برميل يومياً.
وبيّنت، أن المعضلة هنا ليست في القدرة على الانتاج، بل القدرة على تصريف الكميات المتاحة للإنتاج.
وقالت المصادر إن ضمن المرئيات والملاحظات والتوصيات التي رفعها «المركزي» إلى «اللجنة الاقتصادية» بخصوص رغبة مؤسسة البترول في اقتراض 16 ملياراً لمشاريعها الرأسمالية أن تكون دراستها مبنية على درجة من الشمولية والدقة، أخذاً في الحسبان جدوى هذه المشاريع وتحديد الهيكل التمويلي الأمثل لتعظيم هذه الجدوى، مع تحديد طبيعة التحديات التي تواجهها صناعة النفط، لافتة إلى أن كلفة الاقتراض المباشر لتمويل هذه المشاريع ستكون أعلى من كلفة الدين السيادي.
ويرى «المركزي» أنه وفي نهاية المطاف، فإن الاقتراض الأفضل والأقل كلفة من جانب الحكومة، ومن ثم قيامها بتمويل مشاريع مؤسسة البترول الكويتية.
ويؤكد «المركزي» على ضرورة الاطمئنان إلى أن القرار التمويلي للمشاريع النفطية سيكون في ضوء دراسة دقيقة لمختلف الجوانب ذات الصلة بجدوى المشروع، واختيار الهيكل التمويلي المناسب لكل مشروع بما يعظم الربحية، وأن تكون هناك سياسة استدانة واضحة تغطي مختلف الجوانب ذات الصلة بتمويل هذه المشاريع.
توصيات ومرئيات «المركزي»
تنطلق توصيات ومرئيات وملاحظات «المركزي» التي رفعها إلى اللجنة الاقتصادية حول طلب مؤسسة البترول اقتراض 16 مليار دينار من المؤسسات المالية لتمويل برامجها الاستثمارية، من 3 جوانب أساسية، تتمثل في الآتي:
أولاً: السياسة الاقتصادية:
في إطار السياسة الاقتصادية للدولة ومحاورها الأساسية التي تستهدف الرخاء الاقتصادي للأجيال الحاضرة والأجيال القادمة، ينظر البنك المركزي إلى خطة مؤسسة البترول في تمويل برامجها الرأسمالية ابتداء من جدوى الإنفاق الاستثماري الضخم للمشاريع المزمع تمويلها وأثرها على الاقتصاد المحلي، ومدى توافق ذلك مع سياسات الإصلاح المالي والاقتصادي، وخصوصاً من منظور زيادة نسبة مساهمة الناتج للقطاعات غير النفطية، وتقليل درجة الاعتماد على النفط، ومدى ما توفره مشاريع مؤسسة البترول من إيجاد وظائف جديدة للمواطنين.
وعليه، يتعين أن تكون الدراسة لهذا الموضوع على درجة من الشمولية والدقة أخذاً في الحسبان طبيعة التحديات التي تواجهها صناعة النفط بما في ذلك اتساع دائرة المتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية التي لها تأثيراتها على الصناعة النفطية، ويتعين في هذا الشأن الأخذ بالحسبان التطور المتسارع الذي تشهده تكنولوجيا الصناعة النفطية بما في ذلك المنافسة التقليدية وغير التقليدية وأثرها على جانبي العرض والطلب للمنتجات البترولية ومشتقاتها.
وفي ضوء ما تقدم، يتطلب الأمر في المقام الأول دراسة جدوى هذه المشاريع المزمع تنفيذها من قبل مؤسسة البترول، ومن ثم تحديد الهيكل التمويلي الأمثل لتعظيم هذه الجدوى. ومن جانب آخر، وفي إطار السياسة الاقتصادية للدولة، يرى «المركزي» أن يتم الأخذ بالحسبان ما تطرحه الجهات الممولة لهذه المشاريع من تساؤلات في شأن ضمان الدولة لهذا التمويل وأثر ذلك على نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي التي ستشهد ارتفاعاً في ضوء حجم التمويل المقترح من مؤسسة البترول، وبما قد يؤثر على التصنيف الائتماني للكويت. ومن الضروري أن يكون هذا الموقف معروفاً بشكل مسبق لدى الحكومة.
ثانياً: السياسة النقدية
والاستقرار النقدي
من الواضح أن اقتراضاً بمثل هذا الحجم (تقديرات أولية لحجم تمويل رأسمالي قدره 16 مليار دينار لخمس سنوات تبدأ من عام 2018) سيؤثر على أوضاع السيولة في القطاع المصرفي رغم وفرة هذه السيولة في الوقت الحاضر. ولذلك فإنه من المتوقع أن يكون لمثل هذا الاقتراض وبهذا الحجم تأثيرات اقتصادية ونقدية على توجهات السياسة النقدية والاستقرار النقدي أهمها:
1 - مزاحمة تمويل القطاع الخاص، والتأثير في قدرة البنوك على إقراض وتمويل الشركات وقطاعات الاقتصاد الوطني.
2 - إحداث ضغوط على سعر الفائدة بالدينار بما قد يترتب عليه دفع مستويات هذه الأسعار باتجاهات لا تتناسب مع متطلبات الأوضاع الاقتصادية المحلية.
3 - التأثير على الاحتياطات الأجنبية لـ«المركزي» نظراً لما يترتب على مثل هذا الاقتراض بالدينار من خروج عملة أجنبية وتراجع مستوى الاحتياطات الأجنبية لـ«المركزي» في ضوء زيادة مشتريات البنوك للدولار من البنك، لتلبية احتياجات مؤسسة البترول، فيما يترتب من دفعات بالعملة الأجنبية، وفي إطار تنفيذ هذه المشروعات.
وفي حال قيام البنوك المحلية بتقديم قروض بالعملة الأجنبية مستخدمة ما لديها من مراكز بالعملة الأجنبية، فإن ذلك سيؤدي أيضاً لتراجع الاحتياطات الأجنبية المتاحة لـ«المركزي» والقطاع المصرفي، وأخذاً في الحسبان أيضاً تزايد مشتريات البنوك للعملة الأجنبية من البنك لإعادة بناء مراكزها بالعملة الأجنبية.
ثالثاً: السياسة الرقابية
والاستقرار المالي
إن اقتراضاً بمثل هذا الحجم سيكون له تأثيرات على مؤشرات السلامة المالية للبنوك وأهمها مؤشرات كفاية رأس المال والسيولة وجودة الأصول والربحية، وكذلك التركزات الائتمانية. ومع أن هذه المؤشرات المالية قد تتأثر بشكل إيجابي في ضوء كون الجهة المقترضة شركة حكومية تعامل مطالب البنوك عليها معاملة المطالب على حكومة الكويت عند احتساب النسب الرقابية للبنوك، إلا أن ذلك يتطلب توجيه الائتمان المصرفي بما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي في ضوء ما قد يظهر من ارتفاع في نسبة الرفع المالي للبنوك.
جريدة الراي