أسواق النفط تواصل تعرضها للتقلبات المرتبطة بالصراع الروسي - الأوكراني
«الوطني»: الأسعار لأعلى مستوياتها في 9 أسابيع مع تحول الأنظار نحو سوق منتجات التكرير
استمر تعرض أسواق النفط للتقلبات الملحوظة المرتبطة بالصراع الروسي-الأوكراني، والشكوك المتعلقة بتوقعات العرض والطلب على النفط على المدى القريب.
وأنهى مزيج خام برنت تداولات يوم 27 مايو عند مستوى 119.4 دولارا للبرميل (+9.2 في المئة منذ بداية الشهر، +53.5 في المئة منذ بداية العام)، في ظل انخفاض مخزونات النفط الخام، وزيادة أنشطة التكرير في الولايات المتحدة. وكان انخفاض العرض واضحاً في زيادة العلاوة السعرية لأسعار خام برنت قصرة الأجل.
وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، تحركت أسعار النفط ضمن نطاق محدود عدة أسابيع، إلا أنها تحررت أخيراً من هذا النطاق خلال الأسبوع الماضي، لتصل لأعلى مستوى لها منذ نهاية مارس الماضي في نهاية جلسة الجمعة الماضية.
وقال التقرير: بقيت الأسواق خلال شهري ابريل ومايو تتقلب بين المخاوف بشأن إمكانية نقص الإمدادات، إذا استمر الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسية، واقتصار تزايد الإنتاج على الأوبك وحلفائها فقط من جهة، ومن جهة أخرى تلك المخاوف المتعلقة بتباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي مع ارتفاع معدلات التضخم وتشديد السياسة النقدية.
ويتركز اهتمام الأسواق بشكل متزايد على سوق المنتجات النفطية المكررة، خصوصا في الولايات المتحدة، إذ اقترن ارتفاع الطلب بعد الجائحة من قطاعي الصناعة والنقل مع قلة إمدادات النفط من روسيا بسبب العقوبات الذاتية، ومن الصين، بسبب خفض حصص التصدير، مما أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين ونواتج التقطير المتوسطة (كالديزل) إلى مستويات قياسية. في غضون ذلك، تفوقت أسعار المنتجات النفطية على أسعار النفط الخام هذا العام، إذ ارتفعت أسعار العقود الآجلة للبنزين وزيت التدفئة في الولايات المتحدة بنسبة 72 في المئة و66 في المئة على التوالي.
ولفت إلى مستويات مخزون البنزين والديزل وصلت إلى أدنى مستوياتها المسجلة في عدة سنوات، إذ سجلت الأولى أدنى مستوى موسمي تصل إليه منذ عقد (219 مليون برميل)، ووصلت الأخيرة إلى أدنى مستوياتها في أربعة عشر عاماً (107 ملايين برميل)، في ظل ارتفاع هوامش التكرير إلى مستويات قياسية، وانخفاض الطاقة الانتاجية لمصافي التكرير. وكان ذلك انعكاساً لإغلاق المصافي خلال جائحة كوفيد-19. وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن المصافي ستعمل بكفاءة تصل إلى 95 في المئة من طاقتها الانتاجية خلال موسم ذروة الطلب في فصل الصيف القادم.
ويساهم التركيز على تلك الديناميكيات في دفعة صعودية لأسعار النفط، مما يساعد على مواجهة الضغوط السلبية الناجمة عن إمكانية تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، ونمو الطلب على النفط بسبب عدد من العوامل التي تشمل تداعيات الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وضعف نشاط الاقتصاد الصيني بعد فرض القيود لاحتواء جائحة كوفيد-19 على مدى عدة أشهر، وتشديد السياسات النقدية، في ظل تصدى البنوك المركزية الرئيسية لتزايد معدلات التضخم.
بينما عدل صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في شهر أبريل لتوقعاته للنمو العالمي وخفض تقديراته بمقدار نقطة مئوية تقريباً مقارنة بتوقعات يناير لتصل إلى 3.6 في المئة.
وقامت وكالة الطاقة الدولية وغيرها من الجهات الأخرى بخفض توقعات الطلب على النفط لعام 2022 مجدداً. واستشهدت وكالة الطاقة الدولية "بارتفاع أسعار البنزين وتباطؤ النمو الاقتصادي'' لتبرير خفض تقديراتها بمقدار 70 ألف برميل يومياً في مايو، وتتوقع الآن ارتفاع الطلب على النفط هذا العام بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً في المتوسط في تباطؤ ملحوظ مقارنة بالتعافي الذي شهدته الأسعار بعد الجائحة في 2021، والذي بلغ 5.6 ملايين برميل يومياً.
وبصورة عامة، خفضت الوكالة تقديرات نمو الطلب بمقدار 1.23 مليون برميل يومياً مقارنة بفبراير الماضي. كما خفضت الأوبك أيضاً توقعاتها لشهر مايو وإن كان بوتيرة أكبر، إذ خفضت متوسط نمو الطلب على النفط لهذا العام بمقدار 210 آلاف برميل يومياً، لكنها تتوقع ارتفاع الطلب بمقدار 3.36 ملايين برميل يومياً، أي ضعف المعدل المتوقع من قبل وكالة الطاقة الدولية.
النفط الروسي
وعلى جانب العرض، أدى تعطل تدفق النفط الروسي بسبب الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها في التأثير بشدة على السوق.
وتقدر "الطاقة الدولية" أنه تم خفض انتاج النفط الروسي بمقدار مليون برميل يومياً في أبريل، وقد يتزايد هذا المستوى ثلاثة أضعاف ليصل إلى 3 ملايين برميل يومياً اعتباراً من يونيو المقبل، بعد أن أوقفت الشركات التجارية الكبرى مشتريات النفط من شركات روسنفت وغازبروم نفت، وترانسنيفت التابعة للحكومة في منتصف مايو الجاري، وإذا توصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن حظر واردات النفط الروسية بنهاية العام، فقد تمتد خسائر النفط الروسية إلى 4 ملايين برميل يومياً.
جاء انخفاض انتاج النفط الروسي وراء التراجع الحاد لإجمالي إنتاج الأوبك وحلفائها (باستثناء إيران وليبيا وفنزويلا) بمقدار 846 ألف برميل يومياً في أبريل إلى 37.2 مليون برميل يومياً، وفقاً لبيانات المصادر الثانوية لمنظمة الأوبك، ويعتبر هذا أدنى المستويات المسجلة في ستة أشهر. ومرة أخرى، أخفقت المجموعة في تحقيق مستوى الإنتاج المستهدف، ولكن هذه المرة بمعدل كبير وصل إلى 2.7 مليون برميل يومياً. وقامت الأوبك في أبريل بزيادة الإنتاج بمقدار 284 ألف برميل يومياً، أي أكثر من 254 ألف برميل يومياً وفقاً لما نصت عليه اتفاقية زيادة العرض. ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى نمو الإنتاج العراقي على أساس شهري بمقدار 103 آلاف برميل يومياً (مقابل 44 ألف برميل يومياً). إلا أن إنتاج الأوبك البالغ 24.5 مليون برميل يومياً في أبريل لايزال أقل بمقدار 800 ألف برميل يومياً عن المستوى المستهدف لذلك الشهر، ويرجع ذلك إلى عدد من الدول التي عادة ما تنتج دون الحد المستهدف بصورة متكررة مثل أنغولا ونيجيريا اللتين تقلصت طاقتهما الإنتاجية على الأرجح بسبب نقص الاستثمار بصورة مزمنة.
تراجعت امدادات الأوبك وحلفائها بصورة كبيرة، إذ كان من المفترض أن تكون المجموعة قد اضافت مرة اخرى بشكل جماعي 7.4 ملايين برميل يومياً من حصص الإنتاج في ابريل، والتي تم خفضها في الأساس بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً، لكنها تمكنت فقط من توفير 4.7 ملايين برميل يومياً من المستوى المستهدف.
ووفقاً لما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الوزاري الذي عقدته الدول الأعضاء وغير الأعضاء بمنظمة الأوبك في أبريل، ستسعى "الأوبك" وحلفاؤها لرفع معدل زيادة الامدادات الشهرية إلى 432 ألف برميل يومياً بشكل جماعي اعتباراً من مايو. إلا أن هناك احتمالا ضئيلا لحدوث ذلك، نظراً لكثرة انقطاع الإمدادات وقلة الطاقة الإنتاجية الفائضة، ويبدو أن دول الخليج العربية المصدرة للنفط هي الوحيدة القادرة على زيادة انتاجها.
واستمر تراجع إنتاج النفط الأميركي مقارنة بالتوقعات، مما تسبب في إحباط إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي تعتمد على زيادة الإمدادات المحلية لتهدئة ارتفاع أسعار البنزين.
ووفقاً للبيانات الأسبوعية الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تراوح الإنتاج في حدود 11.8-11.9 مليون برميل يومياً على مدار فترة امتدت شهرين أو أكثر بنحو 100 ألف برميل يومياً فقط منذ بداية العام. ويواصل منتجو النفط الصخري التحلي بضبط النفس في مواجهة تخطي أسعار النفط أكثر من 100 دولار للبرميل، أي أعلى بكثير من نقطة التعادل، مع إعطاء الأولوية لتوزيعات الأرباح والتدفقات النقدية بدلاً من التركيز على النمو.