الصقر: أزمة ثلاثية الأنياب تتحكم باقتصادنا

• «كورونا» وانخفاض أسعار النفط وغياب الرؤية والقدرة اللازمتين لإدارة الأزمة المركّبة الحالية
• التساوق بين رؤى قيادات القطاعين العام والخاص لم ينجح في تجسير تباين السلطتين
• «كل واحدة منها ساهمت في تعظيم خسائر الأخرى خلال الأشهر الـ 16 الماضية»
• بطء الخطوات التنفيذية وقصورها والتباسها تسببت في انخفاض تصنيف الكويت
• جهـازنا المصرفي بشهادة «ستاندرد آند بورز» و«موديز» جذوة تبدد ضبابية المشهد

قال الصقـر أمام الجمعية العامة الـ 57 لغرفة تجارة وصناعة الكويت، أمس، إن الغرفة كانت في طليعة مَن علّق الجرس تحذيراً من التداعيات الاقتصادية للجائحة الصحية، والدعوة إلى سرعة التحرك لتطويقها.

أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت، محمد جاسم الصقر، أنه في إطار جائحة صحية عالمية غير مسبوقة الخطورة والاتساع وسرعة الانتشار، وفي إطار انعكاساتها الاقتصادية الأعمق والأسوأ منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وقع الاقتصاد الكويتي، خلال وطوال الأشهر الـ16 الماضية وحتى الآن، أسير أزمات متشابكة ثلاث، تساهم كل واحدة منها في تعميق جراح وتعظيم خسائر أختها: جائحة كوفيد 19، وانخفاض أسعار النفط، وغياب الرؤية والقدرة اللازمتين لإدارة مثل هذه الأزمة المركّبة الثلاثية الأنياب.

وأضاف، أمام الجمعية العامة الـ57 للغرفة أمس، أن "الغرفة" كانت في طليعة من علّق الجرس تحذيراً من التداعيات الاقتصادية للجائحة الصحية، والدعوة الى سرعة التحرك لتطويقها، ولم تترك فرصة إلا وانتهزتها لإيصال صوت القطاع الخاص الى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأقر مجلس إدارتها بأن يكون وهيئة مكتبها واللجان المنبثقة عنه كلها، في حال انعقاد دائم. وتقدّمت "الغرفة" بورقة مبادئية حول المنطلقات الاقتصادية والإجرائية لمعالجة الأزمة، الى فريق العمل الذي شكّل لهذا الغرض من وزراء الإدارة الاقتصادية و"الغرفة".

وأوضح أن "الغرفة" عقدت نحو 40 اجتماعاً مع شرائح القطاع الخاص كافة، واتحاداته النوعية، وقطاعاته المختلفة، بما في ذلك قطاع التعليم الخاص بحضاناته ومدارسه وجامعاته. وحظيت المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالذات، بأهمية مركزية في هذه الاجتماعات التي حمل مكتب "الغرفة" نتائجها ملخّصة ومبوبة الى سمو رئيس مجلس الوزراء في لقاء مطول وصريح، شارك فيه وزراء التجارة والصناعة، والمالية، والدولة للشؤون الاقتصادية.

وذكر أن "الغرفة" شاركت بفاعلية في فريق الإصلاح الذي كلّف بتقديم مقترحاته في شأن تنشيط الاقتصاد الوطني وزيادة كفاءة قطاعه العام وتعزيز دور قطاعه الخاص. كما تمثّلت "الغرفة" في فريق تعديل التركيبة السكانية، المكلف برفع توصياته لكي تكون العمالة الوافدة متفقة حجماً ونوعية مع الاحتياجات الفعلية للبلاد، وذات قيمة مضافة حقيقية لاقتصادها.

وتابع قائلا: ليس من السهل أن أحدثكم، في هذه العجالة، عن كل ما قامت به الغرفة من جهود، وما تقدمت به من اقتراحات، وسعت إليه من تشريعات وإجراءات، لتطويق التداعيات الاقتصادية للجائحة الصحية.

وفي التقرير السنوي الذي وُضع بين أيديكم منذ بضعة أسابيع ما يعفيني من الإطالة في هذا الصدد، لكنّني أجد من حقّ "الغرفة" وواجبها أن تُعرب عن اعتزازها الشديد بأن مقترحاتها وطروحاتها لمواجهة الأزمة، والتي تقدمت بها بين مارس ومايو 2020، جاءت متوافقة الى حدٍ بعيد مع التوصيات والإجراءات التي أعلنتها اللجنة التوجيهية العليا للتحفيز الاقتصادي، في العرض الذي قدّمه رئيسها، محافظ بنك الكويت المركزي، يوم الرابع من يونيو 2020، بعد أن تبناها مجلس الوزراء في جلسة استثنائية عقدها في اليوم نفسه. كما أن مقترحات "الغرفة" وطروحاتها جاءت متسقة ومتكاملة مع الخطوط العريضة لتقرير فريق الإصلاح الاقتصادي الذي رفعه رئيس الفريق المدير العام لهيئة تشجيع الاستثمار المباشر الى سمو رئيس مجلس الوزراء في سبتمبر 2020".

وأضاف: "غير أن هذا التساوق الفكري الموضوعي بين رؤى القيادات الاقتصادية الفنية والمتخصصة في القطاعين العام والخاص، لم ينجح في تجسير التباين الكبير في توجهات السلطتين، فجاءت الخطوات التنفيذية الجادة قاصرة وبطيئة وملتبسة. وهو ما تابعناه جميعاً بأسف، وتجرّعنا نتائجه بمرارة، ودفعنا وندفع تكاليفه بإرهاق ومشقّة. ولعل أبلغ وأخطر برهان على ما ذهبنا إليه هو انخفاض التصنيف الائتماني السيادي للكويت وتغيّر النظرة المستقبلية لاقتصادها. والذي برّرته وكالة ستاندرد آند بورز في نهاية مارس، وعزته وكالة موديز في أواخر سبتبمر 2020، الى بطء الإصلاحات الاقتصادية الواسعة النطاق، وزيادة الأعباء على مؤشرات المالية العامة وميزان المدفوعات، وتصاعد مخاطر السيولة على الرغم من القوة المالية الاستثنائية للدولة، والعجز المستمر في مواجهة الصدمات، والصعوبة المتزايدة في معالجة عجز الميزانية العامة بسبب هيكل الإنفاق الحكومي غير المرن. ولكن يبقى الجهـاز المصرفي الكويتي – بشهادة الوكالتين – الجذوة التي تبدد ضبابية المشهد وتحفظ التفاؤل، إذ حافظ هذا الجهاز ونظامه على نظرة كلية قوية للمصارف الكويتية، تقوم على قوة استقلاليتها المدعومة بقدراتها وملاءتها وسيولتها".

وذكر الصقر أن الورقة الموسومة "إن وطننا في خطر"، التي أصدرتها الغرفة نهاية عام 2020، إنما كانت - من حيث المناسبة - تعبيراً عن وعي تام، وتنبيهاً للوعي العام بالدلالات البعيدة والانعكاسات العميقة لتخفيض التصنيف الائتماني السيادي. كما كانت الورقة - من حيث الهدف - تجديداً وتأكيداً لإرادة القطاع الخاص وقدرته على أن يؤدي دوره التنموي كاملاً في إصلاح المالية العامة، وفي ضمان حرمة المال العام، وفي تعديل التركيبة السكانية، إذا ما تهيأت له البيئة التي تمكّنه من أداء هذا الدور في إطار الثقة والحرية والعدالة، والتعاون المتوازن مع القطاع العام.

وأفاد بأنه من هذا المنطلق، تبنّت الورقة مجموعة من السياسات والإجراءات الرئيسة التي توفر الشروط اللازمة للبيئة المطلوبة، وتضمن الالتزام الوطني التنموي للقطاع الخاص، وتستعيد الثقة الشعبية والدولية بمصداقية وعزيمة الكويت الإصلاحية، خاصة أن المشهد الاقتصادي الكويتي لم يكن مشهداً مشرقاً واعداً قبل متلازمة الجائحة الصحية، وارتفاع عجز الميزانية، وضعف الرؤية والقدرة، لكن المشهد ازداد قتاماً بعد الأزمة الثلاثية الأنياب، فأضحت الصور أكثر ضيقا، وأضحت النظرة الى الغد أشد قلقاً.

وأشار الى أنه ولئن استأثرت معالجة الأزمة بجلّ جهود الغرفة ووقتها في الأشهر الـ16 الأخيرة، فإن الغرفة – ولله الحمد – لم تقصر في اهتمامها المعتاد بالقضايا والتشريعات الاقتصادية الأخرى، فاستجابت شاكرة لرغبة لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة الموقر لمعرفة وجهة نظرها بشأن "مشروع قانون التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة والإفلاس"، وفي مشروع "قانون الصكوك الحكومية".

كما استجابت "الغرفة"، شاكرة، لرغبة وزارة التجارة والصناعة في التعرف إلى ملاحظاتها حول "مشروع قانون في شأن الاستيراد"، وحول "مشروع قانون التجارة الإلكترونية".

وأكد أن "الغرفة" بادرت الى الكتابة لوزير الشؤون الاجتماعية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية موضحة رأيها في "مشروع قانون بشأن تنظيم التركيبة السكانية"، وأصدرت في أبريل 2020 بياناً حول "تجارة الإقامات"، دعت فيه الى تنفيذ العقوبة القانونية السريعة والصارمة والعادلة، باعتبارها ضرورة لا جدال فيها ولا مساومة بشأنها، مؤكدة – في الوقت ذاته – أن أسلوب العقاب، على ضرورته وحتميته، لا يمكن القضاء به على ظاهرة تجارة الإقامات، ما لم يقترن بالسياسات والإجراءات الكفيلة بتجفيف الربح غير الشرعي وغير المشروع من استغلال آلام البشر، ومن الإضرار بمصلحة الوطن.

وأوضح أن "الغرفة" عملت، ولا تزال تسعى، لإجراء التعديلات اللازمة على قرار الهيئة العامة للقوى العامة بحظر إصدار إذن عمل لمن بلغ سن الستين فما فوق لحملة شهادة المرحلة الثانوية فما دون، لكي يصبح القرار أكثر واقعية عملية واقتصادية، وأكثر مراعاة إنسانية.

ولفت الى أن "الغرفة" تابعت أنشطتها المحلية والخليجية والدولية من خلال اللقاءات والندوات الافتراضية، كما واصلت خدماتها الإدارية والتنظيمية، وواصل مركز عبدالعزيز حمد الصقر للتنمية والتطوير جهوده وتنفيذ برامجه عن بُعد، فنظم 28 برنامجاً شارك فيها أكثر من 730 متدرباً. ولئن أجّل مركز الكويت للتحكيم التجاري معظم أنشطة أمانته العامة المتمثلة بالمؤتمرات والمسابقات، فإنه نجح في تنظيم 15 برنامجاً تدريبياً وحلقات نقاش وندوات متخصصة.

وسجل الصقر شكراً خاصاً ومستحقاً لإدارة الغرفة وجهازها التنفيذي بكامله، لما أبدوه من إحساس عال بالمسؤولية الوطنية والمهنية، في إطار الالتزام بقرارات تنظيم العمل في الدولة، إذ بقي عمل الإدارات المعنية منتظماً ومستمراً بغية تسهيل مهمة المؤسسات والشركات في تأمين خطوط التوريدات والمخزون الاستراتيجي للبلاد، وعدم توقّف دوران عجلة الصناعة الوطنية وصادراتها، ذاكراً باعتزاز أن "الغرفة" تطويراً لخدمة أعضائها، ووفاء بالمتطلبات الدولية لتسحين بيئة الأعمال، قصرت استيفاء مستحقاتها مقابل خدماتها على الدفع الآلي، ومن خلال البطاقات الائتمانية المصرفية والشيكات المصدّقة.

كما يستطيع أعضاء "الغرفة" الآن تجديد عضوياتهم والحصول على شهادات الانتساب آلياً، دون الحاجة إلى الحضور الشخصي. كما أطلقت الغرفة - بالتعاون مع الهيئة العامة للمعلومات المدنية - خدمة إلكترونية جديده تتيح لأعضائها التصديق على صحة التوقيع الكترونياً عن طريق تطبيق هويّتي.

وأوضح أنه رغم الانخفاض الشديد في إيراداتها، عززت "الغرفة" التزامها بالمسؤولية المجتمعية والوطنية، فساهمت بمبلغ مليوني دينار للصندوق الوطني لمجابهة وباء كورونا، مؤكدة أن مساهمتها هذه لا تمليها حاجة الدولة إليها، لا سمح الله، بل تفرضها حاجتنا نحن الى التعبير الصادق عن واجبنا الوطني والإنساني، وعن صلابة التكاتف بين الدولة والشعب. كما تبرعت "الغرفة" الى جمعية الهلال الأحمر الكويتي – باعتبارها شريكاً إنسانياً لها – بمبلغ مئتي ألف دينار لتمويل جهود المتطوعين، وتأمين الاحتياجات المطلوبة لمعالجة الجائحة الصحية.

 

الأمير راعٍ دائم للاقتصاد الوطني ومؤسساته

 

قال الصقر أمام الجمعية العامة الـ 57: "بالنيابة عن مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت وإدارتها التنفيذية، وبالأصالة عن نفسي، أعرب عن صادق الشكر لحضوركم، وفائق الترحيب بمشاركتكم في هذا اللقاء السنوي المتجدد، الذي ترى الغرفة فيه فرصة لتعرض عليكم مسيرتها طوال عام مضى، وتستلهم من آرائكم برنامج عملها خلال عام قادم، مواصلة جهودها في خدمة الكويت واقتصادها، متكلة على الله، معتزة بتمثيلكم ودعمكم.

وإني إذ أحمد الله على ما حبانا، وأسأله - عز وجلّ - ألا يزيغ ايماننا بعد إذ هدانا، وأدعوه أن يحفظ وطننا، ويبارك سعينا، ويرشّد خطانا، أدعوه - جل وعلا - أن يمنَّ علينا بصحة وتوفيق وطول عمر أميرنا حضرة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، والذي ترفع الغرفة إلى مقامه جزيل العرفان لمساندته السامية لدورها وأنشطتها، ورعايته الدائمة للاقتصاد الكويتي ومؤسساته.

كما تتقدم الغرفة ببالغ الشكر والتقدير إلى سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد لدعمه للاقتصاد الكويتي والدور التنموي للقطاع الخاص، والى رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد لتفهّمه العميق لقضايا التنمية والإصلاح. والشكر موصول الى كلّ من أصحاب المعالي الوزراء لما يبدونه من تقدير لدور الغرفة وتجاوب مع مساعيها، والى الأفاضل رئيس وأعضاء مجلس الأمّة الموقر، لسعيهم الى عدالة التنمية ورفاه المواطنين، ولحرصهم على معرفة رأي الغرفة في الأمور المرتبطة بطبيعة عملها، أما أعضاء الغرفة وقاعدتها وغاية أهدافها، فإنّ مساندتهم الواعية هي مصدر طاقتها، وموضع فخرها، ومحل عرفانها".

جريدة الجريدة