البنوك تشعل المنافسة على المال الحكومي: 4 في المئة على 75 مليون دينار... لسنة!

ضمن مزايدة على 3 ودائع استقطبت أعلى سعر في 12 عاماً

كشفت مصادر لـ«الراي» أن هناك سباقاً مصرفياً تنامى في الأيام الأخيرة نحو الودائع الحكومية، للدرجة التي أشعلت فيها بعض البنوك أسعار الفائدة المقدمة منها على هذه الأموال، لتسجل مستويات جديدة، غير مسبوقة منذ العام 2008، بمعدل قارب نحو 4 في المئة.
وفي التفاصيل، عُلم أن إحدى الهيئات الحكومية، طرحت في الأسبوعين الماضيين مزاداً على 3 ودائع، أكبرها بـ75 مليون دينار لمدة سنة، والثانية بـ20 مليوناً لمدة سنة أيضاً، والثالثة بـ48.8 مليون لفترة 6 أشهر، وقد شاركت جميع المصارف في المزايدة على الودائع الثلاث، من خلال تقديم عروض أسعار في أظرف مغلقة.
ودفع البنك الفائز أعلى سعر لوديعة حكومية منذ 12 سنة تقريباً، بمعدل بلغ تحديداً 3.91 في المئة للوديعة الكبيرة.
وجاء ثاني أعلى الأسعار بفائدة تصل لـ3.9 في المئة، أما بقية الأسعار المقدمة فكانت بعيدة عن مستوى أعلى الأسعار، ومتنوعة، وكان أقلها 2.875 في المئة، في حين جاء أعلى سعر على الوديعة الثانية عند 3.9 في المئة، والثالثة بـ 3.7 في المئة.
وفيما لا تحتوي طريقة الجهة الحكومية في طرح ودائعها من خلال أظرف على أسعار مغلقة، جديدة، أظهرت الأسعار العالية المقدمة وتباينها أن كل بنك قدم السعر الذي يناسب احتياجاته من هذه الأموال، وليس وفقاً لأسعار الودائع المتداولة في السوق.
وإذا كان المال الحكومي حقق في هذه الحالة مكاسب عالية، بتسجيل نسبة عائد أعلى من كل مرة، وسط تنافس كبير بين بعض المصارف، يرجّح أن يسهم بقاؤه مستقبلاً في دفع أسعار الفائدة لمزيد من الصعود، أو أقله للاستقرار عند المستويات الحالية، إلا أن هذه المزايدة عكست مؤشرات هامة، ليس أقلها وجود حاجة غير مسبوقة لدى بعض المصارف للأموال الحكومية، والتي تستخدم عادة في ترتيب صافي نسب التمويل الثابتة (NSFR) والتي تتعلق بالودائع التي تزيد أعمارها عن سنة.
ومن الواضح أن ثمة تغيراً طرأ على مستويات السيولة لدى البنوك، ما ربطه البعض بتداعيات سحب المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لجزء من ودائعها في البنوك المحلية خلال الفترة الأخيرة، وذلك في مسعى منها لإعادة توظيفها في فرص استثمارية مناسبة، ما دفع بعض البنوك إلى التحرك نحو تعويض الفراغ الذي يتعين ملؤه من مصادر أخرى توفر السيولة طويلة الأجل لتعديل نسب «المركزي» في احتساب الأموال طويلة الأجل.
وإلى ذلك، كشف نقاش مصرفي فُتح أخيراً أن بعض البنوك تواجه تحديات في استيفاء نسب السيولة المطلوبة من «المركزي» على المدى الطويل، ما يستدعي رقابياً إعادة النظر في بعض القرارات التنظيمية.
وبالمناسبة، لا يعني أن بعض المصارف تواجه شحاً في تنظيم نسب سيولتها على المدى الطويل، أنها تعاني من نقص أموال، فمعلوم أن جميع البنوك المحلية تتميز بارتفاع فوائضها من السيولة حالياً، والتي تسمح لها بتوسعة نشاطها في الإقراض، دون الاعتماد على سوق التمويل الذي يعد أكثر تكلفة.
كما أن البنوك المحلية تحتفظ بمصدات مالية قوية، ووفقاً لجهات التصنيف العالمية يتمتع النظام المصرفي الكويتي بنظرة مستقرة، وما يزيد من ملاءة البنوك لجهة فوائض السيولة، أنها تتسابق أيضاً نحو توظيف أموالها في السندات الحكومية بمعدلات فائدة لا تستقيم مع الأسعار المتداولة في السوق، حيث تقبل بأسعار أقل.
لكن الضعف المقصود في نسب السيولة في هذه الحالة، والذي ناقشه مسؤولون مصرفيون أخيراً، يتعلق بطريقة احتساب نسب التدفقات النقدية الداخلة للبنك، مقابل الخارج منه على المدى الطويل، وفقاً لمعايير بازل، وتعليمات «المركزي».
وبيّنت المصادر أن هذا النقاش أظهر توافقاً على أن تتقدم البنوك إلى الناظم الرقابي بمقترح يقضي بإعادة النظر في تعليماته المنظمة لنسب السيولة، بحيث تكون هناك مرونة أكبر في احتساب هذه النسب، لا سيما المقررة على المدى الطويل.
ويعتقد المصرفيون أن استمرار سحب «التأمينات» لودائعها من البنوك المحلية، أو في حال أقدمت جهة حكومية أخرى على الاتجاه نفسه، سيعرّض أسعار الفائدة على الودائع لمزيد من الارتفاعات إلى الحدود التي من شأنها رفع كلفة الأموال على البنوك.
ورجّحت المصادر أن يتقدم كل بنك خلال الفترة القريبة المقبلة بتصوراته في هذا الخصوص، على أن تتم دراستها، للتوصل إلى مقترح مصرفي محدد يقدم إلى «المركزي» ليتخذ فيه قراره، فيما شددت المصادر على أن جميع البنوك متفقة على أن المتطلبات الرقابية الصارمة حمتها من التعرض للصدمات العنيفة، وأن المطالبة بإعادة النظر في تقدير نسب سيولتها على المدى الطويل لا تتعارض مع هذه القناعة.
وقالت «نعم جميع البنوك الكويتية تملك رساميل قوية بدعم من المتطلبات التنظيمية التي راعت تنفيذ متطلبات اتفاقية (بازل 3) وتزيد في بعض المتطلبات، إلا أن المتغيرات التي حدثت في الفترة الأخيرة تحتاج إلى إعادة النظر في تقدير نسب السيولة المطلوبة، بما ينسجم مع المستجدات، سواءً لجهة التعليمات أو لمراكز البنوك المحلية القوية حالياً».

جريدة الراي