اللقاحات وآمال التحفيز يدعمان التفاؤل بآفاق الاقتصاد

• «الوطني»: أسواق الأسهم شهدت ارتفاعات كبيرة في نوفمبر رغم الضغوط على أبعاد النمو
• بايدن يبدأ تشكيل فريقه الاقتصادي واختيار يلين لـ «الخزانة» يمهد لحزمة تحفيز مالي جديدة

ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في الولايات المتحدة بنسبة 11 في المئة، وصعد مؤشر يوروستوكس 50 بنسبة 18 في المئة، على الرغم من الضغوط المستمرة التي تتعرض لها آفاق النمو على المدى القريب، نتيجة ارتفاع حالات الإصابة وتدابير الإغلاق المكلفة اقتصاديا.

شهدت أسواق الأسهم العالمية ارتفاعات كبيرة خلال نوفمبر الماضي، بدعم من النتائج الواعدة لتجارب اللقاحات ضد فيروس كوفيد 19، الذي عصف بالاقتصاد العالمي هذا العام، على الرغم من إمكانية أن يستغرق توزيع تلك اللقاحات وقتا طويلا.

وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في الولايات المتحدة بنسبة 11 في المئة، وصعد مؤشر يوروستوكس 50 بنسبة 18 في المئة، على الرغم من الضغوط المستمرة التي تتعرض لها آفاق النمو على المدى القريب، نتيجة ارتفاع حالات الإصابة وتدابير الإغلاق المكلفة اقتصاديا.

كما أن امكانية إقرار حزمة تحفيز مالي جديدة في الولايات المتحدة، وإدخال المزيد من التدابير التيسيرية على السياسة النقدية الأوروبية، ساهمت أيضا في تعزيز معنويات التفاؤل، وفي نفس الوقت قفزت أسعار خام برنت بنسبة 27 في المئة إلى ما يقرب من 48 دولارا للبرميل، على أمل أن يدعم الانتعاش الاقتصادي الطلب على النفط، رغم اتفاق أوبك+ على زيادة الإنتاج (أقل من المقرر في البداية) بدءا من يناير المقبل.

فريق بايدن الاقتصادي

وفي ظل تلاشي فرص الرئيس ترامب في قلب نتيجة الانتخابات، بدأ الرئيس المنتخب جو بايدن اختيار أعضاء فريقه الاقتصادي، بما في ذلك بعض الخبراء من الإدارات الديمقراطية السابقة، مثل رئيسة «الاحتياطي الفدرالي» السابقة جانيت يلين لتولي منصب وزيرة الخزانة، والخبيرة الاقتصادية سيسيليا روس، التي ستكون أول امرأة من أصل إفريقي تقود مجلس المستشارين الاقتصاديين.

ويُنظر إلى يلين بصفة خاصة أنها إحدى الخبرات التي تحظى بدعم من الحزبين، مما قد يساهم في تحسين تنسيق السياسات بين الحكومة والبنك المركزي، وتمهيد الطريق أمام إقرار صفقة تحفيز مالي جديدة مقارنة بتعيين شخصية أكثر إثارة للجدل أو ذات توجه يساري.

وتواجه الإدارة الجديدة العديد من التحديات الاقتصادية، بما في ذلك قطاع الأعمال الصغيرة الذي أدت الجائحة - التي لاتزال في أوجها - إلى تدميره، إلى جانب عمليات الإغلاق على مستوى عدد من الولايات المختلفة، وتفاقم مستويات العجز المالي (15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020)، وارتفاع الدين العام (98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، وتزايد معدلات البطالة على الرغم من تراجعها مؤخرا (6.7 في المئة في نوفمبر) والنزاعات المستمرة مع الشركاء التجاريين الدوليين الرئيسيين.

إلا أن إمكانية طرح العديد من اللقاحات المضادة لكوفيد 19 خلال الفترة المقبلة قد يؤدي إلى تزايد التفاؤل تجاه آفاق النمو الاقتصادي، وعلى الرغم من الضغوط الناجمة عن الجائحة فإن بعض البيانات، التي منها استطلاعات النشاط التجاري وسوق الإسكان، تبدو قوية، مما يشير إلى إمكانية تسجيل الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو معتدلا في الربع الرابع من عام 2020 بعد النمو الجيد الذي شهده الربع الثالث من العام الحالي بنسبة 33 في المئة، لكنه رغم ذلك ما زال هناك بعض المخاطر السلبية الناتجة عن هشاشة مستويات الثقة وضعف سوق العمل.

أما على صعيد السياسات المالية فيبدو أن الكونغرس يركز على حزمة تحفيز مالي جديدة بقيمة 0.9 تريليون دولار (4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، والتي تعتبر أصغر بكثير مما رفضه النواب الديمقراطيون سابقا، إلا أنها تتضمن مساعدة الشركات الصغيرة (288 مليار دولار)، والحكومات المحلية (160 مليارا)، وتمديد إعانات البطالة (180 مليارا)، التي من المقرر أن تنقضي بنهاية العام.

لكن الصفقة لم يتم إقرارها في الكونغرس حتى الآن، في حين اقترح البيت الأبيض خطة بحجم مماثل ولكن بهيكل مختلف، وقد يتم اتباع أي منهما مع تطبيق حزمة تحفيز مالي بقيمة أكبر بعد تنصيب بايدن في 20 يناير المقبل. وفي الوقت ذاته، لايزال «الاحتياطي الفدرالي» ملتزما بسياسة نقدية تيسيرية تتضمن الإبقاء على معدل الفائدة على الأموال الفدرالية عند مستوى 0.0-0.25 في المئة وبرنامج شراء الأصول بقيمة 120 مليار دولار شهريا لفترة غير محددة.

ويمكن أن يتم إدخال المزيد من التدابير التيسيرية (ربما عن طريق زيادة وتيرة شراء السندات أو شراء سندات ذات آجال استحقاق أطول) في اجتماعه المقرر انعقاده في 15 و16 ديسمبر، وعادت مستويات التضخم الأساسي للإنفاق الاستهلاكي الشخصي للتراجع إلى 1.4 في المئة على أساس سنوي في أكتوبر، والذي ما زال أقل بكثير من المستوى المستهدف البالغ 2 في المئة من قبل «الاحتياطي الفدرالي».

 

اقتصاد «اليورو»

يبدو أن عمليات الإغلاق التي سادت أنحاء أوروبا بهدف مكافحة تفشي حالات الإصابة الجديدة بالفيروس منذ أكتوبر الماضي حققت نجاحا جزئيا، على الرغم من توقع انزلاق منطقة اليورو مرة أخرى للركود الاقتصادي في الربع الرابع من عام 2020، وكان الناتج المحلي الإجمالي انتعش في الربع الثالث من عام 2020 بنسبة 12.5 في المئة، لكنه ظل أقل بنسبة 4 في المئة عن المستويات المسجلة بنهاية عام 2019.

كما تراجع مؤشر مديري المشتريات المركب في منطقة اليورو بشكل حاد إلى 45.3 في نوفمبر مقابل 50.0 في أكتوبر، مما يؤكد عودة حالة الانكماش الاقتصادي على خلفية ضعف أداء قطاع الخدمات إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ مايو الماضي، إذ بلغت قراءة مؤشره 41.7.

وكانت معدلات الانكماش ضمن مؤشر مديري المشتريات أقوى في فرنسا (40.6) وإسبانيا (41.7)، إلا أن تلك التراجعات تعتبر أقل حدة مما كانت عليه خلال الموجة الأولى من تفشي الجائحة في وقت سابق من العام الحالي، مما يعكس وفقا للتقرير أداء أقوى في القطاع الصناعي نتيجة تحسن معدلات الطلب الخارجي (والذي يدعم بدوره الخدمات المساعدة) ومرونة تدابير الاغلاق هذه المرة.

ونظرا للوضع الاقتصادي المتدهور والتعهد السابق «بإعادة ضبط» السياسة لدعم الانتعاش، أعلن البنك المركزي الأوروبي، خلال اجتماعه الأخير في ديسمبر، إدخال المزيد من التدابير التيسيرية على سياسته النقدية، إذ قام بتوسيع نطاق برنامج شراء الأصول البالغة قيمته 1.35 تريليون يورو بنحو 500 مليار، وتمديد البرنامج لمدة 9 أشهر إضافية لنهاية مارس 2022، كما وسع برنامج القروض ذات الفائدة المنخفضة للبنوك بشرط استمرارها في الإقراض.

وفي نفس الوقت، خفض البنك آفاق النمو إلى 3.9 في المئة لعام 2021 مقارنة بالتوقعات السابقة البالغة 5.0 في المئة (ومن -7.3 في المئة في 2020)، في حين توقع أن يبقى التضخم عند 1.0 في المئة في العام المقبل، أقل بكثير من المستوى المستهدف 2 في المئة (على الرغم من أنه أعلى من -0.3 في المئة في نوفمبر، على أساس سنوي).

وظل معدل التضخم منخفضا بسبب استمرار قوة اليورو الذي ارتفع بنسبة 13 في المئة مقابل الدولار منذ منتصف مارس، ويمكن للسياسة المالية أيضا أن توفر دعما إضافيا في العام المقبل، إذ وافق الاتحاد الأوروبي أخيرا على ميزانية قدرها 1.8 تريليون يورو لمدة 7 سنوات وصندوق إنعاش يسمح للاتحاد الأوروبي بإصدار نحو 750 مليارا من الديون التي يمكن توفيرها لأعضاء الاتحاد الأوروبي الأكثر تضررا على شكل منح.

ولا تزال المحادثات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن التوصل إلى صفقة تجارية بعد انفصالها عن الاتحاد على المحك حتى وقت كتابة هذا التقرير، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بحقوق الصيد، وما يسمى بقواعد المنافسة العادلة والمعروفة باسم «تكافؤ الفرص» ومسألة تنفيذ نقاط الخلاف الرئيسية.

وسيؤدي عدم التوصل لاتفاق إلى لجوء الجانبين لاتباع قواعد منظمة التجارة العالمية اعتبارا من أول يناير المقبل، والتي تتضمن فرض رسوم جمركية جديدة وتحديد كمية السلع التي يمكن تبادلها تجاريا، وتشمل تلك القواعد على سبيل المثال فرض ضريبة بنسبة 10 في المئة على واردات السيارات، على الرغم من أن المملكة المتحدة ستخفض في نفس الوقت الرسوم الجمركية على مختلف السلع المستوردة من كل الدول بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وانتهى الموعد النهائي للعديد من مباحثات إبرام صفقة في «اللحظة الأخيرة»، مع اتفاق الجانبين على مواصلة المحادثات بعد الأحد 13 ديسمبر.

من جهة أخرى، تلقى اقتصاد المملكة المتحدة دفعة قوية على خلفية الإطلاق المبكر لحملة التطعيم الجماعي ضد فيروس كوفيد 19، والتي بدأت 8 ديسمبر بتلقيح الفئات الأكثر ضعفا، ومن المقرر لها أن تكتمل بحلول أبريل المقبل، إلا أنه من المرجح أن تظل القيود الإقليمية سارية حتى منتصف العام المقبل على الأقل، وسيؤدي انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد بدون التوصل لاتفاقية تجارية إلى التأثير سلبا على الانتعاش الاقتصادي في النصف الأول من عام 2021، ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 6 في المئة عام 2021 مقابل -11 في المئة في العام الحالي.

ارتفاع أسعار النفط في ظل التفاؤل باللقاح

 

ارتفعت أسعار مزيج خام برنت بنسبة 27 في المئة على أساس شهري في نوفمبر، لتنهي تداولات الشهر عند مستوى 47.6 دولارا للبرميل بفضل الأنباء الإيجابية الخاصة باللقاح، وساعد ذلك في التخفيف من حالة الإحباط التي سادت الأسواق نتيجة تدابير الإغلاق خلال فصل الخريف، كما ساهمت تلك الأنباء في تجاهل السوق لقرار «أوبك» وحلفائها زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا، اعتبارا من يناير، رغم ضعف المقومات الرئيسية لسوق النفط.

وكانت الأسواق تتوقع تمديد اتفاقية خفض حصص الإنتاج الحالية (تصل إلى حوالي 7.7 ملايين برميل يوميا) لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، على أن يقوم المنتجون بعد ذلك بتقييم حالة الطلب العالمي على النفط، وإمكانية زيادة الإنتاج بمقدار 1.9 مليون.

وكان خلف هذا القرار رأيان متضادان: من جهة، كان هناك قلق بشأن ضعف أوضاع الطلب العالمي على النفط، في حين كان البعض أكثر ثقة تجاه انتعاش الطلب بفضل اللقاحات، مع عدم الرضا عن استمرار فشل المنتجين الآخرين في الامتثال لحصص خفض الإنتاج الإضافية لتعويض زيادة إنتاجهم خلال الفترات السابقة، وتم الاتفاق في النهاية على حل وسط يتضمن إجراء تقييم شهري للسوق، مع توافر خيار زيادة أو خفض الإنتاج وفقا لذلك.

ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، التي لا ترى إمكانية قيام اللقاحات ضد كورونا بتعزيز الطلب على النفط بشكل كبير حتى عام 2021، فإن أساسيات النفط «أضعف من أن تقدم دعما قويا للأسعار»، وخفضت الوكالة، في تقريرها الشهري عن أداء سوق النفط لشهر نوفمبر، توقعات الطلب على النفط بمقدار 0.4 مليون برميل يوميا في الربع الثالث من عام 2020، وخفض الطلب بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا في الربع الرابع من عام 2020.

كما سيشهد الربع الأول من عام 2021 انخفاض الطلب بمقدار 0.7 مليون برميل يوميا عن التقديرات السابقة أيضا، أما بالنسبة لعام 2020 كله فمن المتوقع أن ينكمش الطلب على النفط بمقدار 8.8 ملايين برميل يوميا، قبل أن ينمو بمقدار 5.8 ملايين عام 2021. وفي حال كان نمو الطلب أقل من التوقعات و/ أو إمدادات النفط من إحدى الدول الثلاث التابعة لمنظمة أوبك (إيران وفنزويلا وليبيا) التي لا تخضع لخفض حصص الإنتاج - إذ تجاوز الإنتاج الليبي مليون برميل يومياً مؤخراً - أو استمر نمو إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة (مثل الولايات المتحدة)، فمن المرجح أن تتعرض الأسعار للضغوط مجددا.

جريدة الجريدة