لماذا ترتفع البورصات والسندات العالمية في آن واحد؟
يشهد العام الحالي ارتفاعات كبيرة في أسواق الأسهم والسندات على حد سواء، وعادة ما يتبع صعود أسعار السندات انخفاض في العائدات المدفوعة عليها، ما يعكس مزيجا من توقعات هبوط النمو والتضخم، بحسب تقرير لـ«ساوث تشاينا مورنينغ بوست». تفضل الأسهم النمو القوي، لذلك عادة ما تتحرك السندات والأسهم في اتجاهين متعاكسين، لكن كيف يفسر وصول مؤشرات الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية -واقتراب المؤشرات العالمية من مستويات غير مسبوقة- في حين أن عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات تحوم حول %2 فقط منذ 2016. ليس ذلك فحسب، ففي الوقت نفسه، واصلت عائدات السندات الأوروبية الانخفاض، حيث سجل عائد السندات الحكومية الألمانية والفرنسية مستويات قياسية منخفضة ضمن النطاق السالب. حركة السندات بالنسبة للسندات، كان الدافع الرئيسي للارتفاع هو تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين على مدار العام، مما تسبب في حالة من عدم اليقين الاقتصادي وتسبب بالفعل في تباطؤ النمو. يتزايد الخطر من أن تصعيد النزاع قد يؤدي إلى تفاقم إشارات الحذر للشركات ويؤدي في النهاية إلى تباطؤ أو ركود إذا طال أمده، ومع أن الخطاب الإيجابي بشأن التجارة في قمة مجموعة العشرين الأخيرة حظي بالترحيب من قبل الأسواق لكنه افتقر إلى التفاصيل. لم يشعر الخطاب الأسواق بأن الهدنة بين الولايات المتحدة والصين قوية وظلت الشكوك حول هشاشتها عالية، وفي حين أنها قد تقلل من المخاطر الاقتصادية، لكنها لا تؤدي في الوقت نفسه إلى ارتفاع كبير لمعدل نمو الاقتصاد أو الأصول الخطرة. الارتياح قصير الأجل للأسواق بشأن التجارة ربما يذهب أثره سدى في ظل ضعف البيانات الاقتصادية التي تظهر تباطؤ النمو العالمي. يظهر أثر عدم اليقين التجاري بشكل أوضح في القطاع الصناعي، حيث أدى النمو البطيء في الإنفاق الرأسمالي العالمي إلى انخفاض الطلب على السلع العالمية، ما يعني أن المصنعين تراكمت لديهم مستويات عالية من المخزونات. ضعف البيانات الاقتصادية البيانات الواردة منذ شهر أبريل، تظهر ضعفا ملحوظا، في حين تشير معنويات العاملين في قطاع التصنيع إلى نمو ضعيف للغاية وربما معدوم، وكان هناك القليل من علامات الاستقرار خلال الشهر الماضي، مع إشارات تنذر بمزيد من التدهور في مناطق شديدة الحساسية للدورة الصناعية مثل كوريا الجنوبية وتايوان. أدى استمرار حالة عدم اليقين التجاري وتأثيرها على بيانات النشاط إلى تحفيز استجابة البنوك المركزية العالمية، وبدا الاحتياطي الفدرالي أكثر اقترابًا من احتمالية خفض أسعار الفائدة للتحصن ضد المخاطر التي تحيط بالنمو. من المتوقع الآن على نطاق واسع خفض البنك المركزي الأميركي الفائدة عدة مرات هذا العام، رغم أن الاقتصاد الأميركي يقدم أداءً أفضل من غيره بكثير، كما تراجع البنك المركزي الأوروبي إلى معسكر السياسات الميسرة، بعد خيبة الأمل بشأن النمو في منطقة اليورو وآفاق التجارة القاتمة. تسبب ذلك في اعتراف البنك المركزي الأوروبي على مضض، بأن التباطؤ ليس عابرًا وأن هناك حاجة إلى المزيد من السياسات الميسرة، رغم التساؤلات حول أحجام ونطاق المساعدة التي يمكن أن يقدمها للسوق. أسواق الأسهم تحولت أيضا مواقف السياسة النقدية للبنوك المركزية في آسيا لتصبح أكثر مرونة، نظرا لأن معظم الاقتصادات الآسيوية مدعومة بدرجة كبيرة بدورة التجارة العالمية، فإن مخاطر النمو الناتجة عن النزاع التجاري تشكل مصدر قلق كبير للجميع، في حين تظل الضغوط التضخمية ضعيفة. خلال الشهرين الماضيين، خفضت بالفعل ثلاثة بنوك مركزية آسيوية، في ماليزيا والفلبين والهند معدلات الفائدة، وهناك توقعات بأن بنك اليابان قد يضطر إلى المزيد من التخفيف، وفي الصين بدأ بنك الشعب بالفعل إجراءات التيسير النقدي. في هذا السياق، قد تؤدي الهدنة التجارية بين أميركا والصين إلى إبطاء اتجاه تخفيف السياسات إلى حد ما، لكن من غير المرجح أن توقفه أو تعكس اتجاهه ما لم يتحسن النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ. تحب أسواق الأسهم تخفيف سياسات البنوك المركزية، ويمكن أن تتجاهل في كثير من الأحيان العوامل الاقتصادية المتدهورة لفترة من الوقت ما دام يتم تخفيف السياسة، فمع الفائدة المنخفضة تبدو الأسهم أكثر قيمة، ويُعتقد أن الاقتصاد سيصبح أكثر نشاطًا. مع ذلك، تظهر التجربة أن هذا النمط لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، ما دام النمو لم يتعاف في النهاية، وهو الأمر الذي قد يُفقد مستثمري الأسهم الأمل. لذلك، ما لم تر الأسواق حلا ملموسا وموثوقا للنزاع التجاري ينعش النمو العالمي في الأشهر القليلة المقبلة، فإن أسواق الأسهم ستكون ضعيفة حتى مع خفض أسعار الفائدة.أرقام
المصدر: جريدة القبس