اختلاف الاقتصاد الروسي عن دول «أوبك» رجح إخفاق الاتفاق
انخفاض أسعار النفط يدفع دول الخليج إلى إعادة هيكلة اقتصادها
أكد عدد من الخبراء النفطيين أن رفض روسيا لتوصيات منظمة «أوبك» الأخيرة بمزيد من الخفض، الذي يبلغ 1.5 مليون برميل إضافية، إلى جانب الخفض المتفق عليه من قبل، كان متوقعاً، لأنها ترى أن هذا الخفض الجديد ليس في مصلحتها، إلى جانب أنها لا تنتمي إلى «أوبك» بشكل أساسي.
وأفاد الخبراء، في تحقيق أجرته «الجريدة»، بأن انخفاض الأسعار سيؤثر بشكل واضح على الموازنة الكويتية الجديدة، وسيعمل على خلق عجوزات فعلية في الميزانية، معربين عن اعتقادهم بأن الموازنة ستتأثر فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، حتى تعاود أسعار النفط صعودها المتوقع مجدداً، خصوصا إذا ما تم احتواء فيروس «كورونا» خلال الصيف المقبل.
وأضافوا أنه لا يمكن «أن نجزم بوجود حرب أسعار، لأن انخفاض الأسعار سببه الرئيسي ليس فائض الإنتاج، بل هناك أسباب أخرى كالركود الاقتصادي، وعجز السياسات المالية عن احتوائه، وكذلك «كورونا» وآثاره الاقتصادية، لاسيما أنه أثر على الصين بشكل كبير، مما أدى إلى انعكاسات اقتصادية عالمية».
وأشاروا إلى أنه في حال احتواء «كورونا» فمن الممكن أن ينشط الوضع الاقتصادي أكثر مما هو متوقع، الأمر الذي قد يزيد الطلب على النفط، مما يساعد على المحافظة على الأسعار ما بين 45 و55 دولارا للبرميل، حتى نهاية العام الحالي، وإلى التفاصيل:
بداية، رأى الباحث في شؤون الطاقة د. مشعل السمحان أن رفض روسيا لتوصيات «أوبك» الأخيرة، كان متوقعا، لكون هذا الرفض الروسي للخفض الجديد جاء بما يتناسب ومصالحها، فضلاً عن أن روسيا لا تنتمي إلى المنظمة بشكل أساسي.
وأشار السمحان إلى أن الضغط على الأسواق النفطية جاء في توقيت يجعله مضاعفا بسبب فيروس «كورونا»، مما يخلق تراجعا على طلب النفط، ويعمل على وجود وفرة في الإنتاج من دول منتجة للخام ستؤدي حتما إلى ضربة في الأسعار.
وأوضح أن المصالح تلاقت في السنوات الأخيرة، مما جعل اتخاذ قرار الخفض مناسباً لجميع دول «اوبك بلس»، إلا أن الوضع الاقتصادي في بعض دول هذه المنظمة اختلف، لذلك قررت روسيا الابتعاد قليلا عن اتخاذ قرار المشاركة في الخفض الأخير، لأن تركيبة الاقتصاد الروسي تختلف تماما عن باقي اقتصادات دول «اوبك».
الميزانية الكويتية وهزة الأسعار
وقال إن ارتفاع بنود ميزانية الكويت العامة، مع الاسعار الحالية المتدنية للخام، يضع الميزانية في منطقة الخطر، حيث كانت الكويت تضع ميزانيتها بعيداً عن الهزات التي كانت تحوم حول اسعار النفط، إلا أن السنوات الأربع الأخيرة شهدت تأثيرا واضحا على الميزانية العامة للدولة، وسيتم اعلان عجوزات في الميزانية بسبب تقلص الإيرادات، لافتاً إلى أن الميزانية المعلنة دائما ما تكون بدون أرباح الاستثمارات التابعة للهيئة العامة للاستثمار.
واعتبر أنه من الصعب التكهن بنظرة بعيدة حول الأسعار، غير أن «الأسعار ستشهد تحسنا وستتعافى خلال الأشهر المقبلة بشكل كبير الى حد ما»، مبينا أن «اوبك» لم تنجح في قراراتها الأخيرة؛ التي كانت «بمنزلة مخدر، وطفت على أثرها الأزمة على السطح، بسبب الإمدادات الكبيرة وفيروس كورونا».
وأضاف أن الأسعار الخاصة بالخام تقبع تحت مظلة أساسيات السوق، لذلك جاءت بالنتائج الحالية من تدهور الأسعار.
عدم التعجل
من ناحيته، قال الخبير النفطي كامل الحرمي، إن أسعار النفط انخفضت إلى ما دون الـ50 ووصلت عند الـ45، لعدم موافقة روسيا على الخفض بالمعدل المقترح وهو الـ1.500 مليون برميل في اليوم مع بداية الشهر المقبل، ليكون إجمالي الخفض عند 3.2 ملايين برميل.
وأضاف الحرمي «كان من الحصافة الا تتعجل «اوبك» في عقد اجتماع لمنظمة «أوبك بلس» في تلك الظروف الحالية، خصوصا مع انتشار وامتداد «كورونا»، حتى تتضح الرؤية الخاصة حول الاقتصاد الصيني تحديدا، والتي تعد ثاني أكبر قوة اقتصادية وأكبر دولة مستوردة ومستهلكة للنفط، لاسيما أن الصين أعلنت خفض استهلاكها من النفط بحوالي 3 ملايين برميل يوميا، وأن نمو أو زيادة الطلب الحالي على النفط بحدود 500 ألف برميل قابل للنزول».
النفط الصخري
وأضاف أن روسيا ترى أن أي خفض جديد للانتاج قد يكون في مصلحة إنتاج النفط الصخري الأميركي؛ في حين أن معظم دول المنظمة لم تلتزم بخفض الإنتاج مثل نيجيريا والعراق، ومتطلباتها المالية المتلاحقة والمتراكمة، والجزائر وأنغولا، ومع غياب فنزويلا وإيران، ولم تلتزم أيضا روسيا وشركاتها بالخفض.
وتساءل الحرمي «ماذا علينا ان نعمل والدول النفطية بحاجة إلى خفض العجز وليس في زيادة العجز المالي الحالي، وكيفية زيادة سعر النفط وهو الآن خارج إطار المنظمة النفطية مع غياب روسيا المكمل لأوبك؟، وهل نترك الأسواق تقود الأسعار إلى حين أم سنذهب مرة اخرى إلى روسيا لإعادة التحالف النفطي؟، وكيف؟، وهل سنستمع لرأيهم بأن يكون الخفض حتى نهاية شهر يونيو بدلا مع نهاية العام الحال كما هي رغبة دول أوبك؟».
بصيص أمل
وأشار إلى أن الأمر الآن أصبح أكثر تعقيدا، ولا يوجد بصيص أمل أن يصل سعر النفط إلى 60 دولارا حتى نهاية العام الحالي؛ منوها الى أن «أوبك» لم تؤد واجبها بالشكل المطلوب، وكانت النتيجة الحتمية انهيار الأسعار، واختتم بتساؤل، كيف علينا الآن ان نعيد سعر النفط إلى نطاق الـ 50 دولاراً تحت الظروف الاقتصادية والصحية الحالية؟
تأثر الجميع
من ناحيته، قال نائب مدير البرامج الأكاديمية- الكلية الأميركية الدولية د. عواد النصافي، إن «انهيار اتفاق أوبك والرفض الروسي للاستمرار بمزيد من التخفيض سيؤدي حتماً إلى انخفاض الأسعار الى ما دون 40 دولارا للبرميل، وسيؤثر على الجميع، سواء في روسيا أو في منطقة «أوبك» اذا ما أضفنا سببا آخر، وهو الركود الاقتصادي الحاصل وازمة وباء كورونا».
وأضاف أن الرفض الروسي له ما يبرره في هذا المجال من الناحية السياسية والاقتصادية، خصوصا مصالحها في الشرق الأوسط، ولكن باعتقادي أن هذا الرفض لن يستمر طويلا، لأنه سيؤثر على الموازنة الروسية بالدرجة الأولى، ولن تستطيع ان تصمد طويلا في هذا الاتجاه، إذا ما أخذنا في الاعتبار الخفض الذي قامت فيه «ارامكو» يوم الأحد الماضي.
صمود الخليج
وأشار النصافي إلى أن الدول الخليجية تستطيع الصمود فترة اطول من الروس في حال انخفاض الأسعار، مستفيدة من الفوائض المالية السابقة، إلا أنها ستؤثر على موازناتها بشكل كبير.
وأعرب عن تصوره أن انخفاض الأسعار بسبب عدم الاتفاق لن يدوم أكثر من 3 أشهر، لأنه بأي حال من الأحوال الطلب على النفط بوجود الركود الاقتصادي و»كورونا» هما السبب الرئيسي في انخفاض الطلب، وفي حال عدم الاتفاق فلن يتمكن أحد من تسويق وبيع الحصص الموزعة في الاتفاق السابق.
وحول تأثر الكويت من انخفاض الأسعار، فقد أفاد النصافي بأنه حتماً سيؤثر على الموازنة الجديدة، وسيخلق عجزا فعليا فيها بدلا من العجز الدفتري في الوضع الحالي وانخفاض السوق المالية، أمس الأول، بأكثر من 10 في المئة ما هو إلا ردة فعل لعدم الاتفاق على خفض الحصص؛ معربا عن اعتقاده أن الموازنة ستتأثر لفترة من 3 إلى 6 أشهر حتى تعاود اسعار النفط صعودها المتوقع مجددا، خصوصا اذا ما تم احتواء «كورونا» خلال فترة الصيف المقبل.
حرب أسعار
وقال «لا نستطيع الجزم بإمكانية حدوث حرب اسعار، لأن انخفاض الأسعار سببه الرئيسي ليس فائض الإنتاج إنما هناك أسباب أخرى شكلت وضع الأسعار كالركود الاقتصادي، وعجز السياسات المالية من احتوائه، وكذلك كورونا، واثارة الاقتصادية، خصوصا انه قد اثر على الصين بشكل كبير، مما أدى الى انعكاسات اقتصادية عالمية.
وأشار إلى أنه في حال احتواء «كورونا» فمن الممكن أن ينشط الوضع الاقتصادي اكثر مما هو متوقع، وبدوره سيزيد الطلب على النفط، مما يساعد على المحافظة على اسعار ما بين 45 - 55 دولاراً للبرميل.
وقال إن «انخفاض اسعار النفط ليس بالأمر السيئ بشكل مطلق، لأنه سيساعد الدول الخليجية بسرعة إعادة هيكلة اقتصاداتها، وتقليل الدور الحكومي في الاقتصاد، والاعتماد على قطاع خاص قوي يخلق فرص عمل حقيقية وصناعات رديفة للنفط، وسيساعد في تخفيض عوامل التضخم وخلق فرص استثمارية بأسعار مناسبة جديدة، وتبدأ مراحل نمو اقتصادية تعتمد على قطاعات انتاجية جديدة».
تباطؤ الإيرادات
بدوره، قال المحلل النفطي أحمد كرم، إن «عدم اتفاق اوبك مع المستقلين كروسيا على خفض انتاج جديد للنفط سيعمل على تباطؤ الإيرادات النفطية لدول المنظمة، وعليه ستستمر اسعار النفط العالمية في الانخفاض خلال الفترة المقبلة؛ الا إذا ما تحركت «اوبك» وسعت الى مزيد من خفض الإنتاج للحفاظ على توازن الأسواق».
وأضاف أن انخفاض أسعار النفط الى ما دون 40 دولارا للبرميل سيضع ميزانية الكويت في دائرة العجز الكبير، إذ إن سعر البرميل لتعادل الموازنة العامة هو تقريبا عند 75 دولارا.
فترة عصيبة
وتوقع كرم أن تكون الفترة المقبلة لأسعار النفط عصيبة، إذ إن جميع المؤشرات والعوامل الاقتصادية ومعدلات النمو العالمية، وأيضا ظهور «كورونا» يجعل كل التوقعات سلبية لأسعار النفط.
ونوه إلى أن انخفاض اسعار النفط بهذا الشكل قد يكون نتيجة لحرب خفية تدار من الدول الكبرى روسيا وأميركا والصين، وهي حرب اقتصادية تجارية يراد منها الزعامة والتحكم العالمي.
جريدة الجريدة