خيارات «أوبك» بين تحديات الأسعار ومخاوف الركود
• نفطيون لـ «الجريدة•»: توقعات باستهلاك أقل في المستقبل
• خفض «أوبك بلس» الإنتاج 100 ألف برميل يومياً رسالة للعالم باستقلالية قرارها
أكد خبراء نفطيون أن الصين تعتبر من أكثر الدول المستفيدة من الحرب الروسية - الأوكرانية، مبينين أن الجميع يعرف أن الصين أكبر مستهلك للطاقة من النفط والغاز والكهرباء ولأنها ترتبط مع روسيا بأنابيب لتزويدها بالنفط والغاز، فهي تحصل على أسعار تنافسية غير مسبوقة للنفط والغاز بخصم يصل الى 25 في المئة من الأسعار السائدة، مما يخدم قطاعات رئيسية لديها مثل الإنتاج التكنولوجي والصناعي والزراعي ويرفع معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي.
وقال النفطيون، في تحقيق أجرته «الجريدة» حول تطورات الأسواق أخيراً، إن الصين ترتبط مع روسيا بنظام مالي يوازي نظام «سويفت» العالمي، إلى جانب أن المبادلات التجارية للسلع بالعملات الوطنية لكلا البلدين وفرت غطاء لحماية قيمة الروبل واليوان من التقلبات الحاصلة للعملات الرئيسية العالمية، فما زالت عملتاهما تحافظان على قوتهما أمام الدولار، بينما تهاوت العملة الأوروبية اليورو والجنيه الإسترليني معاً في حدث غير مسبوق أيضاً.
وأشاروا إلى أنه وفقاً لتلك المعطيات وعلى فرضية استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا من جانب وتزايد الضغوط الدولية وتكثيف العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا من جانب آخر، فإن أسعار النفط ستتصاعد خلال العامين المقبلين إلى ما بين 125-145 دولاراً للبرميل.
وأضافوا أن قرار أوبك بلس الأخير بتخفيض الإنتاج 100 ألف برميل يومياً كانت رسالة واضحة للعالم بأنها منظمة تبحث فقط في الناحية الاقتصادية ولا علاقة لها بإقحام السياسة في موضوع النفط بوصفه جانباً اقتصادياً بحتاً، لافتين إلى أن الأهم بالنسبة لأوبك النظر إلى الوضع الاقتصادي حالياً ومستقبلاً.
وذكروا أن هناك توقعات بأن يكون الاستهلاك أقل مستقبلاً، مع حدوث كساد عالمي، مشيرين إلى أن فوائد البنوك بدأت ترتفع وهي من الدلائل على أن الحاجة ستقل على الخام لأن الأسواق ستكون متخمة بالنفط نتيجة هذا الكساد المتوقع والتباطؤ الاقتصادي، وستكون ردة فعل أوبك في حال انخفاض الأسعار إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل صعبة.
وأوضحوا أن المنظمة استبقت الأحداث وقامت بتخفيض الإنتاج، مشيرين إلى أن «أوبك» دائماً مستعدة لمساعدة العالم في حالات كثيرة مثل زيادة الإنتاج متى ما كان هناك احتياج لذلك.
ولفتوا إلى أن هناك من يحاول التأثير على روسيا من خلال تجارة النفط والغاز، إلا أن روسيا أثبتت أنها تستطيع قبول ذلك التحدي بل تنافس أيضاً حيث إن الطرف الآخر يحتاج إلى الغاز، وكذلك الروس يحتاجون إلى المال، معتبرين أن العقوبات التي يتم فرضها على روسيا لم تؤثر فيها ولم تكن ذات فائدة... وإلى التفاصيل:
قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي إن قرار «أوبك بلس» الأخير بشأن خفض إنتاج النفط بمقدار 100 ألف برميل يومياً لشهر سبتمبر الحالي فقط لم يكن له ذلك الأثر الاقتصادي والسياسي الملموس مقارنة بما كان للقرار التاريخي بخفض الإنتاج حوالي 10 ملايين برميل يومياً الأثر الكبير في تغيير مسار أسعار النفط عالميا، وإنما قد يكون القصد من وراء ذلك القرار البسيط هو ارسال رسائل قصيرة مفادها:
(1) أن لأوبك قرارها المستقل حول ما يجري في العالم من أحداث عسكرية وما تبعها من تطورات سياسية واقتصادية آلت نتائجها إلى فرض عقوبات على روسيا، وهي إحدى الدول الرئيسية المؤثرة في استمرارية اتفاق اوبك بلس، وأكبر دولة منتجة للنفط والغاز عالميا تعادل حصتها حصة إنتاج السعودية من النفط.
(2) أن استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية هو من دواعي ارتفاع أسعار النفط.
(3) أن ازدياد الطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي في السنوات المقبلة أمر حتمي، ولكن تعوق تلبيته القدرات الانتاجية الحالية لاوبك بلس، ونذكر هنا بمحاولات سابقة لدول كبرى مستهلكة للنفط سحبت من مخزوناتها الاحتياطية بغية خفض أسعار النفط ولكن دون جدوى أو أثر واضح.
(4) أن الرسالة الواضحة التي تريد أن تؤكد عليها أوبك بلس هي أنها تحرص دائما على خلق التوازن في السوق النفطية وتسلك إلى ذلك سبيل السياسة المرنة تجاه الأحداث والمتغيرات الدولية التي قد تؤثر على عمليات التزويد العالمي.
عقوبات اقتصادية
واضاف العوضي أن العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ضد روسيا في واقع الأمر لها أثر مباشر على اتجاهات تجارة النفط والغاز ومن ثم ارتفاع أسعارها، مبيناً أن من أبرز تلك الاتجاهات محاولات منع استيراد النفط الروسي عبر ناقلات النفط وقطع توريد الغاز الروسي عبر الأنابيب وذلك باستئجار ناقلات الغاز الطبيعي المسال LNG بتكاليف باهظة.
ولفت الى انه في ألمانيا نتج عن قطع النفط الروسي ردة فعل مضادة حيث قامت ألمانيا بالسيطرة على ثلاث مصاف تمتلك روسيا فيها حصصاً مؤثرة وتبلغ إجمالي الطاقة التكريرية فيها نحو 750 ألف برميل يوميا تابعة لشركة (روس نفط)، وتضاعفت أسعار الغاز الطبيعي 8 مرات عن أسعار ما قبل الحرب نتيجة انخفاض كميات تصدير الغاز الروسي وعدم توفر مصدر بديل يسد النقص في احتياجات أوروبا بصورة عاجلة، وهذا أيضا يعزز ارتفاع أسعار النفط.
وأشار إلى ان أوروبا وأميركا فرضتا قراراتهما العقابية للإضرار أكثر بمصالح وموارد روسيا المالية سواء من تجارة النفط والغاز او غيرها من السلع، إلا أن العقوبات جاءت بنتائج عكسية فزادت إيرادات روسيا المالية رغم انخفاض إنتاجها في حين زادت فاتورة الكهرباء في أوروبا 0.24 دولار لكل واحد كيلو وات KWH بسبب ارتفاع أسعار الغاز على نحو غير مسبوق!
وعقَّب العوضي بأنه بطبيعة الحال يمكن اعتبار الصين من أكبر الدول المستفيدة من الحرب الروسية الاوكرانية وكما يعرف الجميع أن الصين أكبر مستهلك للطاقة من النفط والغاز والكهرباء ولكونها ترتبط مع روسيا بأنابيب تزويدها بالنفط والغاز فهي تحصل على أسعار تنافسية غير مسبوقة للنفط والغاز بخصم يصل الى 25 في المئة من الأسعار السائدة وهذا يخدم قطاعات رئيسية لديها مثل الإنتاج التكنولوجي والصناعي والزراعي ويرفع معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي كما ترتبط الصين مع روسيا بنظام مالي يوازي نظام سويفت العالمي، اضف الى ذلك أن المبادلات التجارية للسلع بالعملات الوطنية لكلا البلدين وفرت غطاء لحماية قيمة الروبل واليوان من التقلبات الحاصلة للعملات الرئيسية العالمية فما زالت عملتاهما تحافظان على قوتهما امام الدولار، في مقابل ذلك تهاوت العملة الأوروبية اليورو والجنيه الاسترليني معا في حدث غير مسبوق أيضا!
أسعار النفط
وذكر أنه وفقا للمعطيات المذكورة آنفا وعلى فرضية استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا من جانب وتزايد الضغوط الدولية وتكثيف العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا من جانب آخر فإن أسعار النفط ستتصاعد خلال العامين المقبلين ما بين 125-145 دولار للبرميل وستظل هذه الأسعار رهنا بتلك الفرضيات وربما يلعب سعر النفط وسعر الغاز المرتفعين في مرحلة مقبلة دورا مهما في خلق أجواء تفاوضية جادة لوقف الحرب على أوكرانيا وعلى روسيا ايضا كما حدث في حرب عام 1973 من وجهة نظر تاريخية ويبقى تساؤل حول: أي سعر للنفط ستتوقف عنده الحرب؟!
معدل الانتاج
من جانبه، قال الخبير النفطي كامل الحرمي انه كان من الأفضل للمنظمة البترولية عدم المساس بمعدل الإنتاج سواء برفعه أو خفضه، لافتا الى ان التوصل إلى قرار بخفض الإنتاج بمعدل 100 ألف برميل لا يمثل شيئا إذا تم تقسيمه على عدد الأعضاء البالغ عددهم 22، حيث من الصعب قياسه سواء عند المنشأ أو عند التفريغ.
وتساءل الحرمي: لماذا أصلاً قرار الخفض والمنظمة النفطية لم ولن تلتزم بسقف إنتاجها منذ البداية، وفي الشهر الماضي أنتجت ما دون المقرر، ولتحدد بأكثر من 3 ملايين برميل في اليوم؟، مشيرا الى ان «أوبك» لم تنتج أكثر من مليون برميل من كل من نيجيريا، وأنغولا والعراق، في حين أن (أوبك +) تنتج من روسيا، وماليزيا، وكازاخستان بأكثر من 2 مليون برميل في اليوم، ثم تقرر خفض الإنتاج بـ 100 ألف برميل والذي يعد رقماً هزيلا، حيث شركات التجزئة تعتبرها أرقاماً تالفة أصلاً وتسجلها في دفاترها تحت البنود التالفة.
وأضاف: لماذا لم تقرر مثلاً الإبقاء على حصصها وأرقامها الماضية دون تغيير؟ خصوصاً أن المنظمة قالت إنها ستتابع الأسواق والتقلبات، وستجتمع إن دعت الحاجة، ولماذا أيضاً قرار الخفض الهزيل، وكيف توصّلت إلى قرار كهذا، خصوصاً أن المنظمة النفطية لا تجتمع ولا تسمح للإعلام والصحافة بالتحدث إلى وزراء النفط لمعرفة خلفية وأسباب القرار، لكي تتضح الصورة وتكون أكثر شفافية.
وقال إن «هذا يجرنا إلى قرار مجموعة دول الـ7 الغنية التي تصر على وضع سقف لشراء وبيع النفط الروسي، وهي تعلم أنها بحاجة إلى الهند والصين وتركيا لاحقاً لتطبيق هذا القرار العشوائي وسط التهديدات الأميركية بمعاقبة الدول التي لا تلتزم، في الوقت الذي لا نرى إمدادات نفطية تحل محل النفط الروسي، ليتزامن مع استمرار سحب أميركا من مخزونها النفطي الاستراتيجي».
التزام بالحصص
وزاد الحرمي: هل فكرت أوروبا بمصيرها من الطاقة، وكيف باستطاعتها ان تتعامل مع توقف الغاز والنفط الروسيين معاً، ودول منظمة (أوبك+) لا تستطيع أصلاً الالتزام بحصصها وتحقق عجزاً مستداماً في الإنتاج اليومي، ولا نريد التخمين كيف سيكون عليه الوضع خلال الأشهر الباردة المقبلة.
وتساءل عن كيفية اتخاذ المنظمة النفطية قرارها الأخير، وكيف باستطاعتها أن تواجه المستهلكين وتبرر موقفها من حيثيات ذلك القرار، ولماذا لم تؤجل اجتماعها؟ ولماذا لم تتمكن مثلاً من دراسة ومعرفة الأسواق النفطية والمالية والاقتصادية، وهي تمتلك أدوات وخبراء وخبرات تمكنها من هذا إن كانت في شك، معتبراً أن هذا الرقم هزيل وتالف ولا يحسب له حساب، ويتم تجاهله في دفاتر مدققي الحسابات، حيث حصة كل عضو من هذا الخفض ما دون 5 آلاف برميل في اليوم!
كساد عالمي
من ناحيته، قال استاذ الاقتصاد في جامعة الكويت د. احمد الكوح إن رسالة منظمة اوبك واضحة فهي لا تريد اقحام السياسة في موضوع النفط كونه جانباً اقتصادياً بحتاً، لافتاً الى ان الأهمية بالنسبة لأوبك كانت النظر الى الوضع الاقتصادي الحالي والمستقبلي.
وذكر الكوح أن هناك توقعات بأن يكون الاستهلاك اقل مستقبلا، وأن يكون هناك كساد عالمي، مشيرا الى ان فوائد البنوك بدأت ترتفع وهي من الدلائل على ان الحاجة ستقل على الخام كون الأسواق ستكون متخمة بالنفط نتيجة هذا الكساد المتوقع والتباطؤ الاقتصاد.
وأوضح ان ردة فعل اوبك في حال انخفاض الاسعار الى ما دون 50 دولارا للبرميل ستكون صعبة، غير أن المنظمة استبقت الاحداث وقامت بتخفيض الانتاج، مبيناً ان اوبك دائما مستعدة لمساعدة العالم في حالات كثيرة مثل زيادة الانتاج متى ما كان هناك احتياج لذلك.
ولفت الى ان هناك من يحاول التأثير على روسيا من خلال تجارة النفط والغاز، إلا أن روسيا اثبتت انها تستطيع قبول ذلك التحدي بل وتنافس ايضا كون الطرف الاخر يحتاج الى الغاز، وكذلك الروس يحتاجون الى المال، مشيرا الى ان العقوبات التي تم فرضها على روسيا لم تؤثر فيها ولم تكن ذات فائدة.
الحاجة للنفط
وقال الكوح إن العالم أجمع في حاجة الى النفط وهو سلعة مرتبطة بالأسعار العالمية في الأسواق، وليس بسوق محدد، ولذلك فإن أي تقليل لصادرات النفط الروسية سيؤثر في الأسعار العالمية.
وأضاف ان الوضع الصيني والانكماش الاقتصادي والأزمة التي يشهدها العالم حاليا اثرت بشكل مباشر على اسعار النفط وخصوصا السوق الصيني الذي يستورد كميات كبيرة من النفط للاستهلاك والتكرير والبيع مرة اخرى، لذلك فهو سوق كبير ووضعه الاقتصادي يؤثر على العالم تأثيراً مباشراً وكبيراً، مؤكداً أن وحدة اوبك بلس واتخاذ القرارات المناسبة سيعملان على الحفاظ على اسعار النفط واستقرار الاسواق، وعليه من المتوقع أن تدور الأسعار حول 70 دولارا للبرميل، «لكنني لا أحبذ صعودها فوق 100 دولار لأن ذلك سيؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل سلبي».
أسعار النفط تواصل التراجع
تراجعت أسعار النفط صباح أمس لليوم الثاني وسط مخاوف من انخفاض الطلب على الوقود بسبب ركود عالمي محتمل نجم عن ارتفاع أسعار الفائدة، فضلاً عن المزيد من ضغوط الأسعار نتيجة ارتفاع الدولار.
وهبطت العقود الآجلة لخام برنت تسوية نوفمبر دولاراً أو 1.2 في المئة إلى 85.15 دولاراً للبرميل وتراجع العقد إلى 84.51 دولاراً في أدنى مستوى منذ 14 يناير .
ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسوية نوفمبر 87 سنتا أو 1.1 في المئة إلى 77.87 دولاراً للبرميل. وتراجع العقد إلى 77.21 دولاراً في أقل مستوى منذ السادس من يناير. وانخفضت تعاقدات الخامين نحو خمسة في المئة يوم الجمعة.
وارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الرئيسية إلى أعلى مستوى في 20 عاما أمس.
وعادة ما يؤدي الدولار القوي إلى تقليص الطلب على النفط المقوم بالدولار.
في الوقت نفسه أثارت الزيادات في أسعار الفائدة التي أعلنتها البنوك المركزية في العديد من البلدان المستهلكة للنفط لاحتواء التضخم المتصاعد مخاوف من تباطؤ اقتصادي وما يصاحبه من ركود في الطلب على النفط.
ومع انخفاض الأسعار سيتحول الاهتمام إلى ما قد تفعله منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها بقيادة روسيا، والتي يطلق عليها اسم «أوبك+»، عندما يجتمعون في الخامس من أكتوبر، بعد الاتفاق على خفض الإنتاج بشكل متواضع في اجتماعهم الأخير.
جريدة الجريدة