بنك الكويت الوطني: توجهات المخاطر تتحكم في تحركات الدولار

عودة التوترات التجارية إلى الواجهة وتركيز الأسواق على اجتماع «المركزي» الأوروبي

استهل الدولار تداولات الأسبوع على تراجع في ظل تحسّن طفيف بمعنويات المستثمرين تجاه المخاطر، إلا أن تلك الخطوة لم تدُم طويلاً، حيث عادت حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية إلى واجهة الأحداث، على خلفية تصريح أحد المستشارين بالبيت الأبيض بأن المرحلة الأولى من الصفقة التجارية مع الصين قد انتهت.

ظل أداء الدولار الأسبوع الماضي محكوماً بصفة رئيسية بالتقلبات اليومية لمعنويات المستثمرين، إلا أنه يبدو أن العمليات البيعية للتخلص من الدولار التي بدأت في منتصف مايو قد تراجعت، في ظل توازن معنويات الإقبال على المخاطر بين جموع المستثمرين على خلفية ظهور بعض الدلائل الجديدة التي تشير إلى عودة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19).

وحسب تقرير أسواق النقد السبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، استهل الدولار تداولات الأسبوع على تراجُع في ظل تحسّن طفيف بمعنويات المستثمرين تجاه المخاطر، وذلك نظراً لتراجع المخاوف المتعلّقة بتفشي فيروس كورونا المستجد في بكين، إلا أن تلك الخطوة لم تدُم طويلا، حيث عادت حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية إلى واجهة الأحداث على خلفية التعليقات التي أطلقها أحد المستشارين بالبيت الأبيض ضمن مقابلة أجراها، وأشار خلالها إلى أن المرحلة الأولى من الصفقة التجارية مع الصين قد انتهت. إلا أن الرئيس ترامب سرعان ما تدارك الموقف بعد تلك التعليقات المربكة، ونشر تغريدة على حسابه الخاص بـ "تويتر"، مؤكداً أن "الصفقة التجارية مع الصين سليمة تماماً".

في ذات الوقت، ظهرت تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة تدرس فرض رسوم جمركية جديدة على واردات من الاتحاد الأوروبي بقيمة 3.1 مليارات دولار، بما في ذلك بعض المنتجات مثل الزيتون والخمور والشاحنات، مع زيادة معدلات الرسوم الجمركية الحالية على بعض المنتجات الأخرى، مثل الطائرات والأجبان والزبادي. وتأتي تلك الخطوة من إدارة الرئيس ترامب في إطار مواصلتها "لمعاقبة" الاتحاد الأوروبي لتقديمه دعما غير قانوني لشركة إيرباص.

ومن المتوقع أن تدخل الرسوم الجمركية حيز التنفيذ بدءاً من شهر سبتمبر إذا قررت الولايات المتحدة المضيّ قُدما في تطبيق هذا الإجراء. في تلك الحالة، من المتوقع أيضاً أن تحدد منظمة التجارة العالمية ما إذا كان يجوز قانونياً للاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية على واردات أميركية بقيمة 11.2 مليار دولار، ردا على تبنيها سياسات مماثلة، وتقديمها دعما غير قانوني لشركة بوينغ الأميركية.

وتهدد التوترات التجارية المتجددة بتقويض الانتعاش الاقتصادي بما أبرز استمرار حساسية سوق تداول العملات الأجنبية تجاه حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية.

وفي ظل حالة عدم اليقين تجاه الموقف الجديد للسياسات التجارية، ارتفع الدولار بنهاية الأسبوع، مدعوماً إلى حد ما بمخاوف تفشي فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة، حيث استمر انتشار الفيروس في ولايات متعددة بكل أنحاء البلاد، بينما فرضت مناطق أخرى مثل نيويورك ونيوجيرسي إجراءات الحجر الصحي مدة 14 يوماً للمسافرين القادمين من ثماني ولايات.

وإن كانت هناك رسالة واحدة نستخلصها من تقلّب أنشطة العملات الأجنبية على مدار الأسبوع الماضي، فهي معاصرتنا لبيئة أكثر تحدياً للأصول التي تنطوي على مخاطر مرتفعة، بما قد يساهم في اعتدال وتيرة العمليات البيعية التي يشهدها الدولار. وفي واقع الأمر، تراجع أداء معظم الأسهم العالمية، وبدا التوجه نحو سندات الخزانة أكثر وضوحاً. إلا أنه بالنسبة للرؤية المستقبلية، سيظل أداء الدولار مدفوعاً بتذبذب معنويات الإقبال على المخاطر والابتعاد عنها، حتى تتلاشى صدمة الجائحة، ويكون هناك المزيد من الوضوح بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي.

 

البيانات الاقتصادية

تواصل البيانات الأميركية التي صدرت الأسبوع الماضي نفس اتجاهها في توقع انتعاش بوتيرة بطيئة لأكبر الاقتصادات على مستوى العالم. وانخفض عدد المواطنين الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانات البطالة، حيث ساهمت التعيينات الجديدة في ظل إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية في معادلة آثار تسريح الموظفين من العمل إلى حد كبير. كما انه على الرغم من انتعاش طلبيات السلع الرأسمالية الرئيسية في مايو، فإنها لم تتمكن سوى من استعادة جزء فقط من الخسائر التي تم تسجيلها في وقت سابق، حيث تساهم أوضاع سوق العمل في إعاقة الانتعاش المتوقع من إعادة فتح الاقتصادات الإقليمية. وبينما يبدو أن الأرقام بدأت في التحسن، إلا أن ارتفاع معدل البطالة قد أدى إلى تقويض الطلب، بما ساهم بدوره في إبطاء العملية. وتشير توقعات الاقتصاديين إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 46 بالمئة سنوياً في الربع الثاني.

 

اجتماع «المركزي» الأوروبي
وأشار محضر الاجتماع إلى أن رفع قيمة حزمة التحفيز جاء على خلفية عاملين رئيسيين؛ يتمثّل الأول فيما تتعرّض لها التوقعات المتوسطة المدى لاستقرار الأسعار من تهديدها على خلفية تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد. وتشهد التوقعات الجديدة خفض معدلات التضخم الكلي والتضخم الأساسي بنسبة 0.3 و0.6 بالمئة في عام 2022 على التوالي. أما العامل الثاني فيتمثل في الأوضاع المالية التي تمر بها منطقة اليورو بصفة عامة، والتي اصبحت أكثر تشدداً بصورة ملحوظة مقارنة بالفترة السابقة لتفشي الجائحة، حيث تستدعي توقعات النمو والتضخم إلى تبني سياسات مالية أكثر تيسيراً.تركزت الأنظار على البنك المركزي الأوروبي خلال الأسبوع الماضي، حيث تفحصت الأطراف المشاركة في السوق محضر الاجتماع الأخير للبنك المركزي. أولاً، تم إقرار توسيع نطاق برنامج الطوارئ الجديد لشراء الأصول في إطار مواجهة الجائحة. وثانيا، الانصياع لقرار المحكمة الدستورية الألمانية الذي صدر في مايو.

وفي مايو، قضت المحكمة الدستورية الألمانية بأن البنك المركزي الأوروبي تجاوز حدود سلطات تقديم التمويل النقدي لحكومات الدول الأعضاء بأكثر من تريليون يورو من خلال شراء السندات الحكومية، وأصدر أوامره للبنك الفدرالي الألماني بالتوقف عن المشاركة في تلك الإجراءات. وردًا على ذلك، أظهر محضر الاجتماع قيام أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بمناقشة مدى فعالية سياستهم النقدية. وفي نهاية الأمر، صرح "المركزي الأوروبي" بأنه كان هناك "اتفاق واسع النطاق" على أن "الآثار الجانبية السلبية قد تم تجاوزها بشكل واضح، بفضل برنامج شراء الأصول وتأثيره الإيجابي على الاقتصاد، في إطار مساعيه لتحقيق استقرار الأسعار".

وسعياً منه لتسهيل الأوضاع وحل الموقف مع المحكمة الدستورية الألمانية، وافق المركزي الأوروبي على تقديم وثائق غير منشورة تدعم القرارات التي استندت إليها سياسته لرئيس البنك المركزي الألماني ينس ويدمان، ليقوم بدوره بتقديمها إلى البرلمان والحكومة الألمانية، امتثالاً لقرار المحكمة. وتتوقّع معظم المصادر أن تكون تلك الخطوة كافية للدفاع عن سياسة البنك المركزي الأوروبي أمام هيئة المحكمة. إلا أن البنك المركزي الأوروبي كشف عن خطط طارئة إذا أصدرت المحكمة قراراً غير مواتٍ. وعلى أسوأ الاحتمالات، سيطلق البنك المركزي الأوروبي إجراء قانونياً غير مسبوق ضد البنك المركزي الألماني، المساهم الأكبر، لاستعادة مشاركته في برنامج شراء السندات.

 

المملكة المتحدة تخفف قيود الحجر

 

استقر أداء الجنيه الإسترليني نسبياً خلال الأسبوع الماضي مقارنةً بالعملات المماثلة، مدعوماً بضعف اليورو وتخفيف قيود الحجر الصحي. وكشف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن قائمة تضم 18 نشاطًا تجارياً ومنشآت أخرى، بما في ذلك المطاعم والحانات وأماكن العبادة التي يمكن إعادة فتحها في الرابع من يوليو. كما سيتمكن الأشخاص أيضاً من مقابلة بعضهم البعض والتجمع مع الأصدقاء وأفراد العائلة بسهولة أكبر في الهواء الطلق. إلا أن المخاوف من ظهور موجة ثانية من تفشي الفيروس وحالة عدم اليقين بشأن انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي قوضت ارتفاع الجنيه الإسترليني.

وعبّر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنيه عن إحباط تجاه المملكة المتحدة، قائلاً إن لندن بحاجة إلى إعطاء "إشارات واضحة" عن استعدادها للعمل من أجل التوصل إلى حل. وقال "أعتقد أن الصفقة ما زالت ممكنة، لكن مشكلتنا لا تتعلق بالتوقيت، بل بجوهر الموضوع، خاصة أن المملكة المتحدة تواصل التراجع عن التزاماتها بموجب الإعلان السياسي". وفي حين أنه من المطمئن أن الاتحاد الأوروبي يعتقد أنه يمكن إبرام صفقة، إلا أن احتمال الفشل لا يزال يثقل كاهل الجنيه الإسترليني.

 

تعزيز أسعار النفط والذهب

 

تراجعت أسعار النفط تجاه نهاية الأسبوع، إلا انها ظلت مستقرة فوق مستوى 40 دولاراً، في الوقت الذي ساهم ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في الولايات المتحدة والصين في كبح معدلات الطلب. ويقول محللون إن بيانات من الأقمار الصناعية تظهر انتعاشا قويا في حركة المرور بالصين وأوروبا وفي أنحاء الولايات المتحدة، مما يشير إلى تحسّن في طلب الوقود. إلا أن إمكان زيادة إنتاج النفط الخام الأميركي ساهم أيضاً في كبح جماح الأسعار يوم الجمعة. وساهم انتعاش أسعار النفط في إعادة الربحية مجدداً لآبار النفط الصخري، في ظل عودة كبار المنتجين إلى زيادة الإمدادات.

من جهة أخرى، وصلت أسعار الذهب خلال الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياتها المسجلة في 8 سنوات، محققة بذلك مكاسب للأسبوع الثالث، وسط مخاوف من ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم. ويستفيد الذهب حالياً من انخفاض أسعار الفائدة والأموال الخاصة بحزم التحفيز المالي، والتي يُنظر إليها على أنها خطوة تحوطية ضد التضخم وانخفاض قيمة العملة.

جريدة الجريدة