بنك الكويت الوطني : 1.9 مليار دينار عجز الموازنة في النصف الأول
• الأصول السائلة لصندوق الاحتياطي العام قد لا تكفي لتمويل العجز
• أهمية إقرار قانون الدين العام تتزايد ويجب أن تصاحبه إصلاحات جادة
أفاد «الوطني» بأن ميزانية الدولة سجلت عجزاً أقل من المتوقع خلال النصف الأول من السنة المالية 2020-2021 مع إمكانية ارتفاعه إلى حوالي 10 مليارات دينار للسنة المالية بأكملها، وإن كان أقل من تقديرات الموازنة البالغة14.1 مليار دينار.
تناول الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني أحدث البيانات التي أعلنتها وزارة المالية الكويتية وأظهرت تسجيل عجز مالي أقل من المتوقع قدره 1.9 مليار دينار خلال النصف الأول من السنة المالية 2020-2021 (أبريل - سبتمبر) وتعادل قيمة هذا العجز 12 في المئة من القيمة التقديرية النسبية للناتج المحلي الإجمالي، ويأتي العجز بالمقارنة بفائض ضئيل قدره 0.1 مليار دينار عن فترة النصف الأول من السنة المالية 2019-2020.
وحسب الموجز، انخفض إجمالي الإيرادات بنسبة 48 في المئة إلى 4.6 مليارات دينار على خلفية انهيار أسعار النفط في وقت سابق من العام الحالي.
كما تراجعت النفقات بنسبة 25 في المئة إلى 6.5 مليارات دينار، لكننا نرى أن ذلك التراجع لا يمثل انعكاساً حقيقياً للأوضاع بسبب توقيت تسجيل بعض المعاملات.
كما تشير التوقعات إلى تزايد حجم العجز الحقيقي، وفي ظل أسعار النفط الحالية، نتوقع أن يصل العجز إلى حوالي 10 مليارات دينار كويتي للسنة المالية بأكملها.
الإيرادات النفطية تتخطى التقديرات
تراجعت الإيرادات النفطية بنسبة 51 في المئة، على أساس سنوي، إذ بلغت 3.9 مليارات دينار، فيما يعزى بصفة رئيسية إلى انخفاض سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 47 في المئة ليصل في المتوسط إلى 34.6 دولاراً للبرميل، بالتزامن مع تراجع إنتاج النفط إلى 2.36 مليون برميل يومياً (12.7 في المئة) في إطار الالتزام بخفض حصص الإنتاج وفقاً لاتفاقية «أوبك» وحلفائها.
لكن الإيرادات النفطية تخطت التقديرات الواردة في الموازنة لتصل إلى ما نسبته 69 في المئة من الإيرادات المتوقعة للسنة المالية بأكملها نظراً إلى أن السعر الفعلي لبرميل النفط تخطى حتى الآن السعر الافتراضي المتحفظ في الموازنة البالغ 30 دولاراً للبرميل.
من جهة أخرى، كانت الإيرادات غير النفطية ضعيفة نظراً لانكماش النشاط الاقتصادي الناجم عن تداعيات الجائحة (تراجع إيرادات القطاع غير النفطي بنسبة 12.2 في المئة على أساس سنوي إلى 0.7 مليار دينار، أو ما يعادل 36 في المئة من تقديرات ميزانية السنة المالية بأكملها نتيجة لانخفاض الضرائب والرسوم والإيرادات الأخرى بنسبة 17.4 في المئة و7.2 في المئة، على التوالي).
وكانت نسبة الإيرادات غير النفطية منخفضة، إذ وصلت مساهمتها إلى حوالي 15 في المئة فقط من إجمالي الإيرادات، وان كان من الممكن أن ترتفع خلال النصف الثاني من العام المالي بدعم من تحسن النشاط الاقتصادي وعودة الأنشطة التجارية للعمل. ونلاحظ أنه نظراً إلى انخفاض أسعار النفط، فإن الرصيد المتبقي من المدفوعات التي أقرتها لجنة تعويضات الأمم المتحدة عن الأضرار الناجمة عن الغزو العراقي بقيمة 2.4 مليار دولار (0.7 مليار دينار) الذي كان من المقرر تسديده عام 2021 يتوقع الآن أن يتأجل سداده حتى عام 2022.
تراجع النفقات
شهدت النفقات تراجعاً حاداً بنسبة 25 في المئة إلى 6.5 مليارات دينار في الأشهر الستة الأولى من العام المالي الحالي، ويعزى التراجع بصفة رئيسية لانخفاض النفقات الجارية بنسبة 23 في المئة، والتي تشكل حوالي 94 في المئة من إجمالي النفقات.
وأدى هذا أيضاً إلى وصول النفقات الجارية إلى مستويات أدنى بكثير، مقارنة بمستوياتها منذ بداية العام حتى تاريخه، خلال الفترات المماثلة من السنوات المالية السابقة، إذ شكلت نسبة 32 في المئة فقط من إجمالي مخصصات الميزانية للعام المالي بأكمله.
وعلى الرغم من وضوح مساعي الحكومة للحد من مستويات الإنفاق لاحتواء اتساع فجوة العجز، فإن خفض النفقات يعكس أيضاً عوامل أخرى غير الضبط المتعمد للنفقات.
وبلغت تعويضات العاملين، التي تشكل 25 في المئة من النفقات الجارية، 1.6 مليار دينار، متراجعة بنسبة 43 في المئة على أساس سنوي لتمثل 20 في المئة فقط من إجمالي مخصصات موازنة العام المالي الحالي.
ونرى أن هذا التراجع قد يعزى في الأغلب إلى تأخر تسجيل تلك البنود، كما نتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنهاية العام الحالي.
وانخفضت فئة أخرى مهمة، هي السلع والخدمات بنسبة 18.9 في المئة إلى 1.1 مليار دينار.
لكن هذا التراجع قد يعكس تأثير انخفاض أسعار النفط والغاز على شراء وزارة الكهرباء والماء وقود تشغيل المحطات.
ويعتبر هذا في واقع الأمر خفضاً لقيمة التحويلات بين الهيئات الحكومية وبعضها بعضاً، وليس له تأثير يذكر على مستويات الطلب.
كما انخفضت الدعوم بنسبة 43 في المئة على أساس سنوي متراجعة إلى حوالي ثلث قيمة مخصصاتها في ميزانية السنة المالية 2020-2021.
وقد يعكس تراجع دعوم وقود تشغيل المحطات أيضاً انخفاض أسعار النفط. وبلغت الإعانات الاجتماعية، التي تشمل الخدمات الصحية في الخارج، حوالي 32 في المئة فقط من مخصصات الموازنة.
فيما يتوقع أن تظل قيمة الدعم الصحي محدودة خلال السنة المالية، إذ عادة ما تتسم البنود الأخرى بقيمة صغيرة نسبياً لكنها غالباً ما تكون متقلبة، لذلك من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات عن اتجاهات الإنفاق.
وبالانتقال إلى فئة مصروفات وتحويلات أخرى (التي تشمل المنح الدراسية وأجور أعضاء النظام القضائي)، نلاحظ تراجعها بنسبة 15.7 في المئة. لكن هذا البند قد يصل إلى قيمة أعلى من تلك المسجلة في السنة المالية 2019-2020 بنهاية السنة المالية الحالية نتيجة لتخصيص 0.5 مليار دينار لمواجهة تفشي جائحة «كوفيد 19». من جهة أخرى، استقرت قيمة المنح التي تشمل التحويلات إلى الجهات المستقلة (مثل الهيئة العامة للقوى العاملة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية) عند نفس المستويات المسجلة عن الفترة المماثلة من السنة المالية 2019-2020.
وقد تكون تلك التحويلات ذات أهمية قصوى فيما يتعلق باستمرارية أعمال تلك الجهات نظراً لانخفاض قاعدة إيراداتها.
ذكر الموجز الاقتصادي للبنك أنه في حين جاء العجز المالي في النصف الأول من السنة المالية 2020/2021 إلى حد ما أقل من توقعاتنا، فإن الحكومة الكويتية الجديدة ستواجه خيارات صعبة فيما يتعلق بجهود الإصلاح نظراً لحجم العجز المقدر للسنة المالية بأكملها وانخفاض أسعار النفط وتزايد الضغوط على الإنفاق (خصوصاً في ظل الجائحة).
كما أشارت بعض التقارير الصحافية إلى أنه لم يتبق سوى مليار دينار فقط من الأصول السائلة في صندوق الاحتياطي العام المستخدم لتمويل العجز، والذي قد يغطي من حيث المبدأ شهراً أو شهرين آخرين من احتياجات التمويل الحكومية.
لكن الإصلاحات تعتمد أيضاً على العلاقة بين الحكومة ومجلس الامة. وبينما نرى إمكانية توفير المزيد من الأموال السائلة إذا لزم الأمر، لا يبدو أن هناك بديلاً جاداً عن إقرار قانون الدين العام في أقرب وقت.
وعلى الرغم من ذلك، يجب ألا تأتي زيادة الدين على حساب الإصلاحات المالية الجادة، لاسيما وسط ضعف آفاق نمو أسعار النفط.
وإلى جانب إمكانية الاستفادة من مصادر جديدة للإيرادات بما في ذلك إدخال ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، ستحتاج الحكومة إلى التركيز على ترشيد النفقات الجارية وتوجيه الإيرادات الجديدة الناتجة عن الاقتراض نحو تمويل المشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية الجديدة، مما قد يساهم في تعزيز النمو وخلق فرص العمل.
جريدة الجريدة