زيادة التضخم العالمي تضغط على أسعار النفط

خبراء لـ الجريدة•: الدول المستهلكة لديها بدائل في حال ارتفاع الخام

أكد خبراء نفطيون أن ارتفاع أسعار النفط والاستمرار في ارتفاعها سوف يؤدي إلى المزيد من صب الزيت على التضخم، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم بشكل كبير.

وقال الخبراء إن كل الدراسات المتعلقة بذات الموضوع تؤكد أنه كلما كانت هناك زيادة في أسعار النفط أدى هذا إلى زيادة نصف نقطة مئوية في التضخم، مبينين أنه من الأفضل للدول المنتجة أن تحافظ على أسعار معتدلة للخام على المدى القصير، ولتحقيق ذلك الهدف لا بد من زيادة الإنتاج.

ولفتوا إلى أنها حلقة مفرغة، حيث إن ارتفاع أسعار النفط يرفع التضخم والعكس صحيح، موضحين أن انخفاض أسعار الدولار يرفع أسعار النفط الاسمية، ولكن القيمة الحقيقية لصادرات النفط لكل برميل يصدر ترتفع، وهو ما يسمى بالتضخم المستورد.

وأضافوا أن العالم سيشهد عودة النشاط الاقتصادي إلى النمو، لاسيما مع التوسع في توزيع لقاح كورونا، ومع استمرار الحكومات في تنفيذ برامج التحفيز الاقتصادي، مشيرين إلى أن هذا الإنفاق يدفع بشكل مباشر نحو زيادة مستويات الدخل للعاملين في القطاعات التي تدعمها الحكومات، وهو ما يمثل زيادة في الدخل لا تقابلها زيادة في الإنتاج، بما يعني ضغوطاً تضخمية.

وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال الخبير النفطي د. أنس الحجي إن التضخم يؤدي إلى انخفاض قيمة النقود او "الكاش"، لذا فإن احتفاظ الشخص بالنقود يعمل على انخفاض قيمتها، لافتا الى ان غالبية المستثمرين يلجأون الى التخلص من الكاش بالاستثمار في مجالات تتمتع بزيادة أسعارها اثناء التضخم، ومنها العقارات والذهب وبعض السلع التي من أهمها النفط إذ ترتفع أسعاره عند التضخم.

وأكد الحجي أن هذه الحلقة مفرغة حيث ان ارتفاع أسعار النفط يرفع التضخم والعكس صحيح، لافتاً الى ان انخفاض أسعار الدولار يرفع أسعار النفط الاسمية ولكن القيمة الحقيقية لصادرات النفط لكل برميل يصدر ترتفع وهو ما يسمى بالتضخم المستورد.

تعويض الخسائر

ولفت الى أن بعض الدول المنتجة للنفط تلجأ الى زيادة الإنتاج لتعويض الخسائر الحقيقية، الامر الذي يساهم في الوصول الى السعر الحقيقي، موضحا ان هذا يعني ان السعر الحقيقي للنفط سينخفض بسبب ان ارتفاع أسعار الخام لن تتماشى مع ارتفاع التضخم.

وذكر ان ارتفاع أسعار النفط سيؤدي حتما الى انخفاض النمو على الطلب فيمنع بذلك ارتفاع الأسعار الاسمية بشكل يتماشى مع ارتفاع التضخم، مضيفا ان تكاليف الإنتاج ترتفع من ناحية أخرى مما يؤثر على ربحية الشركات سواء كانت شركات عالمية او وطنية، غير أن التضخم عموما ليس في مصلحة احد.

سياسات توسعية

من ناحيته، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، د. عبدالمحسن المطيري، ان التضخم يأتي بشكل أساسي بسبب السياسات المالية والنقدية التوسعية القوية التي تم تطبيقها في الدول الصناعية، الأمر الذي أدى الى زيادة الطلب على عموم السلع بشكل كبير يفوق قدرة العرض على تلبية هذا الطلب، فأصبحت هناك فجوة في الطلب، مما أدى الى التضخم وارتفاع الأسعار، معتبراً أن الأسواق الرئيسية من المشاكل الأساسية في سلاسل الامداد، مما ساهم في الإسراع بوتيرة التضخم.

وأضاف المطيري ان ارتفاع أسعار النفط والاستمرار في ارتفاعها سوف يؤدي الى المزيد من صب الزيت على التضخم، مما يؤدي الى ارتفاع التضخم بشكل كبير.

وأوضح أن الدراسات تؤكد انه كلما كانت هناك زيادة في أسعار النفط أدى هذا الى زيادة نصف نقطة مئوية في التضخم، معربا عن اعتقاده بأنه من الأفضل للدول المنتجة للنفط أن تكون أسعار نفوطها معقولة على المدى القصير، ولتحقيق ذلك الهدف لابد من زيادة الإنتاج.

نتائج سلبية

وكشف ان استمرار التضخم سيؤدي الى نتائج سلبية على المدى المتوسط على أسعار النفط، مضيفاً أن ذلك التضخم سيؤثر على ميزانيات الأسرة، مما يضعف القوة الشرائية، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على السلع والخدمات على المدى المتوسط، مما ينتج عنه انخفاض في الطلب على النفط.

وأشار الى أن هذا السيناريو قد تكرر في الأزمنة السابقة مرات عدة، حيث انه بعد فترة مستمرة من التضخم والارتفاعات المستمرة في أسعار النفط يعقبها حالة من الركود وانخفاض الطلب، مما يؤثر على أسعار الخام مدة زمنية قد تكون طويلة نسبيا، مبيناً أن أسعار الشحن والنقل ارتفعت بشكل كبير منذ عام 2020 تزامنا مع ظهور فيروس كورونا المستجد بسبب إغلاقات غالبية الدول لنشاطاتها التي تمت حينذاك، مما أدى الى زيادة التكلفة على الدول المستهلكة للنفط.

معدلات التضخم

من جانبه، قال الخبير النفطي الإماراتي، د. علي العامري، إن للنفط أهمية اقتصادية في جميع دول العالم، وله تأثير قوي على الاقتصادي العالمي، لذلك، فإن تأثيره قوي على معدلات التضخم في معظم الدول، وله علاقة سلبية مع معدلات التضخم، بمعني إذا ارتفعت أو تراجعت أسعار النفط نجد أن معدلات التضخم تتبع اتجاه تلك الأسعار؛ سواء كان صعوداً أو هبوطاً، لأنّ النفط يعد من المدخلات الرئيسية لبعض الاقتصادات، ويعتبر عاملا أساسيا في تكوين ملامح الوضع الاقتصادي، وكذلك استخداماته في مجالات عدة.

وأضاف: بما أن ارتفاع أسعار النفط، الذي يستخدم في قطاع النقل، التدفئة ووقود الطائرات والكهرباء وغيرها، فإن هذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع السلع والخدمات، وبالتالي ارتفاع التكلفة وارتفاع الأسعار.

وليس النفط فقط هو ما يسبّب التضخم، بل إن الارتفاع القياسي لأسعار الغاز كان له دور في ارتفاع الأسعار، وعلى سبيل المثال سجّل معدل التضخم في أميركا أعلى مستوى له، وارتفع إلى 5.4 بالمئة خلال سبتمبر الماضي، وهذا لم يحدث منذ عام 2008.

ولفت العامري الى أننا سنشهد عودة النشاط الاقتصادي إلى النمو، خاصة مع التوسع في توزيع لقاح كورونا، ومع استمرار الحكومات في تنفيذ برامج التحفيز الاقتصادي، وهذا الإنفاق يدفع بشكل مباشر نحو زيادة مستويات الدخل للعاملين في القطاعات التي تدعمها الحكومات، وهو ما يمثّل زيادة في الدخل لا تقابلها زيادة في الإنتاج، بما يعني ضغوطاً تضخمية.

تأثير مؤقت

ولفت الى أن هناك تراجعا في أسعار النفط مع نهاية عام 2021، بسبب تراجع الطلب على النفط نتيجة لجائحة كورونا وإجراءات الإغلاق اللاحقة في جميع أنحاء العالم، وتوقّف الإنتاج والطيران، معربا عن رأيه في هذا الإطار بأن تأثير ذلك مؤقتا وسوف يعود إلى الارتفاع بحلول الربع الثاني من العام الحالي 2022 إذا لم يكن أبكر، وقد يصل الى الأسعار السابقة، وهي أكثر من 80 دولارا.

وقال: نحن ‎نتّجه إلى الارتفاعات المتوقعة حسب ما ذكرت سابقا، وبما أن ارتفاع أسعار الطاقة متغير عالمي يؤثر في أسعار جميع السلع من دون استثناء، فسوف يكون قطاع النقل أحد هذه القطاعات التي يؤثر عليها هذا الارتفاع، وكذلك بقية المجموعات الأخرى للسلع والخدمات، ونحن نرى ما تعيشه خدمات النقل والشحن البحري من ارتفاعات في الكلفة تزيد على 537 بالمئة عن متوسطاتها في السنوات الخمس الماضية، لذلك على المجموعات العاملة في هذا المجال أن تبدأ بالبحث عن حلول ابتكارية.

تباطؤ الانتاج

بدوره، قال المحلل المالي علي النمش إنه ليس بالضرورة أن تكون أسعار النفط هي المتحكم الرئيسي في التضخم، مستشهدا في ذلك بأن النفط ارتفعت أسعاره في كثير من السنوات الماضية الى ما يفوق 90 دولارا للبرميل، ولم نشهد أي حالات تضخم.

وأضاف أن أهم عوامل التضخم التي تشهدها غالبية دول العالم حاليا تنصبّ على وقف أعمال المصانع، مما أدى الى تباطؤ الإنتاج، وكذلك تقليل ساعات العمل، فضلا عن ارتفاع أسعار الشحن والنقل، لافتا الى أنه حينما تصل أسعار النفط الى مستويات عالية يبحث المستهلكون عن بدائل أخرى غيره.

وأشار الى أنه من ضمن أسباب التضخم الإغلاقات التي حدثت بسبب الجائحة، إضافة الى الاقتراض الرخيص الذي تسبب في ارتفاع أسعار العقار.

ولفت النمش الى أن رفع سعر الفائدة سيعمل على تخفيف حدة التضخم، وكذلك الرقابة على الأسعار في الأسواق الاستهلاكية، معربا عن اعتقاده بأن التضخم ستقل حدته خلال العام المقبل بشكل كبير.

علاقة طردية

من جانبه، قال المحلل المالي ميثم الشخص إن العلاقة بين التضخم وأسعار النفط علاقة طردية، فكلما ارتفعت أسعار النفط زاد التضخم، مبينا أنه حينما فاقت اسعار الخام في الماضي سعر 120 دولارا للبرميل، وجدنا أن هناك تضخما، ومشيرا الى أنه ليس بالضرورة أن يقل التضخم حينما تنخفض أسعار النفط.

وأضاف أن الرواتب من الأمور التي لها علاقة مباشرة بالتضخم، فكلما زادت المنح نجد أن هناك تضخما، لافتا الى أن من الأمور التي لها علاقة مباشرة أيضا بظاهرة التضخم المواد الاستهلاكية قصيرة الأجل.

ولفت الشخص الى أن موضوع التضخم مرتبط ايضا بالنقل والمناولة والتأمين على الشحن.

وقال إننا في الكويت لن ندخل بالسالب في التضخم، لأننا نعاني عجزا في الميزانية ونحتاج الى سيولة، مبينا أننا نحتاج الى فرض رقابة فعالة كواحدة من أساليب كبح جماح التضخم.

جريدة الجريدة