تصفير الانبعاثات الكربونية بين واقعية السوق وطموحات «الطاقة الدولية»
النفط سلعة أساسية حيوية... لكنّ التحديات البيئية ستفرض نفسها
التغير المناخي والتوجه العالمي للانتقال الى مرحلة الطاقة البديلة أو المتجددة، الى جانب الضغوط الدولية على شركات النفط الغربية بعدم الاستثمار في الصناعة النفطية بسبب البيئة، قد يؤديان الى خلل كبير في إنتاج النفط، مما ينتج عنه ارتفاع في أسعار الخام بشكل مُبالغ فيه.
«الجريدة» استطلعت آراء بعض الخبراء المتخصصين حول هذا الموضوع، حيث أكدوا أن وكالة الطاقة غفلت عن الحسابات الدقيقة لنتائجها، والتي تتناقض مع المؤسسات الأخرى وتقارير «أوبك» المنطقية حول خطورة مشروع وكالة الطاقة الدولية لتصفير صافي الكربون بتعطيل مشاريع النفط الجديدة ابتداء من العام الحالي.
وأشار الخبراء الى أن الوكالة أكدت، في تقريرها الأخير، الذي تحدث عن «تصفير الانبعاثات الكربونية» بحلول عام 2050، أن العالم لن يحتاج إلى أي مشاريع إضافية للنفط والغاز تتجاوز ما تمت الموافقة عليه بالفعل اعتبارا من العام الحالي.
وقالوا إن تحالف «أوبك بلس» وبعض شركات النفط والطاقة حول العالم قد خلُص الى أن هناك العديد من الطرق نحو «الصفر الصافي»، ليس فقط تلك التي تفصّلها وكالة الطاقة الدولية. وأضافوا أن النفط سيظل سلعة حيوية لإدارة الاقتصاد العالمي، رغم أن البعض يتطلع إلى التخلص التدريجي منه، معربين عن اعتقادهم بأن ذلك لا يزال أمامه أكثر من 100 عام، وفيما يلي التفاصيل:
بداية، قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني إن المرحلة الانتقالية من الطاقة الأحفورية (النفط والغاز الفحم) الى الطاقة الخضراء يشوبها كثير من الفوضى واللامنطقية، مما يشير الى أن هناك تدخلا جيوسياسي في تحديد المسار الانتقالي، بين مصادر الطاقة.
وقال: قبل مناقشة متطلبات الاستثمار في المشاريع الخضراء الاقتصادية من تنويع ومخاطر وعائد، ذهب المقننون وواضعي السياسات الى وضع قوانين تصفير صافي الانبعاثات الكربونية وفرضها بالقوة من خلال ضرائب الكربون وضرائب الشركات الدولية، وتحويلها الى الدول الفقيرة لتحويل الطاقة.
وأضاف أن هذا فضلا عن التوجه الى الأقلمة (Regionalization) والعزوف عن العولمة (Globalization)، التي فشلت الدول الصناعية بمنافسة الاقتصادات الناشئة في تحديها اقتصاديا وفنيا!
وذكر أن أكبر مؤشر على فشل توجّه قمة الـ 7 هو تصاعد سعر النفط خلال أسبوع المؤتمر بثلاث دولارات، ليصل الى 73 دولارا لخام برنت، إضافة الى تناقض تقرير وكالة الطاقة الدولية (باريس) الأسبوعي حول حاجة الأسواق الى زيادة إنتاج جديدة للنفط في النصف الثاني من 2021، حيث يتناقض مع التقرير الشهري لشهر مايو الماضي، عندما قال إن الطلب على النفط لن يعود الى مستوى ما قبل الجائحة، قبل نهاية عام 2023.
حسابات دقيقة
وأعرب بهبهاني عن اعتقاده بأن تكون وكالة الطاقة قد غفلت عن الحسابات الدقيقة لنتائجها، والتي تتناقض مع المؤسسات الأخرى وتقارير "أوبك" المنطقية حول خطورة مشروع وكالة الطاقة لتصفير صافي الكربون بتعطيل المشاريع النفط الجديدة ابتداء من العام الحالي.
وأوضح أن وكالة الطاقة الدولية أحدثت صدمة كبيرة في الأسواق النفطية في تقريرها الأخير الذي تحدث عن "تصفير الانبعاثات الكربونية" بحلول عام 2050، والذي أشار إلى أن العالم لن يحتاج إلى أي مشاريع إضافية للنفط والغاز تتجاوز ما تمت الموافقة عليه بالفعل اعتبارا من هذا العام.
وتابع أن تحالف "أوبك بلس" (وعلى رأسه السعودية وروسيا)، وشركات الطاقة الأسترالية والآسيوية، (وعلى رأسها اليابان)، قد خلصوا الى أن هناك العديد من الطرق نحو "الصفر الصافي" ليس فقط تلك التي تفصّلها وكالة الطاقة الدولية.
وأضاف أن الوكالة تدعي أن طريقها هو "الطريقة الأكثر جدوى من الناحية التقنية وفعالية من حيث التكلفة". وإذا اتبع العالم مسار"صافي الصفر لعام 2050" الذي حددته وكالة الطاقة الدولية، متجاهلة توقعاتها في تقرير سابق بنمو معدلات الطلب على النفط 4.4 بالمئة مع 2025، فسيصل الى 109 ملايين برميل يوميا في 2040.
وأشار الى أن خطة وكالة الطاقة الدولية في تصفير الانبعاثات الكربونية (صفر بالمئة) عن طريق تعقيد قوانين الطاقة الأحفورية، وفجائية التحول الكامل إلى الطاقة المتجددة، وفرض مصادر طاقة معيّنة (هواء، شمس، وماء)، أدت الى إهمال مصادر طاقة الوقود الأساسية وتقييد التكنولوجيا المسايرة لها.
مستقبل النفط
وأكد بهبهاني أن فرضية ضمور مستقبل الطلب على النفط، رغم توقّعات وكالة الطاقة نفسها وأغلب المؤسسات الاقتصادية، إضافة الى تحالف "أوبك" بأن الطلب في تصاعد، فإنّ توقعات ذروة الطلب على النفط متناقضة ومعكوسة، لكون مستقبل النفط يعتمد على الاقتصادات المتطورة، الناشئة والنامية بنمو يقدر بأكثر من 4.4 بالمئة في 2025، والبتروكيماويات تساهم في 60 بالمئة من نمو الطلب بمعدل يصل الى 5 بالمئة سنويا.
وأوضح أن تصريح الاتحاد الأوروبي عن نمو ناتج محلي قادم بـ 20 بالمئة، فإن هذا يعني بالضرورة الحاجة الى زيادة في حركة مصانع ونقل لا يمكن للطاقة المتجددة الاعتيادية مجاراته، معربا عن تصوره بأن الحاجة ملحّة جدا لزيادة القدرة الإنتاجية للنفط.
وقال: إذا سلّمنا بتوجّه الوكالة الى الطاقة البديلة، وتوجه شركات النفط العالمية الى التحول في إنتاج النفط الرخيص، إضافة الى التنافس الشديد القادم بين أكبر اقتصادين (الصين والولايات المتحدة) وتنامي الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيسبب نقصا شديدا للطاقة، وزيادة في الطلب على الطاقة قد يبدأ مع نهاية عام 2023، مشيرا الى أن هذا النقص في الطاقة سيكون في مصلحة دول "أوبك" ذات الكلفة الإنتاجية الرخيصة والوفرة العالية، ومؤكدا أن هذا ما أدركته دول مجلس التعاون، حيث بلغت استثماراتها السنوية خلال العامين الماضيين في الاستكشاف والتطوير والبتروكيماويات حوالي 300 الى 400 مليار دولار، وهو رقم يعد أعلى من مشاريع الطاقة المتجددة الذي بلغ 240 مليارا.
استثمارات الكويت
وأعرب بهبهاني عن أسفه لأن استثمارات الكويت في القطاع النفطي كانت الأقل خليجيا، حيث انخفضت بنسبة 86 بالمئة في مارس 2021، مقارنة مع مارس 2019، حيث كانت 65 مليار دولار، آملا أن يتم تدارك ذلك قبل فوات الفرصة.
وتوقّع أن تشهد أسعار النفط قفزات تبدأ في النصف الأول من 2023، بسبب نقص العرض عن الطلب، وباعتبارات زيادات تحالف أوبك ودول أخرى وسحب الطاقة المتجددة وخفض إنتاج الشركات العملاقة، فإن النقص سيبدأ بـ 5-7 ملايين برميل يوميا، على أن تتراوح الأسعار بين 75 و85 دولارا للبرميل.
وقال إن من بين 100 مليون برميل يوميا، يستهلك أكثر من 60 بالمئة من هذه النسبة للنقل، بما في ذلك السيارات (22 بالمئة)، والشاحنات (25 بالمئة)، والطيران (6 بالمئة)، والبحرية (4 بالمئة)، والحافلات والقطارات، وما إلى ذلك، ويستهلك الباقي للاستخدامات الصناعية وغير الصناعية الأخرى، مثل البتروكيماويات (10 بالمئة)، والطاقة (5 بالمئة)، والمباني، والطرق، والزراعة.
استهلاك الوقود
وأضاف: سنركز في هذا الإطار على قطاعات النقل فقط، التي تستهلك حوالي 60 بالمئة من إجمالي النفط الخام ومناقشة القطاعات الأخرى كمتابعة، حيث أنتجت في 2019 نحو 7.2 سيارات كهربائية، تم شراء 2.1 مليون سيارة منها بنسبة (30 بالمئة)، ويشير سيناريو السياسات المعلنة إلى أنه بحلول عام 2030، سيصل مخزون السيارات الكهربائية العالمية (باستثناء العجلتين/ الثلاث عجلات) إلى ما يقرب من 140 مليون سيارة، وسيبلغ 7 بالمئة من أسطول المركبات العالمي. فلسحب 100 مليون برميل نفط برميل يوميا (من السوق) تحتاج إلى 700 مليون سيارة على الطريق، لافتا الى أنه لتقييم الأثر البيئي، فإن الانبعاثات الكربونية لتدوير السيارات الكهربائية يفوق تدوير سيارات وقود النفط بـ 600 ألف طن، مبينا أن العالم سيكتشف ذلك بعد 10 سنوات عندما يبدأ التدوير.
الأثر الأكبر
من جانبه، قال الخبير النفطي الإماراتي، د. علي العامري، أن سوق النفط لعام 2021 يشهد وضعا مثيرا للاهتمام، حيث من المحتمل أن ينتهي الوباء مع طرح اللقاحات وإعادة فتح صناعة السفر على نطاق واسع والعودة إلى العمل، لافتا الى أنه قبل أن نتوقع الأسعار المستقبلية، فلا بدّ من فهم السوق الذي نعمل فيه، لكوننا نمتلك النفط الخام، وهو المنتج البترولي غير المكرر، الذي يحدث بشكل طبيعي، والذي يتم الحصول عليه عادة من خلال الحفر، لكن يجب ألّا ننسى عقود النفط التي يتعامل بها المستثمرون، والتي لها الأثر الأكبر في الأسعار.
وأضاف: يمكن تحديد نظرة عامة على سوق النفط في القرنين العشرين والحادي والعشرين بشكل كبير من خلال تطور أزمة الشرق الأوسط، فضلا عن فترات الجفاف النفطي وتخمة النفط، حيث يتأثر سعر النفط بشدة بالحركات السياسية وعدم اليقين، خاصة فيما يتعلّق بالمناطق المتقلبة، وأيضًا لا ننسى تأثير الأسعار بشدة بحركات السوق، وهذا ما يجعل القرنين الماضيين أوقاتًا ممتعة للنظر إلى الوراء للتنبؤ بالمستقبل.
وتابع: إن إنتاج النفط والأسواق بدأ يؤخذ على محمل الجد في الستينيات عندما أسست منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في العراق للتحكم في الأسعار، وخاصة خلال الاضطرابات السياسية بإيران في السبعينيات، حيث ظهرت أزمة نفطية وتم تقييد إمدادات النفط العالمية، وتضاعف سعر النفط أكثر من الضعف.
كذلك خلال الثمانينيات، كانت هناك تخمة نفطية عندما زادت الدول غير الأعضاء في "أوبك" مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنتاجها لمحاولة استعادة بعض السيطرة على السوق، لكن هذا العرض الإضافي أدى إلى خفض سعر النفط بشكل كبير.
وأيضا خلال الأزمة المالية لعام 2008، شهد سعر النفط انخفاضًا كبيرًا، بعد أن بلغ ذروته القياسية 147. 27 دولارًا، انخفض إلى 30. 28 دولارًا، لكن البعض قد ينسب هذا الانهيار الى المضاربة على الأسعار التي كانت قبل ذلك، لافتا الى أنه يتم تداول النفط الآن عند 60 الى 70 $ للبرميل، كما تم تداول النفط لفترة وجيزة عند مستوى منخفض يبلغ 10 دولارات للبرميل في انهيار حاد.
وأشار الى أنه أصبح من الواضح أن سعر النفط يعتمد بشكل كبير على السوق والتحركات السياسية، وقد بدأ في التعافي تحسبا لإعادة الانفتاح عالميا، لافتا الى استعادة غالبية المستثمرون الكثير من شهيتهم للمخاطرة.
الطاقة البديلة
بدوره، قال أمين سر الجمعية الاقتصادية الخليجية، د. عبدالمحسن المطيري: إذا سلمنا بأن هناك انخفاضا في الاستثمارات النفطية لبعض الشركات المتخصصة، فإن هذا يعني أن هذه الشركات قد تتوجه إلى الاستثمار في الطاقة البديلة أو المتجددة، متوقعا زيادة المعروض من هذه المصادر، ومشيرا الى أن تلك الطاقة البديلة بدأت تأخذ حيزا كمصدر طاقة بديل للنفط.
النفوط الصعبة
وأضاف: كما رأينا أخيرا، فإن هناك ازديادا في الاستثمارات في النفوط الصعبة، مثل النفط الصخري، لافتا الى أنه أصبح منافسا للنفط التقليدي.
وذكر أنه حسب بعض الدراسات، تتوقع وكالة الطاقة الأميركية أن يصل إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأميركية ما بين 13 و14 مليون برميل نفط يوميا عام 2030، إضافة الى أن هناك توقعات بوصول إنتاج روسيا من الخام إلى 14 مليون برميل يوميا مع نهاية العقد الحالي، وذلك حسب دراسات روسية، لافتا الى أن هذا جانب العرض، وموضحا أنه إذا نظرنا إلى جانب الطلب، فإن صندوق النقد الدولي توقّع أن يكون هناك انخفاض كبير في الطلب على النفط خلال الفترة الانتقالية، مشيرا الى أن هذا الأمر يحدث حاليا من خلال زيادة الطلب مثلا على السيارات الكهربائية.
وشدد المطيري على ضرورة وضع الخطط الاستراتيجية لمواجهة التحدي الحقيقي، وهو التحول الى الطاقة المتجددة.
أوضح العامري أن النفط سلعة تتأثر بشكل كبير بالأحداث والهياكل الجيوسياسية، فضلاً عن أداء السوق العالمية، إلا أنه على الرغم من ذلك، فإن هناك بعض العوامل الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار عند دراسة كيفية تحديد سعر النفط، وهي «أوبك»، والدول المنتجة للنفط من خارجها، والصدمات الخارجية، والأداء الاقتصادي العالمي، ومصادر الطاقة البديلة، وقوة الدولار، والمضاربة في السوق، والاستثمار في الحقول الجديدة، لافتا الى أن النفط سلعة مثل أي سلعة أخرى، تتأثر بعوامل العرض والطلب، ويعد الأداء الاقتصادي العالمي أحد عوامل الطلب التي تعمل على تغيير سعر النفط باستمرار.
ولفت الى أن أحد العوامل الجديدة التي تؤثر أيضًا على سعر النفط هي الطاقة المتجددة، مبينا أن هناك دافعا قويا في الصناعة والاستهلاك من أجل الطاقة المستدامة، والتي لا يتناسب النفط معها، وموضحا أنه على هذا النحو أصبحت مصادر الطاقة المتجددة أكبر وأكثر شعبية، مما يؤثر مرة أخرى على الطلب على النفط.
وأكد أن سعر النفط يتأثر بشدة أيضًا بقوة الدولار الذي يمكن أن يؤدي ارتفاع سعره إلى انخفاض سعر النفط، والعكس صحيح، إذا ضعف الدولار، فغالبًا ما يرتفع النفط، مشيرا الى أن أي استثمار في حقول جديدة سيساعد على زيادة العرض، وموضحا أنه لا توجد حاليا استثمارات في الخام بشكل كاف.
وأعرب عن اعتقاده بأن تكون الأسعار بين 60 و120 دولارا على المدى الطويل، وذلك بسبب التضخم الذي سيؤدي الى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل النفط.
وقال: لا يزال من المهم وضع نوع من التقدير للعوامل التي قد تؤثر على الطلب على النفط، وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحريك السعر، لافتا الى أن تفشي Covid-19 يعد مثالًا واضحًا على الصدمة الخارجية، حيث لم يكن أحد يتوقع حدوث ذلك.
تأثير إيجابي
وأوضح أنه إذا ظل الشرق الأوسط مرتعًا للاضطرابات الجيوسياسية، فقد يتأثر سعر النفط مرة أخرى - لكن هذا التأثير قد يكون إيجابيًا بالنسبة لسعر النفط، لأنه قد يؤدي إلى انخفاض المعروض في السنوات المقبلة، مما يؤدي الى تأثر أسعار النفط في السنوات الخمس المقبلة باضطراب الإمدادات، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، حيث قد ترتفع الى 120 دولارًا للبرميل، وهذا مرة أخرى بسبب نقص الاستثمار نتيجة التخوف من أي اضطرابات سياسية، لافتا الى أنه إذا احتفظت «أوبك» بالسيطرة، فإن التوقعات تشير الى أن متوسط أسعار النفط الخام سيدور في نطاق 60 - 80 دولارًا.
وأكد العامري أن النفط سيظل سلعة حيوية لإدارة الاقتصاد العالمي، رغم أن البعض يتطلع إلى التخلص التدريجي منه، معربا عن اعتقاده بأن ذلك لا يزال أمامه أكثر من 100 عام.
جريدة الجريدة