الدين العام الأميركي يتجاوز 33 تريليون دولار لأول مرة في التاريخ
- تذكير صارخ بالمسار المالي الهش في وقت تواجه واشنطن احتمال إغلاق الحكومة هذا الشهر
- صنّاع السياسات الاقتصادية يحاولون توجيه اقتصاد البلاد نحو الهبوط الناعم
يحاول صنّاع السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة توجيه اقتصاد البلاد نحو الهبوط الناعم، مما يعني خفض التضخم دون حدوث ركود، منذ أن بدأت معدلات التضخم في الارتفاع، وسط تأرجح الأسواق بين الأمل في النجاح، ومخاوف الانزلاق نحو الركود. تجاوز إجمالي الدين القومي الأميركي 33 تريليون دولار للمرة الأولى، اليوم، مما يمثل تذكيراً صارخاً بالمسار المالي الهشّ للبلاد في وقت تواجه واشنطن احتمال إغلاق الحكومة هذا الشهر، وسط معركة أخرى حول الإنفاق الفدرالي، كشفت عن ذلك وزارة الخزانة، في تقريرها اليومي الذي يعرض تفاصيل الميزانية العمومية للبلاد. يأتي هذا في الوقت بدا الكونغرس متعثراً في جهوده لتمويل الحكومة قبل الموعد النهائي في 30 سبتمبر. وما لم يتمكن الكونغرس من تمرير عشرات مشاريع قوانين المخصصات أو الموافقة على تمديد قصير الأجل للتمويل الفدرالي بالمستويات الحالية، فستواجه الولايات المتحدة أول إغلاق حكومي لها منذ عام 2019، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، واطلع عليه موقع «العربية.نت». وخلال عطلة نهاية الأسبوع، نظر الجمهوريون بمجلس النواب في اقتراح قصير المدى من شأنه خفض الإنفاق لمعظم الوكالات الفدرالية وإحياء المبادرات الحدودية الصارمة في عهد ترامب لتوسيع التمويل حتى نهاية أكتوبر، لكن كان للخطة أمل ضئيل في كسر الجمود في الكابيتول هيل، حيث لا يزال الجمهوريون منقسمين بشأن مطالبهم، ومن غير المرجح أن يدعم الديمقراطيون أي تسوية يتوصلون إليها فيما بينهم، وتزايد الجدل حول الديون هذا العام، وتخللته مواجهة ممتدة حول رفع سقف الاقتراض في البلاد. وانتهت هذه المعركة باتفاق بين الحزبين على تعليق سقف الدين لمدة عامين، وخفض الإنفاق الفدرالي بمقدار 1.5 تريليون دولار على مدى عقد من الزمن، من خلال تجميد بعض التمويل الذي كان من المتوقع أن يزيد في العام المقبل، ثم الحد من الإنفاق إلى نمو بنسبة 1% في عام 2025، فالدين في طريقه إلى تجاوز 50 تريليون دولار بحلول نهاية العقد، حتى بعد أخذ تخفيضات الإنفاق التي تم إقرارها حديثاً في الاعتبار، مع تزايد الفائدة على الديون واستمرار نمو تكلفة برامج شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد. ويحاول صناع السياسات الاقتصادية بالولايات المتحدة توجيه اقتصاد البلاد نحو الهبوط الناعم - وهو ما يعني خفض التضخم دون حدوث ركود - منذ أن بدأت معدلات التضخم في الارتفاع، وسط تأرجح الأسواق بين الأمل في النجاح، ومخاوف الانزلاق نحو الركود. ويرى خبراء الاقتصاد أن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق الهبوط الناعم لمرة واحدة فقط، في عام 1995، خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويرجع آلان بليندر، نائب رئيس الاحتياطي الفدرالي، خلال فترة ما بين 1994 و1996، الفضل في هذا النجاح إلى قدرة صناع السياسة النقدية على توجيه الاقتصاد بمهارة عالية، كللت بالحظ الوفير وعدم حدوث عواقب غير محمودة. لكن حالات الهبوط الناعم تعتبر أمراً نادر الحدوث في نظر أنتوليو بومفيم، المستشار السابق لرئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، بسبب صعوبة السيطرة على العملية. وكما هو الحال في الأزمة الحالية، تفاءل العديد من الاقتصاديين في وول ستريت عشية فترات الركود في أعوام 1990، و2001، و2007 بأن الولايات المتحدة في طريقها لتحقيق الهبوط الناعم من خلال احتواء التضخم عبر زيادة معدلات الفائدة، دون إحداث ركود اقتصادي أو التأثير سلباً على سوق العمل. ويواجه نجاح صناع السياسة النقدية في إدارة الاقتصاد الأميركي نحو الهبوط الناعم -وخاصة في ظل ارتفاع التوقعات بتثبيت الفدرالي أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب هذا الأسبوع- أربعة تحديات رئيسية. أولاً: مخاطرة الفدرالي بالإبقاء على ارتفاع أسعار الفائدة مدة أطول تزداد مخاطر تراجع الاقتصاد بصورة حادة في حالة تمسك الفدرالي بالإبقاء على ارتفاع أسعار الفائدة فترة أكثر من اللازم، إذ انتبهت السلطات النقدية في عام 1995 إلى ضرورة الخفض العاجل للفائدة بعد مضاعفة السعر الأساسي للإيداع لدى البنك المركزي إلى 6% خلال فترة الـ12 شهراً حتى فبراير من نفس العام. وأدرك صناع السياسة النقدية حينها أن أسعار الفائدة أصبح مبالغاً فيها بعد تباطؤ النمو الاقتصادي، وهدوء ضغوط الأسعار، وأعرب بيتر بيريزن، كبير المحللين الاستراتيجيين لدى مؤسسة «بي سي إيه» البحثية، عن مخاوفه حيال إبقاء الفدرالي على ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة دون داع، نتيجة استشعاره الحرج من البدء في التخفيض بمجرد التوقف المتوقع عن المزيد من رفع الفائدة. ثانياً: تسارع النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة أظهرت البيانات الأخيرة تسارع الإنفاق الاستهلاكي، ونشاط الأعمال في الآونة الأخيرة، على العكس من السيناريو المتوقع وسط رفع الفدرالي الفائدة عند أعلى مستوياتها خلال 22 عاماً، حيث يفترض أن يتراجع كل من إنفاق الشركات وعمليات التوظيف، نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض وانخفاض أسعار الأصول. لذا فقد يعتقد الفدرالي خطأً أنه في حالة استمرار الأوضاع الاقتصادية على نفس المنوال، فإنه سوف يضطر إلى اللجوء لمزيد من رفع الفائدة. ثالثاً: ارتفاع أسعار النفط ومخاطر الركود التضخمي تهدد مخاطر ارتفاع أسعار النفط بدفع التضخم نحو الارتفاع مجدداً، بينما تعمل في نفس الوقت على تراجع معدل النمو الاقتصادي نتيجة تباطؤ الإنفاق العام في ظل ارتفاع فاتورة الطاقة. وأوضح بليندر أن صدمة الركود التضخمي في تلك الحالة هي أبعد ما يكون عما يرجوه الفدرالي أثناء توجيه الاقتصاد نحو الهبوط الناعم. رابعاً: مخاطر انهيار الأسواق وارتفاع تكاليف الاقتراض يرى العديد من المحللين أن التغير السريع في تكاليف الاقتراض حول العالم، والآثار المتأخرة لرفع أسعار الفائدة في السابق تمثل مصدرا لعدم الاستقرار الاقتصادي. وأبقى الفدرالي أسعار الفائدة قرابة الصفر خلال السنوات السبع التالية على الأزمة المالية العالمية في عام 2008، بينما انخفض سعر الفائدة إلى الصفر بالفعل أثناء سنوات الجائحة، ونتيجة لذلك فإن العديد من المؤسسات المالية والشركات وضعت خططاً استثمارية مبنية على توقعات استمرار انخفاض الفائدة لفترات زمنية أطول مما حدث. وقال الرئيس التنفيذي لمصرف «جيه بي مورغان تشيس» جيمي ديمون، خلال مؤتمر الأسبوع الماضي، إن رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية إضافية، سوف يضع المزيد من الأعباء على القطاعات المصرفية والعقارية. وحذر ديمون من أن ارتفاع عجز الموازنة العامة، الذي يتم تمويله بواسطة المستثمرين، في الوقت الذي يخفض الفدرالي محفظته من السندات الحكومية البالغة 8.1 تريليونات دولار، سوف يؤدي إلى ارتفاع الفائدة على قروض الرهن العقاري وديون الشركات، بالتزامن مع تراجع عوائد هذا النوع من الأصول نتيجة وفرة المعروض بواسطة الفدرالي.
جريدة الجريدة