مشعل السمحان لـ الجريدة•: رقمنة الإنتاج النفطي ضرورة وعلى دول الخليج تبنّي خيار الحقول الذكية

«جائحة كورونا كشفت أهمية دعم المؤسسات العلمية في المنطقة والاعتماد على تكنولوجيا النانو»

أكد الباحث المتخصص في معهد الكويت للأبحاث العلمية، د. مشعل السمحان، أن هناك حاجة ملحّة لتبنّي سياسات جديدة لبناء العنصر الخليجي، تمكّنه من الإنتاج خارج المنظومة النفطية، عبر توجيه مُخرجات التعليم وإتاحة فرص أكبر للقطاع الخاص، ودعم المشاريع الربحية الكبرى.

وقال السمحان لـ «الجريدة» إن تحويل عمليات الإنتاج والتحكم في الآبار النفطية إلى العالم الرقمي وتبنّي خيار الحقول الذكية بشكل متكامل سيكون الأساس في التعاملات النفطية مستقبلا، ويتم ذلك بتطوير المهندسين والعاملين بالشركات النفطية ليتعاملوا مع هذا التوجه الجديد للقطاع بمهنية عالية وكفاءة. وأضاف أن المراكز البحثية تستطيع العمل على تطوير العمليات بتغيير الظروف التشغيلية، وأيضا المساهمة بإدخال تكنولوجيا النانو.

وإلى تفاصيل الحوار:

● هل برز دور المؤسسات العلمية في ظل جائحة كورونا؟

- لم يعد بعد جائحة كوفيد - 19 مجال للنقاش حول أهمية وجود ودعم المؤسسات العلمية في دولنا، فكلنا اقتنع سواء المختص أو المواطن العادي بأنه في ظل الأزمات لا تستطيع أي دولة الركون وانتظار الحلول أن تأتي كاملة معلّبة من الدول الأخرى، حتى في الدول الغربية الكل انشغل بنفسه وبكيفية مواجهة هجمة فيروس كورونا على القطاع الصحي والاقتصادي، فقد تُركت إيطاليا تواجه هجمة «كورونا» وحدها، وتحركت ألمانيا منفردة لإنقاذ اقتصادها من التدهور، وكذلك بريطانيا أطلقت خططها الخاصة لمواجهة الوضع دون انتظار أي تنسيق خارجي. ولم يختلف الوضع في منطقتنا، إلا أن إمكانية وقدرات المؤسسات العلمية ليست بكفاءة وخبرة مثيلاتها في الدول الأوروبية المذكورة سلفا.

ويجب هنا أن أشدد على أن جميع المؤسسات العلمية والبحثية باختلاف قطاعاتها المرتبطة، سواء الصحية او الاقتصادية او الطاقة وغيرها هي في تحدّ لإيجاد حلول مبتكرة «innovative» وحاسمة لتقليل أضرار أزمة «كورونا» التي أصابت العالم.

من جانب آخر، أرى أنه من الضروري الآن إيجاد سياسات وصيغ تعاون بين المؤسسات العلمية على المستوى الداخلي والخارجي، سياسات من شأنها تسهيل تبادل البيانات، تيسير الدعم المادي وتعزيز التعاون العلمي المشترك للوصول لنهج متعدد الأبعاد لمعالجة تداعيات الفيروس.

ويجب أن نعترف بأن جائحة كورونا أسدت لنا خدمة، وسهلت علينا معرفة مواطن الضعف ومواطن القوة في مؤسساتنا العلمية، وهذا يساعد على إيجاد حلول ناجعة وسريعة تساعد على تطوّر هذه المؤسسات بالشكل المطلوب، عبر خطط واضحة ومدعومة من الحكومات.

- تجدر الإشارة هنا الى أهم نواقص تطوّر البحث العلمي في معظم العالم العربي أن هناك قصورا كبيرا بقوانين (خصوصا آلية الدعم المالي) من شأنها أن تساعد الأفراد على إنشاء هذه المؤسسات، فمثلا يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 260 مركزا بحثيا خاصا أو تابعا لجامعة خاصة، وهذا يدلل على أهمية أن الناتج العلمي ممكن من إنتاج المؤسسات البحثية الخاصة.

ويرجع سبب تفوق الدول الأخرى تكنولوجيا على المنطقة العربية، إلى أنه عالميا 90 % من أنشطة البحث تجرى في أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا الصناعية، ومعدل الباحثين بالنسبة لعموم السكان يقدّر في أوروبا بـ 3 باحثين بالنسبة لـ 1000 ساكن في دول الاتحاد الأوروبي، ويصل هذا الرقم إلى 4 باحثين في الولايات المتحدة الأميركية، وفق التقارير العالمية، ومنها مرصد العلوم والتقنية.

● كيف أثرت أزمة كورونا على منهجية البحث العلمي، وما هو تقديرك لهذا التأثير على واقع دول المنطقة؟

- قبل أن نتطرق لتأثير الجائحة على البحث العلمي، يجب ان نسلط الضوء على أثر الأزمة على أهم مشكلة تواجه البحث العلمي، والمتمثلة في ضعف إيمان المجتمعات العربية بقيمة البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا، فقد أصبح المواطن العربي اليوم في ظل هذه الجائحة يدرك تماما أن البحث العلمي والتعليم ركائز أساسية تساعده في حلّ مشاكله وتجاوز العقبات لتحقيق حياة أفضل.

ولعل شمولية أضرار جائحة كورونا وسرعة حدوثها، إضافة إلى غموض نهايتها، خصوصا بعد تصريح منظمة الصحة العالمية بأن فيروس كورونا قد يستمر معنا عقوداً، أثّرت بشكل صريح على منهجية البحث العلمي، وأول هذه المتغيرات وأهمها هي التركيز بشكل كبير على عنصر الابتكار بالحلول، والسبب أن عنصر الابتكار عادة لا يتطلب بنية تحتية جديدة لتفعيل الحل، مما يسهّل سرعة التطبيق، وأيضا يقلل الكلفة الإجمالية، وكذلك يعد تبنّي بنوك المعلومات الذكية خطوة أخرى مهمة في منهجية البحث العلمي، حيث يتمكن الباحثون من الاستفادة بشكل أكبر وأسرع ولحظي من المعلومات المتاحة في النظام المشترك بين المؤسسات العلمية، مما يساعد على توفير الوقت والاستفادة من تجارب الغير.

وأعتقد أن التحول للعالم الرقمي المتسارع الذي شهده العالم في هذه الفترة إنما هو دليل على دخول العالم مرحلة جديدة سيختلف فيها كل شيء، وستتبدل مراكز الدول اقتصاديا وعلميا، لذلك هي فرصة لعالمنا العربي أن يعرّض نفسه لرياح التغيير، وأن ينشط بتبني السياسات المستحدثة لكي يعوض ما فاته ويقلّص حجم الفجوة العلمية والمعرفية ليحسّن مراكزه عالميا.

 

تحديات كبيرة

● هناك تحديات كبيرة يفرضها الواقع العالمي لأسواق الطاقة، والتي ظهرت واضحة خلال أزمة كورونا، كيف للقطاع البحثي والتكنولوجي أن يساهم في حلّ تحديات شركات المنطقة؟

- يمكننا هنا فصل الإجابة الى جزأين؛ أولهما ماهية هذه الحلول، والآخر كيفية تقديمها.

بخصوص ماهية هذه الحلول، فغالبها التكنولوجي سيكون بتحويل عمليات الإنتاج والتحكم في الآبار الى العالم الرقمي، وتبني خيار الحقول الذكية بشكل متكامل، ويأتي هذا بتطوير المهندسين والعاملين بالشركات النفطية، ليتعاملوا مع هذا التوجه الجديد للقطاع بمهنية عالية وكفاءة.

وتستطيع المراكز البحثية العمل على تطوير العمليات بتغيير الظروف التشغيلية، وأيضا المساهمة بإدخال تكنولوجيا النانو في معالجة كثير من مشاكل القطاع النفطي، واستغلال التطور العالمي بهذا التوجه، ومثال على هذا تطوير استخدام مضافات النانو لرفع إنتاج الآبار من خلال عمليات الحقن بالمياه. وكذلك يستطيع القطاع البحثي العمل على تفعيل الأبحاث لمعالجة الانبعاثات الكربونية والوصول إلى تراكيز منخفضة عن طريق تحسين العمليات الصناعية ذات الانبعاثات عالية التركيز.

أما بخصوص الكيفية، فهذا يتم عن طريق تيسير التواصل بين قطاع البحث العلمي والمنشآت النفطية الصناعية، وتفعيل العلاقات بين الجسد البحثي بالدولة من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى، سعياً وراء حل مسائل تكنولوجية تخدم القطاع النفطي، وترفع من مستوى تنافسيته. ونكرر هنا أن أزمة كورونا أن الحلول من الداخل أسرع وأكثر مواءمة.

تراجع النفط

● تعاني دول الخليج تراجع أسعار النفط، مما يؤثر على اقتصاد المنطقة، فهل حان الوقت لتبني سياسات جديدة لبناء العنصر البشري؟

- لنتحدث أولا عن المنظور المتوسط لأسعار النفط، لأن الإيرادات النفطية تشكل السواد الأعظم في ميزانيات دول الخليج، ويصل في بعضها لأكثر من 90%، وبالتالي انخفاض الأسعار في السوق النفطية هو تدهور لاقتصادات دول المنطقة وانحسار لمشاريعها التنموية، ومشروع الدبدبة ليس عنا ببعيد.

جميع المؤشرات قبل ازمة كورونا كانت تتنبأ بأن الأسعار ستكون بمستويات الـ 60 دولارا حتى 2022، بسبب وفرة العرض، مع تنامي إنتاج النفط والغاز الصخري، والدورة الاقتصادية العالمية، وأيضا ضعف نمو الناتج المحلي في أهم اقتصادات الشرق، كالصين والهند والغرب كبريطانيا، وإيطاليا، وأميركا. وزادت أزمة كورونا هذه العوامل، ليمتد منظور متوسط الأسعار المتوقع الى 2024. بطبيعة الحال هذه الأسعار الحالية والمستقبلية المتوقّعة لا تخدم دول المنطقة، فالكويت مثلا تحتاج إلى 63 دولارا لتعادل الميزانية، أما السعودية فتحتاج إلى 82، والإمارات إلى 71، آخذين في الاعتبار نسبة نمو الميزانيات للسنوات الأربع القادمة. ولن يستطيع الاحتياطي العام لهذه الدول تغطية عجوزات السنوات القادمة.

لذلك ما كان خياراً في السنوات الماضية أصبح اليوم لزاما، والحاجة أصبحت ملحّة لتبني سياسات جديدة لبناء العنصر الخليجي تمكّنه من الإنتاج خارج المنظومة النفطية، وذلك عبر توجيه مخرجات التعليم، وإتاحة فرص أكبر للقطاع الخاص ودعم المشاريع الكبرى الربحية.

واقع رقمي

● هل ترى أن الأزمات الكبرى ستفرض واقعا رقميا يواكب التطورات السريعة؟

- الأزمات الكبرى تسرّع من وتيرة الانتقال التدريجي، وتفرض واقعا جديدا، لذلك مطلوب من دولنا العربية استغلال هذا الواقع القادم، واستيعاب أساسياته، وذلك عبر توجيه بوصلة البحث العلمي للمسار الصحيح، مع معالجة الاختلالات السابقة، فالعالم الرقمي القادم لن يستوعب الطرق التقليدية القديمة، والذكاء الاصطناعي يحتاج إلى عنصر بشري متطور يستطيع الاستفادة منه، وفضاء معلوماتية متاح سيرفع، بدوره، من سقف التنافسية، فلنبحث عن موقع على منصة عالم ما بعد 2020.

جريدة الجريدة