اتحاد شركات الاستثمار : المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتضرر الأكبر من أزمة «كورونا»
نسعى إلى تحسين بيئة الأعمال وتحفيز الاقتصاد من آثار الجائحة
صرح اتحاد شركات الاستثمار بأن لجنة السياسات الاقتصادية لديه عقدت عدداً من الاجتماعات لبحث إمكانية تحفيز البيئة الاقتصادية ووضع آليات شركات الاستثمار في تحسين بيئة الأعمال وتحفيز الاقتصاد من آثار جائحة كورونا.
وقال الاتحاد، في بيان: تسببت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد في شلل الاقتصاد العالمي، حيث يقف العالم اليوم ليشاهد ما يحدث من تطورات جديدة لهذا الفيروس، بعد تسلله إلى أغلبية دول العالم، وما سببه من أضرار للاقتصاد العالمي وإحداث خلل في أسواق المال والنفط والسياحة وغيرها من القطاعات، مما دفع بالدول إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذ الأسواق والحد من انتشار الفيروس وتأثيره السلبي على الأداء الاقتصادي للدول.
وأضاف الاتحاد: ونحن في الكويت لسنا بمنأى عن بقية الدول، فإننا نواجه اليوم آلام هذه الأزمة على مستويين، الأزمة الصحية والأزمة الاقتصادية التي باتت تشكل تحديا على المستوى المعيشي ومستقبل الأجيال القادمة في دولة الكويت، ولا يخفى على الجميع ما يدور في الساحة من حلول وعلاجات مطروحة على رأسها قانون الدين العام والاقتراض من صندوق الأجيال القادمة لتغطية العجز في موازنة الدولة، وهي حلول لها مؤيدون ومعارضون، وهذه الحلول أو الأطروحات إن صح التعبير لا يمكن الجزم بمدى جدواها، خصوصا إذا غابت عنها النظرة الشمولية والخطط المُحكمة.
وتابع: انبثقت الأزمة لتكشف أن المتضرر الأكبر في خضم هذه الأزمة في نظرنا هي المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهي في الغالب شركات تعتمد اعتمادا مباشرا على المبيعات في تمويل نموها وسداد التزاماتها، وتفاقمت مشاكلها مع إغلاق الاقتصاد والتباعد الاجتماعي، فما كان لهذه المشاريع إلا أن تعرّضت لتدنّ في مبيعاتها، وللتوقف الكلي في بعض الأحيان حتى بالنسبة لأكثر المشاريع نجاحا ما قبل الأزمة.
شركات الاستثمار
وقال الاتحاد: نعتقد أن جزءا من مشاكل القطاع الخاص يأتي حلها من القطاع الخاص نفسه، فأزمة كالتي نحاكيها اليوم لا يقتصر حلّها من جانب واحد أو جانبين فقط، كالمال العام والقطاع البنكي، فهناك آليات يمكن الاستفادة منها من خلال إشراك القطاع الخاص كجزء من الحل، فالكل باستطاعته تقديم ما يلزم من جانبه للنهوض بالاقتصاد.
وأضاف: هنا نحن نتطلع بدفع الجهات المعنية إلى سنّ تشريعات وخطط تعالج مشاكل جذرية على المدى الطويل لنخرج باقتصاد متكامل ومتين يلبي احتياجات الأجيال والمرحلة القادمة.
وذكر أنه: تتوافر لدى شركات الاستثمار من خلال أنشطتها المرخصة من قبل الجهات الرقابية أدوات مختلفة تستطيع من خلالها تحريك الأموال تجاه القطاعات الاقتصادية المختلفة حسب الحاجة وحسب الخطة المرسومة، فلديها على سبيل المثال المحافظ الاستثمارية والصناديق العقارية والشركات ذات الطابع الخاص، وهي بطبيعة حالها أكثر مرونة من البنوك والمال العام.
وتطرق الاتحاد إلى أن الحلول المقترحة كالتالي:
1- صناديق استثمار رأس المال المغامر
في هذا الجانب، نسلط الضوء على الدور الحيوي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد العالمي، وهذا ما تم تناوله بشكل مكثف في الأدبيات الأكاديمية والمهنية، ولا يخفى على القارئ أهمية الدور الذي يؤديه القطاع العام في رعاية واستثمار أفكار وابتكارات الشركات الناشئة.
وأضاف: ففي جميع أنحاء العالم المتقدم والدول الناشئة، تعتبر الحكومة بشكل أو بآخر مستثمرًا استراتيجيًا على المدى الطويل لهذه المشاريع، ومعظم الشركات الناشئة والمبتكرة في العالم اليوم موجودة ومستمرة بسبب أخذ الحكومة والقطاع الخاص معاً لجانب المخاطرة والاستثمار في هذه الشركات. وتشير د. مازوكاتو في كتابها الفذ «الدولة الريادية» إلى أدلة على الدور الحاسم للاستثمارات الحكومية في التقنيات الحديثة المستخدمة في جميع أنحاء العالم، مثل الإنترنت ونظام تحديد المواقع العالمي وتقنية البطاريات، على سبيل المثال لا الحصر.
وخلص الاتحاد إلى أنه لولا استثمارات الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص لما كان هذا الاختراق التكنولوجي والطفرة الصناعية الرابعة لتحدث.
وتابع: إذا نظرنا الى اقتصادنا المحلي، يعتبر القطاع العام المدعوم بإيرادات النفط هو المحرك الرئيسي للاقتصاد، في حين يساهم القطاع الخاص بأقل من 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. تستلزم رؤية الكويت 2035 أن يبرز دور القطاع الخاص إلى الصدارة، ويكون المساهم الأساسي في توفير فرص العمل ومصدر الدخل الرئيسي للفرد. وهو عكس المعمول به حاليا، إذ يشغل القطاع الخاص اليوم 20 بالمئة من القوى العاملة الكويتية ومساهمته ضئيلة في الموازنة.
ولفت الاتحاد إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات المتقدمة تشكل نسبة الأغلبية من توظيف القوى العاملة، حيث إنه استناداً إلى إحصاءات البنك الدولي، تشكل تلك الشركات 90 بالمئة من الأعمال حول العالم، وتشغل نسبة ٥٠ بالمئة من الوظائف، وتشكل 40 بالمئة من الناتج القومي للدول الناشئة. وإذا قارنّا ذلك في اقتصادنا المحلي، فشركات القطاع الخاص تشكل 19 بالمئة من إجمالي القوى العاملة، ناهيك بالشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك ما يدل على الفارق الكبير الذي نسعى لتلبيته للنهوض بالاقتصاد وتوفير فرص العمل للأجيال القادمة.
وتابع: من خلال إنشاء شراكة استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، يمكن أن يزدهر قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في الكويت.
وذكر أنه في عام 2013 ، أعلنت حكومة الكويت التزامها بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال إنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقيمة ملياري دينار، وأن قيمة العقود الموقعة لم تتعدّ 147 مليون دينار منذ إنشائه. بعد 7 سنوات من التحضير، نعتقد بأن الوقت قد حان لقطاع الاستثمار لتقديم خبرته ومعرفته لتحقيق نظرة الكويت 2035 ، أي بعد 15 سنة من الآن، وفي مقياس الخطط الاستراتيجية للدول، يعتبر هذا الوقت قصيرا جداً.
آلية التطبيق
وقال الاتحاد في البيان: تتوافر اليوم لدينا في الكويت التشريعات اللازمة والأرضية القانونية لإنشاء صناديق رأس المال المغامر، وهي تسمية غريبة بعض الشيء، لكنها ليست سوى إتاحة الفرصة للمستثمرين في الدخول والمساهمة في الشركات الناشئة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تكون بطبيعتها شركات واعدة، وفي الوقت نفسه عُرضة للخسارة، لكونها شركات جديدة وقليلة الخبرة. وهو ما يجعل هذا النوع من الاستثمارات مقبولا لدى المستثمرين المحترفين لمعرفتهم المسبقة أن نجاح شركة واحدة أو شركتين في هذا النوع من الصناديق يغطي الخسارة من بقية الشركات وتحقيق أرباح تفوق خمسة أضعاف القيمة الإجمالية المستثمرة.
وذكر أنه من المقترح أن تؤسس شركات الاستثمار صناديق رأس المال المغامر تحت رقابة هيئة أسواق المال برخصة «مدير محفظة» أو «مدير نظام استثمار جماعي»، حيث توجه رؤوس الأموال تجاه شركات المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي مقرها دولة الكويت فقط، وتقوم شركات الاستثمار بجمع رأس المال من عملائها، وفي المقابل تضخ الدولة رأسمال مماثلا لما تجمعه الشركة الاستثمارية في الصندوق.
ولفت إلى أنه على سبيل المثال، إذا جمعت الشركة 10 ملايين دينار من عملائها، تضخ الدولة مبلغا يصل الى 10 ملايين في الصندوق، وبذلك تضمن الدولة توجيه الأموال المستثمرة للشركات التي لديها القدرة على جمع رأس المال والخبرة في توظيفه من عملائها، قبل أن يتم استخدام المال العام، وبذلك تكون الدولة وشركة الاستثمار شركاء في دعم المشاريع الناجحة، وهم كذلك شركاء في تحقيق الربح والخسارة على فترة استثمار طويلة.
2- تشريع نظام كامل يخدم مجال التمويل التقني
وأضاف الاتحاد: من الناحية الإيجابية، اذا نظرنا الى الأزمة اليوم، نرى تسابق الشركات نحو التحول الرقمي بما فيها شركات الخدمات المالية، لكن الكويت اليوم تفتقر الى البيئة التشريعية المناسبة لإطلاق الخدمات المالية الالكترونية، الأمر الذي يعيق مواكبة اقتصادنا لاقتصادات الدول من حولنا.
وتابع: على سبيل المثال للخدمات المالية الرقمية ما يسمى بالتمويل الجماعي (Crowd Funding) وهي عبارة عن منصات مالية تتيح لأصحاب المشاريع الصغيرة الاستعانة بعموم المستخدمين بجمع رأسمال على صورة تمويل أو استثمار او دفع مسبق لبضاعة أو خدمة من خلال تجميع مبالغ متناهية في الصغر قد تصل الى 100 دولار. من خلال هذه المنصات، يكون لأصحاب المشاريع الصغيرة طرق بديلة للحصول على الأموال لمزاولة أنشطتهم، خصوصا في فترة الأزمات كالتي نواجهها الآن.
وأردف: مع ظهور شبكة الإنترنت وبعدها تطبيقات التواصل الاجتماعي التي سهلت عملية الربط بين الأشخاص ونقل الأفكار والمشاريع بين المستخدمين والمبادرين ارتفع عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة، ولم تظهر منصات التمويل الجماعي بشكل موسع إلا بعد الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨، حيث ارتكزت على معطيات التواصل بين الأشخاص لتلبية حاجة السوق من شح في السيولة.
ولفت إلى أنه توجد كذلك نماذج أخرى للخدمات المالية الرقمية كربط البنوك في المحفظات الإلكترونية (e-Wallets) وقنوات الدفع الالكتروني وتقديم الاستشارات الاستثمارية الروبوتية (Robo Advisory)، وهي مطبقة على استحياء في الكويت تحت مظلات البنوك المحلية، وهو ما سيتم تناوله في مناسبات لاحقة.
التطبيق العملي
وقال الاتحاد: نظرا إلى تشابك الاختصاصات في هذا الموضوع مع أجهزة مختلفة من الدولة بين هيئة أسواق المال والبنك المركزي ووزارة التجارة، نقترح تشكيل فريق عمل من جميع هذه الجهات بما فيها ممثلون عن اتحاد شركات الاستثمار تحت مظلة واحدة، ويقدم الفريق المقترحات لتوضيح والدفع بالقوانين واللوائح اللازمة لتوفير بيئة العمل اللازمة للخدمات المالية الرقمية Fintech، وبعد ذلك يتسنى لشركات الاستثمار جلب الخبرات الخارجية من منصات للتمويل الجماعي أو إنشاء أذرع لها لذات الغرض، والأفضل من ذلك، قيام المبادرين بإطلاق منصات مبتكرة تلبي احتياجات السوق المحلي، بما لا تشكل معه عبئاً على ميزانية الدولة أو القطاع المصرفي، حيث إنها تربط المستثمرين بالمشاريع بشكل مباشر، ويكون دور شركات الاستثمار هو إدارة تلك المنصات وفقاً للضوابط المعمول بها والخاصة بإدارة أموال العملاء وأصولها وأخلاقيات العمل ذات العلاقة، ويمكن أن يتقدّم اتحاد شركات الاستثمار بمقترح إلى هيئة أسواق المال بمسودة تشريع يضاف إلى مواد اللائحة التنفيذية للقانون رقم 6 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية لتنظيم العمل بمنصات التمويل الجماعي التشاركي، والذي يمكن من إضافة نشاط جديد إلى الأنشطة الواردة في الكتاب الخامس (أنشطة الأوراق المالية والأشخاص المسجلون) من اللائحة التنفيذية المشار إليها، إضافة إلى عدد من المواد في كتب اللائحة التنفيذية ذات العلاقة.
ختم الاتحاد بيانه قائلا: إننا بحاجة ملحّة إلى أن نضع الحلول للازمة الاقتصادية الحالية، وأن نسارع في التنفيذ، فالأزمة اليوم ليست كمثيلاتها في السابق، إذ لها جانب صحي يصعب معه التنبؤ بما يخبئه المستقبل لنا، ولكن من المؤكد ولا اختلاف عليه بين اثنين هو أنه علينا أن نعيد النظر في تركيبتنا الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل، ناهيك بإبراز دور القطاع الخاص في المساهمة بموازنة الدولة وتوفير فرص العمل للقوى العاملة من الأجيال القائمة.
كل ذلك يتطلب الكثير من التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، وهو طريق صعب ووعر، لكنه لن يعيق عجلة التقدم.
وأضاف: نحتاج اليوم إلى غرس ثقافة بيئة الأعمال، وهي ثقافة موجودة ومتأصلة في المبادرين من الطاقات الشبابية، ولكن بحاجة إلى مضاعفتها لتغطي الجانب الأعظم من القوى العاملة وغرس روح الإبداع والمغامرة المدروسة، وكل ذلك يأتي بعد فرش الأرضية القانونية والبيئة التشريعية اللازمة لدعم هذا التوجه.
جريدة الجريدة