تماسك «أوبك +» وتراجع النفط الأميركي ساهما في ارتفاع الأسعار

نفطيون لـ الجريدة•: التحدي الأكبر يعتمد على الوضع الوبائي وتحور «كورونا» وتعافي الاقتصادات

أكد خبراء نفطيون أن تراجع النفط الأميركي واتفاق «أوبك +» الأخير كان لهما مفعول قوي في ارتفاع أسعار النفط، لاسيما في ظل الشكوك التي أحاطت بهذا الاتفاق ومقدرته على الصمود فترة طويلة.

وقالوا في تحقيق أجرته «الجريدة»، إن الآلية المعمول بها، والتي تم اعتمادها ضمن الاتفاق، أثبتت نجاحها، وعززت موقف الدول المنتجة في تحديد الأسعار، لافتين إلى أن الأسعار الحالية تعد مقبولة من المنتجين والمستهلكين، وتعتمد بشكل كبير على قدرة صمود الاتفاق والمحافظة على مكتسباته.

وأشاروا إلى أن التحدي الكبير سيكون خلال العام المقبل عند الانتهاء من هذا الاتفاق والدخول في مرحلة جديدة واتفاق جديد، موضحين أن هناك تحدياً آخر قد يكون أكبر، لأنه يعتمد على الوضع الوبائي وما سيؤول إليه تحور الفيروس، ودرجة تعافي اقتصادات الدول.

وشددوا على أنه من الضروري الآن تجاوز الأزمة الصحية الحالية والمحافظة على كبح جماح التضخم الذي بدأ يلوح في الأفق، مشيرين إلى أنه مع زيادة أسعار النفط ستتفاقم مشكلة التضخم، وهو ما لا ترغب فيه دول «أوبك +»، لأن هناك مؤشرات للتضخم إلى جانب أخرى لكساد اقتصادي في هذه المرحلة مما يعقد حل الأزمة الاقتصادية، ويؤثر بالتبعية على وضع النفط.

وقالوا إن تعافي اقتصادات الدول الصناعية الكبرى، خصوصاً الصين والولايات المتحدة، هو المقياس الحقيقي لتوازن العرض والطلب شريطة انحسار تأثير جائحة «كورونا» واستمرار اتفاق «أوبك +».

وكانت «أوبك +» توصلت إلى تمديد اتفاقية خفض إنتاج النفط حتى نهاية 2022 بدلاً من أبريل من العام نفسه، مع إقرارها زيادة الإنتاج بـ 400 ألف برميل يومياً اعتباراً من أغسطس الجاري، لافتة، في بيانٍ لها، إلى أن الالتزام باتفاقية الإنتاج بين دولها الأعضاء بلغ 113 في المئة خلال يونيو الماضي.

وقررت المجموعة، خلال اجتماعها، رفع خط الأساس لإنتاجها من 43.8 إلى 45.5 مليون برميل يومياً اعتباراً من مايو 2022.

وجرى خلال الاجتماع أيضاً، التوافق على زيادة تدريجية للإنتاج اعتباراً من الشهر الجاري مع رفع خط الأساس لإنتاج السعودية وروسيا

بـ 500 ألف برميل لكل منهما، من مستوى 11 إلى 11.5 مليون برميل يومياً، في حين جرى تحديده للإمارات عند 3.5 ملايين، ورفعه للكويت والعراق بـ 150 ألفاً لكل منهما، اعتباراً من مايو المقبل. وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال الخبير النفطي يوسف القبندي إن الارتفاع المتزايد في أسعار النفط كان متوقعاً في النصف الثاني لهذا العام رغم استقرار أرقام المخزونات الأميركية، إذ هناك تحسن وتعافٍ في معظم مؤشرات النمو الصناعي في أوروبا والصين وأميركا، وهناك خطط انتعاش اقتصادي قدمت من الحكومات في هذه الدول، إضافة الى انحسار تأثير جائحة كورونا نتيجة ارتفاع أعداد التطعيم وانفتاح الأنشطة التجارية في هذه الدول، إلى جانب قدرة وتماسك دول "أوبك بلس" على تثبيت الحصص الأمر الذي جعل الطلب يفوق العرض.

وأضاف القبندي أن قرارات "أوبك" الأخيرة وتماسكها في تثبيت الإنتاج وزيادته تدريجيا حتى ابريل 2022 أمور ساهمت بشكل كبير في دعم الأسعار وتوازن الأسواق.

توقعات متطابقة

وأكد أن معظم التوقعات جاءت متطابقة ومحافظة وتدور في فلك الـ 75 دولاراً بناءً على توازن العرض والطلب، لافتاً إلى أن إعلان المنظمة تمسكها بخطة المحافظة على حصص الإنتاج والزيادة التدريجية كان له الأثر الكبير في إعطاء مصداقية ومؤشر واضح للأسواق بالاستقرار، "ولو أصاب الفشل هذا الاتفاق، لتغيرت التوقعات وكنا أمام تذبذب سعري غير مستقر".

وأعرب عن اعتقاده أن المضاربات لها تأثير مباشر في هذه الفترة إذ لا يزال العرض والطلب وتعافي الاقتصادات للدول الصناعية المحرك الرئيسي لارتفاع الأسعار، لافتاً إلى أنه مع تعافي اقتصادات الدول الصناعية وخصوصاً في الصين والولايات المتحدة وتوازن العرض والطلب وبداية انحسار تأثير جائحة كورونا واستمرار اتفاق دول "أوبك بلس" وقرب فصل الشتاء من المتوقع أن تصل الأسعار إلى مستوى 80 دولاراً في الربع الرابع وقبل نهاية العام أو مع بداية 2022.

‬من جهته، قال الخبير النفطي د. أنس الحجي إنه رغم ارتفاع مخزونات النفط الأميركية هذا الأسبوع، والتي عادة ما تهوي بأسعار النفط، فإنه على النقيض من ذلك ارتفعت أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير ومفاجئ، لافتاً الى أن الأسعار شهدت ارتفاعاً بحدود 4 إلى 5 في المئة رغم الزيادة الكبيرة والمفاجئة في مخزون النفط الأميركي.


المخزون الأميركي

وعزا الحجي زيادة مخزون النفط الأميركي إلى انخفاض صادراته بسبب ارتفاع أسعار الخام الأميركي، نسبة للنفوط الأخرى، نتيجة الفروقات السعرية التي ظهرت على سبيل المثال في ارتفاع خام غرب تكساس الوسيط على خام برنت بشكل كبير بزيادة 50 سنتاً.

وأضاف أن انفتاح الاقتصاد الأميركي وزيادة طلب المصافي على النفط أديا الى سحب كبير كان من المفترض تعويضه من كندا ونورث داكوتا، ولكن بسبب عوامل الطقس والتقنية والصيانة، لم يكن هناك ما يكفي من النفط، فانخفض مخزونه بشكل كبير وارتفعت أسعاره، وتضاءلت الفروقات السعرية، وانخفضت الصادرات الأميركية، مما تسبب في ارتفاع المخزون.

أسباب مضاربية

وأكد الحجي أن ارتفاع المخزون الأميركي والأسعار في ذات الوقت يرجع الى المضاربات، لافتا الى ان المضاربين اعتقدوا ان اسعار النفط ستشهد انخفاضا فعمدوا الى شراء العقود أو بيعها بناء على ذلك، مبيناً أن الاسعار شهدت ارتفاعا مفاجئا، وأدى ذلك إلى المزيد من شراء العقود من جانب المضاربين لتغطية ذلك الأمر الذي ادى إلى زيادة الطلب على هذه العقود فارتفعت الأسعار.

تعافي الاقتصاد

من ناحيته، قال نائب مدير إدارة البرامج الأكاديمية في الكلية الأميركية الدولية، د. عواد النصافي، إن "ارتفاع الأسعار له ما يبرره، حيث ارتفاع الطلب على النفط، نتيجة بوادر تعافي الاقتصاد من "كورونا"، خصوصا في الصين، بالإضافة إلى الرسالة التي وجهتها "أوبك بلس" للاسواق على قوة وقدرة المنظمة على تجاوز المشكلات بين أعضائها، وقدرتها على ضبط الإنتاج من خلال الاتفاق فيما بينها. هذان العاملان ساهما في التأثير على أسعار النفط إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الاتفاق مستمر حتى العام القادم".

وأضاف "أثبت اتفاق "أوبك بلس" أن له مفعولا قويا على التاثير في أسعار النفط، خصوصا أنه كان هناك شكوك على مدى قدرة هذا الاتفاق على الصمود فترة طويلة".

وذكر أن الآلية المعمول بها ضمن الاتفاق أثبتت نجاحها، وعززت دور الدول المنتجة في تحديد الأسعار، منوها إلى أن تماسك الأسعار الحالية يعد مقبولا من المنتجين والمستهلكين، ويعتمد بشكل كبير على قدرة صمود الاتفاق والمحافظة على مكتسباته.

وأشار إلى أن التحدي الكبير سيكون خلال العام القادم عند الانتهاء من هذا الاتفاق والدخول في مرحلة جديدة واتفاق جديد، لافتا إلى أن هناك تحديا آخر يعتمد على الوضع الوبائي، وما سيؤول إليه تحور "كورونا" ودرجة تعافي اقتصادات الدول.

تجاوز الجائحة

وأشار النصافي إلى أن أسعار النفط ترتبط بشكل أساسي على زيادة حجم الطلب من خلال التعافي الاقتصادي، وتجاوز جائحة "كورونا"، منوها إلى أنه واضح من الوضع الحالي وزيادة أعداد متلقي التطعيم على المستوى العالمي التنبؤ بتعافي الاقتصاد مع نهاية العام الحالي وبداية العام القادم.

وقال إن هذه المؤشرات ستساعد على زيادة الطلب، وهو ما حدث فعليا من خلال المضاربات على النفط في الأسواق العالمية، وتوقعات ارتفاع أسعاره، معربا عن اعتقاده أن دول "أوبك بلس" ترغب في أسعار نفط في حدود 75 دولارا للبرميل حتى تساعد في تعافي الاقتصاد بشكل أكبر، وكذلك تجاوز عوامل التضخم التي تشكل هاجسا في الدول الصناعية.

وشدد على انه من الضروري الآن تجاوز الأزمة الصحية، والمحافظة على كبح جماح التضخم الذي بدأ يلوح في الأفق، لافتا إلى أنه مع زيادة أسعار النفط عن الحد المعقول ستتفاقم مشكلة التضخم، وهو ما لا ترغب فيه دول "أوبك بلس"، لأن وجود مؤشرات التضخم، ووجود كساد اقتصادي في هذه المرحلة يعقد حل الأزمة الاقتصادية، ويؤثر بالتبعية على وضع النفط، مشيرا إلى أن ذلك سيجعل دول "أوبك بلس" تسعى للمحافظة على مستويات الأسعار الحالية، وفي حال ارتفاعها سيتم زيادة الإنتاج للحد من زيادة الأسعار.

جريدة الجريدة