المركز الإقليمي يشعل المنافسة بين المدن الاقتصادية الخليجية

تساؤلات عن وضع الكويت كمركز تجاري ومالي بعد قرار السعودية بضرورة وجود مقار للمستثمرين بها

اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة جريئة في عالم التجارة والاقتصاد، حيث أصدرت قراراً متعلقاً بالتعامل مع الشركات العالمية، بأن أي شركة لديها تعاقدات مع جهة حكومية، سواء كانت هيئة أو مؤسسة أو صناديق استثمارية أو أجهزة رسمية، سيتم إيقاف التعاقد معها ما لم يكن لها مقر إقليمي في المملكة، ابتداء من أول يناير 2024، والغرض من هذه الخطوة أن تصبح الرياض واحدة من أفضل 10 مدن اقتصادية في العالم. فهل يصب هذا القرار في مصلحة الاقتصاد السعودي فعلياً أم أنه مجرد خطوة إجرائية؟ لاسيما أن العديد من الشركات مقرها الإقليمي إمارة دبي، وعليه ستكون هناك منافسة واضحة بين المدينتين في جذب الشركات الأجنبية لإنشاء مقارها لديهما. وبالتزامن مع هذا القرار قامت بعض الشركات العالمية بإعلان نقل مقارها الرئيسية من دبي إلى الرياض، مثل شركة التكنولوجيا الأميركية «بي دبليو سي»، وتم توقيع اتفاقات مع العديد من الشركات الدولية لإقامة مكاتب إقليمية في العاصمة السعودية... وهنا يثار أكثر من سؤال حول وضع الكويت كمركز تجاري و مالي.

بهذا الصدد، قال المستشار والباحث الاقتصادي السعودي سالم الزمام إن تأثير القرار المتعلق بالتعامل مع الشركات العالمية، ليس فقط على دول الخليج، بل على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا قرار أعتبره تلقائياً ناتجاً عن مخطط سابق لرؤية السعودية عند إطلاقها 2016، حيث العمل على المزايا النسبية القوية لها، وهنا نتحدث عن حجم السوق، ومشاريع البنية التحتية ونحوها، ومثل هذا التوجه التنافسي سيكون له عدوى حميدة لباقي دول المنطقة، لترفع سقف طموح تنافسيتها لمزاياها النسبية القوية لديها.

ورأى الزمام أن كل دولة خليجية لديها مزايا نسبية، و"فلدينا مثال موانئ دبي العالمية دخلت سوق الموانئ بالسعودية بعقود تخصيص، والمرجع هنا كمؤشر لدرجة تنافسية كل دولة خليجية نجده في تقرير التنافسية العالمي الذي يصدر من منتدى الاقتصاد العالمي بشكل سنوي، وطبعاً من المهم الاشارة إلى أن الهدف الأساسي من قرار السعودية هذا، اضافة لما سبق هو اقتصادي بحت، حيث التوظيف وزيادة الاستثمار الاجنبي، وما يتبعه من آثار أهمها النقد الأجنبي الداخل.

وأشار إلى أن هناك بعض خطوات تم تنفيذها بهذا الصدد، فهناك قرابة 24 شركة لها مقرات في دبي والبحرين قررت التجاوب مع القرار، "ونتوقع المزيد، وبالنهاية يعتمد مدى ردة الفعل الإجمالية على نموذج عمل كل شركة والنشاط الذي تعمل به، والمزايا الممنوحة لها، والأهم لديها هو استقرار السياسة المالية تحديداً والحوكمة وقوانين الحقوق.

وبخصوص القطاعات الاقتصادية، التي ستغطيها هذه الشركات قال الزمام، إن هذا يعتمد على خطة وتوجهات كل دولة والمرحلة القادمة، وما يخص السعودية كخطة حتى 2030 فهي تقريباً انتهت من مرحلة بناء القدرات المؤسسية، التي عادة تكون مرتبطة بقطاع الاستشارات، وبدأت فعلاً هذا العام بتدشين نظام التخصيص وبدأت مسبقاً بالموانئ، ثم أخيراً مطاحن الدقيق، وخلال 2025 تنتقل لتخصيص معظم القطاعات أهمها الصحة والتعليم، بالتالي تنتقل أنشطة الشركات المتوقع انتقالها وفق هذه الخطة لقطاعات تشغيلية مثل الطاقة والتعدين، التعليم والصحة، السياحة والترفيه وهكذا.

وبين الزمام فيما يخص علاقة ذلك بالتخصيص أنه الأداة المثالية الذي يتطلب لدى شركات كبرى بمثل هذه المجالات المذكورة، والنموذج المثالي لاقتصادات الخليج، وليس كما يردد الكثيرون أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي نموذجنا كقص ونسخ من نماذج اقتصادات أخرى لا تتماثل مع نماذجنا، ولمثل حالة السعودية تكون شركات عالمية مع شركات وطنية ذات نفس طويل في التشغيل حتى تحقيق الأرباح، ومستوى توظيف لائق للمواطنين.

واستطرد: كما نتوقع كثيراً من طروحات أولية لها بسوق الأسهم أيضاً، ولدينا عدة أمثلة لشركات صندوق الاستثمارات وشركات عالمية مع أرامكو ونحوها كمشروع الهيدروجين الأضخم عالمياً بين نيوم وأكوا باور السعودية وشركة اير برودكتز، ومثل هذه الاستراتيجيات بلا شك تتطلب لمثل دول الخليج كافة، قاعدة من منظومة تشريع ومنظومة بنية خدمات حكومية ومثل بنية تحتية خدمات قطاع خاص مالية وتأمين اذا أردنا أن نحقق فائدة منها للقطاع الحكومي كمنظم فقط، وللقطاع الخاص كمنفذ، ولقطاع الأسرة كشريك بينهم.

وذكر أن المنافس الأكثر "شراسة" للسعودية بلا شك هي دبي، كمقرات إقليمية لهذه الشركات، وليس الإمارات، لكن كما ذكرت سابقاً، المال يبحث عن المال، ومقارنة بحجم الإنفاق الحكومي بالمنطقة فالمعلن من عام 2021 حتى 2030 للسعودية ضخم جداً يصل حتى 7 تريليونات دولار خليط بين إنفاق حكومي ومعظمه من صناديق حكومية ودولية وكذلك شركات كبرى ممولة من بنوك ومصارف عالمية ومن خارج السيولة المحلية.

محاولة تشكيل الاقتصاد

من ناحيته، قال الباحث الاقتصادي مرزوق النصف إن هذه المبادرة ليست مبادرة السعودية الأولى لاستقطاب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، إذ أعلنت في يناير حوافز للشركات العالمية لنقل مقراتها الإقليمية، شاملة إعفاء ضريبياً لمدة 50 عاماً، لكن القرار السعودي اللاحق في 15 فبراير كان أكثر حدة، ومفاده بأنه ما لم تنقل الشركات العالمية مقراتها الإقليمية بحلول عام 2024 فإن تلك الشركات ستُقصى من مشاريع الحكومة السعودية.

وأضاف النصف، أن أحد الجوانب اللافتة في هذا التوجه أنه لا يعتمد على آلية السوق وحدها في تحقيق الأهداف الاقتصادية، بل يمثل دوراً مباشراً للحكومة في محاولة تشكيل الاقتصاد وفق الشكل الذي تراه مناسباً، فيما يبدو أنه ابتعاد نسبي عما يُعرف بـ "النيوليبرالية".

النيوليبرالية تاريخياً

ولكي تتضح الأمور تطرق النصف لشرح "النيوليبرالية", وأوضح أنه نهج اقتصادي سياسي انتشر منذ سبعينيات القرن العشرين في الدول الرأسمالية، مفاده بأن تخلق الحكومة مزيداً من المجال للقطاع الخاص وآلية السوق ضمن عناصر رأسمالية أخرى، عبر سياسات مثل خصخصة النشاطات غير الخاصة ورفع الضوابط عن الأسواق، وقد تلقّى هذا النهج هزة أفقدته قدراً من مصداقيته خلال أزمة عام 2008 الرأسمالية العالمية، وأخيراً دفعت جائحة كورونا الاقتصادات الرأسمالية الكبرى والمؤسسات الدولية التي تنشر النيوليبرالية مثل صندوق النقد الدولي للتراجع النسبي عن هذا النهج، وتحديداً التراجع عن فرض التقشف المالي القاسي على الحكومات، وتأييد دور أكبر للحكومة في التحفيز المالي المباشر للاقتصاد وإن كان على حساب رفع الدين العام، وتوفير مزيد من الحمايات للفئات المتضررة من أزمات النظام الرأسمالي الدورية.

وتابع النصف: هذا مع الانتباه إلى أن النيوليبرالية، والرأسمالية عموما، لم تكن يوما رافضة بشكل كامل لدور الحكومة الاقتصادي في الواقع، فالرأسمالية الناضجة هي صنيعة السياسة والحكومات تاريخيا، كما وضّح ذلك المؤرخ الاقتصادي كارل بولانيي في كتابه "التحول العظيم"، المنشور أول مرة في عام 1944، ولا يزال الكتاب مرجعا كلاسيكيا ومفيدا لتبديد الفكرة الشائعة والخاطئة بشأن كيفية نشوء الرأسمالية تاريخيا واستمرارها يوميا، إذ إنه تاريخيا وفي الحاضر فإن كثيرا من الرأسماليين ومؤيدي الرأسمالية المؤثرين يدعمون ويستفيدون من دور الحكومة حينما يحمي ويقوي الرأسمالية، مثلا عبر نشر وحماية الملكية الخاصة وآلية السوق بقوة القانون واستهداف الحكومة تعظيم أرباح الشركات، وهي سياسات تقوم بها الحكومة نفسها، ويطلق عليها مؤيدوها أوصافا إيجابية مثل "التحفيز" و"زيادة التنافسية" و"تحسين بيئة الأعمال"، بينما يرفض هؤلاء عادة دور الحكومة حينما يكون ذلك بالضد من المصالح الرأسمالية، مثلا عند تشريع قوانين لحماية الموظفين وزيادة الضرائب على أرباح الشركات، حيث يطلقون على تلك السياسات أوصافا سلبية مثل "البيروقراطية" و"محاربة القطاع الخاص" و"هيمنة القطاع العام".

‎وعودة للسعودية، أشار النصف أن هناك ثلاثة أمثلة أخرى على الأقل، على ما يبدو، لعدم الالتزام بالنهج النيوليبرالي بحذافيره، وأول مثال هو استهداف "رؤية المملكة العربية السعودية 2030" تطوير الصناعة العسكرية المحلية، بحيث توفر على الأقل 50 في المئة من احتياجات السعودية العسكرية، جزئيا، عبر اشتراط الحكومة عند التعاقد مع شركات التصنيع العسكري العالمية أن تنتج جزءا من معداتها في السعودية، وثاني مثال هو استهداف جعل صندوق الاستثمارات العامة السعودي أكبر صندوق سيادي في العالم، وهو صندوق حكومي، وثالث مثال إطلاق مبادرات حكومية للتطوير العقاري جزئيا، بسبب فشل القطاع الخاص في معالجة القضية الإسكانية، حيث إن أكثر من 95 في المئة من المطورين العقاريين في السعودية قدراتهم بدائية.

‎أما بشأن دول الخليج، فقال النصف: بشكل عام هناك مفارقة كبيرة في رؤى التنمية الخليجية، وهي مفارقة تنقض أيضا الزعم بأن النيوليبرالية تعارض دور الحكومة الاقتصادي في الواقع، فرؤى قطر والكويت والبحرين وأبوظبي والسعودية جميعها رؤى حكومية تستهدف خلق اقتصاد نيوليبرالي بدرجات متفاوتة، أي أن الحكومة نفسها ستسعى لخلق وضمان استمرارية اقتصاد يُفترض أنه يقلص دور الحكومة الاقتصادي، وهذا الالتباس الفكري هو ما رصده كارل بولانيي عند صعود الرأسمالية في أوروبا، وبريطانيا تحديدا، ونحن نراه يحدث أمامنا في الخليج بشكل صريح منذ إطلاق أول رؤية تنمية معاصرة في الخليج في يوليو 2008، وهي "رؤية قطر الوطنية 2030".

‎وختم النصف بأن أحد استنتاجات هذا التحليل هي أن الاقتصادات الحديثة بمختلف مشاربها فيها دور للحكومة، والسؤال الأهم هو: ما الهدف من هذا الدور؟ ومن سيستفيد منه أكثر من غيره؟ مثلا أكبر اقتصاد رأسمالي في العالم اليوم، وهو اقتصاد الولايات المتحدة، يشهد حاليا دورا كبير للحكومة في محاربة انتشار الشركات والتكنولوجيا الصينية في العالم، عبر التضييق، مثلا، على شركة "هواوي" الصينية عالميا، والتهديد بمنع تطبيقات مثل "تيك توك" داخل الولايات المتحدة لأن مالكة التطبيق كانت شركة صينية، وكل ذلك من أجل المحافظة على الهيمنة الأميركية على العالم اقتصادياً وتكنولوجياً وأمنياً وسياسياً، بينما الصين بدورها تحاول الاستمرار في توسيع نفوذها عالميا.

‎وتساءل: ماذا سيكون موقف دول الخليج؟ هل سيُوجّه دور الحكومة الاقتصادي لدعم التكامل الاقتصادي الخليجي مثلا، أم ستتجه دول الخليج لمنافسة بعضها البعض، أم سيكون هناك خليط بين التوجهين؟ مجيباً: لعل الراجح هو الخيار الأخير، مع ميل نحو المنافسة وليس التكامل في المستقبل القريب، والمهم هنا التخلي عن التصور أنه يمكن أن تكون هناك نقلة اقتصادية وتنموية نوعية بالاعتماد حصرا على آلية السوق والقطاع الخاص، بل المطلوب دور قيادي وحصيف للحكومة، بحيث لا تضمن فقط اقتصادا مستداما ماليا، بل ومستداما بيئيا، ومستقلا عن هيمنة الدول الأخرى، ومستقرا في مواجهة الأزمات الدورية للاقتصاد الرأسمالي المحلي والخارجي، وتعم منافعه الفئات الأفقر والأضعف في المجتمع.

التنافس الخليجي

وفيما يتعلق بأثر هذا القرار على مستوى المنافسة بين دول الخليج، وتحديداً البحرين، أفاد الباحث الاقتصادي عبدالجليل النعيمي بأن المنافسة ليست هي المطلوبة خليجياً بل التكامل، فشركات النفط ودولها حددت مكان بلداننا في التقسيم الدولي للعمل كمصدر لمواد الطاقة، ومستورد لمعظم الاحتياجات.

وأضاف النعيمي أن تكريس هذا الوضع غيّب من وعينا اللاحق مفهوم التقسيم الإقليمي للعمل، الذي يجب أن يقوم على أساس التنوع التكاملي، لا التشابه التنافري، وبما ينشط التجارة البينية بينها وتقليل الاعتماد على الخارج، لكن رغم قيام مجلس التعاون الخليجي فإن اتجاهاً مضاداً للتكامل أخذ في التطور، وتكفي الإشارة إلى ظاهرة تكاثر قطاعات الطيران وصناعات الألمنيوم والأحواض الجافة بعد أن كانت متركزة في البحرين، وقد تأثر الاقتصاد البحريني بلا شك، كما تراجعت كمركز مالي وتجاري إقليمي.

وذكر أن آراء من السعودية تدفع بأن القرار ينطبق على الشركات العالمية المرتبطة بعطاءات حكومية، بينما للبقية حرية التعامل مع القطاع الخاص، كما أن طبيعة استراتيجيات التنمية في السعودية والإمارات (كذلك البحرين) تختلف، فالأولى تركز على "القطاعات ذات القيمة المضافة العالية"، أما الثانية فعلى العقارات أساساً، لكن يبدو أن السعودية هي الأخرى تطمح لأن تصبح المركز المالي الجديد للشرق الأوسط.

ورأى أنه آن الأوان لمقاربة الاستراتيجيات الاقتصادية من منظور اقتصادي خليجي عام، فالعالم بدأ يعيش زمن التكتلات الاقتصادية الإقليمية، وطبيعي أن ذلك صعب التحقيق عندما يغيب التمثيل الشعبي عن صنع القرارات الاقتصادية الكبرى، كما السياسية.

اقتصاد خليجي

وأشار إلى الاستثمارات الأجنبية وقسّمها إلى استثمارات غير مباشرة، كالعقار والمال والاتصالات، والاستثمارات المباشرة التي بدورها تنقسم إلى استثمارات في الصناعات الاستخراجية (كالنفط والغاز، وهي أكثر ما يتجه إليه رأس المال الأجنبي) واستثمارات في القطاعات الإنتاجية الأخرى، وقال في هذه الأخيرة يكمن "اكسير الحياة" بالنسبة للاقتصاد الوطني أو الإقليمي المتوازن والمعافى، لا يمكن القول إن هذا التوجه الصحي غير موجود، لكنه لا يزال غير ريادي، ومجرد نظرة إلى مكونات الناتج الإجمالي المحلي ووزن كل منها تكشف هذا الواقع.

وأضاف النعيمي عودا على بدء، "نقول إنه متى ما تعزز التوجه في الاستثمارات ذات الطبيعة التكنولوجية المتقدمة في مختلف القطاعات الاقتصادية، وعلى أساس من تقسيم إقليمي رشيد للعمل وتكامل تخصصي على أساس هذا التقسيم، فلن تعود للتنافس أية آثار مضرة لا على الاقتصاديات المحلية ولا الخليجي عامة".

إشكاليات القرار

من جانبه، قال الأكاديمي د. عبدالعزيز العصيمي بشأن القرار، إن الحديث في هذا الموضوع ينبغي معرفة قواعد عامة، فمن أبرز مقررات التجارة الدولية أن جميع أطرافها من الدول تكون أكثر استفادة من ميزاتها التنافسية في حال إلغاء جميع الحواجز والعوائق بينها، لكن هذه القاعدة العامة، التي ازدهرت بناء عليها العولمة الاقتصادية منذ ستينيات القرن الماضي لا تلتزم بها أغلب الدول بل تقوم عادة بتجيير قرارتها للفوز بأفضل ميزات تفاوضية تكون عادة - بحسب الدولة المعنية - أفضل للقطاع الأكبر في اقتصاد هذه الدولة.

وأضاف العصيمي أن قرارت المملكة هنا تصب في هذا الاتجاه وهي محاولة في توسيع استقطاب مقرات الشركات الكبرى الإقليمية للاستفادة منها في توسيع البنية الاقتصادية وتوفير الوظائف ونقل الخبرات العالمية، كما يمكن أن تزيد عوائد خزينة الدولة الضريبية.

إلا أن هناك إشكاليات عدة قد تواجهها:

• مثل هذه القرارات قد تكون مفيدة لو اتُّخذت من طرف واحد (المملكة هنا)، إلا أنه من المتوقع جداً أن تقوم دول عديدة في المنطقة بمحاولة الرد بقرارات مشابهة، أو من خلال حوافز أخرى (ضريبة أو استثمارية).

• أغلب الشركات العالمية لها مقار إقليمية، ونقل هذه المقار مكلف جدًا، خصوصا أن هذه المقار قد بنت لشركاتها شبكة إمداد إقليمية مستقرة.

• التطور التكنولوجي في التواصل قد يزيل الحاجة قريباً إلى المقار الإقليمية، وقد أوضحت أزمة وباء كورونا، بشكل جيد، الإمكانية العالية لهذا الأمر.

• القرار ما زال في عمومه هادفا إلى جذب الاستثمارات، لكن التفاصيل قد تبين الكثير من العوائق الأخرى.

وتطرّق العصيمي إلى نماذج عالمية متطابقة مع هذا الاتجاه الاقتصادي في استقطاب الشركات الكبرى، وقال إن مثل هذه الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية والشركات الكبرى توجد عالمياً بأشكال مختلفة من خلال تسهيلات ضريبية أو استثمارية، ويعتمد مدى نجاحها بشكل كبير أولاً على فهم الدولة لمقدراتها الاقتصادية، وثانياً على قدراتها التفاوضية، ولعل نظرة فاحصة لما حدث في أعقاب انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يؤكد لنا المقرر أن أي اتجاه لفرض قيود على التجارة الدولية سيكون له في "المدى الطويل على الأقل" آثار غير جيدة على كل الأطراف، ولعل أول هذه الآثار سيكون عدم اليقين في الأسواق الإقليمية والعالمية.

فرصة الكويت

وأشار العصيمي إلى فرصة الكويت في استقطاب هذه الشركات أثناء الخلاف الخليجي، قائلا إن الحديث عن الكويت ذو شجون، فإشكالية الكويت الأساسية هي افتقار السلطة السياسية لأيّ تصور أو رؤية اقتصادية، بل غارقة في تخبّط مستمر من القرارات التي تفتقر لأيّ منطق اقتصادي رابط بينها، إشكالية الأعمال التجارية في الكويت تبدأ من الإجراءات الحكومية المعقّدة وغير المفهومة، وهذا الأمر في حد ذاته طارد للاستثمار المحلي (النشط) فما بالنا بالاستثمارات الأجنبية؟

نعم الأزمة الخليجية كانت فرصة ممتازة لتوسيع حجم الاستثمار الأجنبي، وقد ضاعت وستضيع أي فرصة مستقبلية مع سلطة سياسية كهذه.

وأنهى العصيمي حديثه قائلا إنه بلا شك هناك منافسة إقليمية من عدة محاور، فقد وضعت دولة الإمارات، منذ فترة بعيدة، مجموعة كبيرة من الحزم التحفيزية لجذب هذه المقار الإقليمية، كما أن قطر قد سعت خلال الأزمة الخليجية في محاولات استقلال تجاري من خلال بنية ذاتية وعلاقات عالمية مباشرة، أما على مستوى الشرق الأوسط فهناك العديد من الدول، مثل تركيا ومصر، التي تتمتع بقدرات بشرية وخبرات أكبر، وعليه، فإن القرار صعب ويعتمد نجاحه بشكل كبير على تفاصيله وحيثياته وعلى ردة الفعل الإقليمية.

جريدة الجريدة